School dropouts: a problem that worries parents and educators!!! مع مطلع حلول موسم الدخول المدرسي في كل سنة يكثر اللغط حول مواضيع شتى تتعلق بتمدرس الأبناء والبنات، وتتراوح تلك القضايا ما بين الخوض في مقارنات يائسة بين التعليم الخصوصي والتعليم في المدارس العمومية، وقضية المناهج والمقررات وغلاء الكتب الدراسية، ومشكلات النقل المدرسي، وقضية العنف المدرسي، وكذلك قضية ساعات التقوية التي أصبحت تلهب جيوب الضعفاء، وتحظى قضية الهدر المدرسي إلى جانب تلك القضايا السابقة الذكر، بالإضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بالحياة الطلابية، تحظى (كما قلنا) بحيز لا بأس به من النقاش سواء على صعيد الأسر أو جمعيات المجتمع المدني أو المسؤولين والفاعلين في قطاع التربية والتعليم. وفي حقيقة الأمر، فإن آفة الهدر المدرسي هي مثل مرض خبيث ينخر هيكل وعظام المنظومة التربوية والتعليمية ويحول بينها وبين تحقيق أهدافها المنشودة، تلك المنظومة التي عجزت إلى حد الآن عن إيجاد علاج أو وصفة دوائية أو إصلاحية تحد من انتشار ذلك المرض العضال في هذا الجسم العليل منذ سنوات!!!. وفي حقيقة الأمر أيضا أن الهدر المدرسي لم يأت من عدم، بل هو وليد ترسبات قديمة وتراكم لمشاكل متسلسلة ومترابطة بعضها ببعض، لا زالت منظومة التربية والتعليم تتخبط فيها. هذه المنظومة التي (عكس الكثير من الدول) توالى على رئاسة الوزارة المعنية بها أكثر من ثلاثين وزيرا منذ 1956 (أي غداة استقلال البلاد). أمر يبدو فعلا عجيبا وغريبا في آن واحد!!!، إذ لم يفلح لا السابقون الأولون ولا الآخرون في وضع قواعد وأسس متينة لهذه المنظومة تدفع بها نحو التقدم والازدهار بدلا من التقهقر والركود؛ لم يفلح أولئك الوزراء (على كثرة عددهم) في وضع الأسس التي ترقى بها إلى مستوى الجودة المنشودة وتربي خريجي المؤسسات بها على المعرفة الحقة والأخلاق الفاضلة، كما أن أولئك المسؤولين لم يفلحوا في تفعيل وتنزيل "المدرسة الدامجة" (Inclusive School) والتي من شأنها أن تهتم بشؤون الأطفال الذين هم من ذوي الاحتياجات الخاصة أو في وضعية إعاقة، إذ تحتاج تلك الفئة من التلاميذ عناية خاصة وأقسام مجهزة وأطر من المربين لهم تكوين خاص ويتمتعون بمهارات عالية وتدريب مستمر ومصاحب. نعم، ظلت منظومة التربية والتعليم كمختبر تجرّب فيه مختلف النظريات والبنيات المستوردة والمهجنة أحيانا لعلها تتلاءم مع بيئة هذا البلد الإسلامي الأبي وتحقق رغبات أبنائه وبناته. ولعل الباحث في هذا المجال سيصطدم بل ويصدم عندما يجد بأن التعليم في المغرب ظلت تتجاذبه التيارات الحزبية والإيديولوجيات اليمينية تارة واليسارية ثارة أخرى، والأدهى من ذلك والأمر هو أن الأمور كانت تسند أحيانا إلى غير أهلها، إذ أصبحت نتائج الانتخابات تتحكم فيها الجهات الغنية وتتمسك بدواليبها، فيتفاجئ الجميع بأناس لا ناقة لهم ولا جمل لا في عالم السياسة ولا التسيير، ناهيك عن عالم الدراسة والمعرفة!!!. ماذا نتوقع إذن من منظومة تربوية وتعليمية تظم مكاتب وزارتها مديريات وشخصيات لا تحصى لا فائدة منها ولا جدوى!. لا نستغرب إذن إذا ما رأينا نسبة الهدر المدرسي ترتفع بوتيرة مخيفة، ولا نستغرب إذا ما زلنا إلى يومنا هذا نصادف أناسا تنقصهم الخبرة والمعرفة يتجولون في أروقة مؤسساتنا التربوية والتعليمية وحتى في الوزارة المعنية والإدارات المركزية، لا لشيء سوى أن لهم ظهرا يحتمون به أو يلجئون إليه كطوق نجاة كلما حشروا في زاوية أو وضعوا أمام أمر الواقع. نعم، قد يستمر هذا الوضع المزري طالما ملفات الكفاءات العالية يعتريها الغبار في مكاتب المسؤولين ولا تتم المناداة عليهم مخافة أن يزاحموا هؤلاء أو أن يكشفوا حقيقتهم. ويا ليت هؤلاء استوعبوا ما جاء في معظم الخطابات السامية حول حاجة البلد إلى الكفاءات العالية وتجديد دماء الإدارة التي تتحكم في مصير هذا القطاع الحيوي المهم. لكن دعونا نعرج بعض الشيء على مفهوم الهدر المدرسي وأسبابه، لعلنا نلم ونتفهم مخاطر هذه الآفة الفتاكة، ونتلمس الحلول الممكنة لعلنا نساهم في إيجاد مخرج يساعد أبناء وبنات هؤلاء التعساء من أسر مجتمعنا الذين ربما أنفقوا ما ورائهم وما أمامهم، ليجدوا فلذة أكبادهم خارج حجرة الدرس منقطعين عن الدراسة أو فارين منها عاجزين عن ملاحقة أقرانهم. معنى الهدر المدرسي: ورد عن ابن منظور في لسان العرب أن مفهوم "الهدر" هو إبطال الشيء، وذهب دم فلان هدْرا وهدَرا (بفتح الدال)، أي باطلا ليس فيه قود ولا عقل ولم يدرك بثأره. وكثيرا ما يختلط مفهوم "الهدر المدرسي" ب"التسرب المدرسي" وهما وجهان لعملة واحدة. وقد أصبحت هذه الآفة تؤرق معظم الدول العربية بوجه عام والمغرب بصفة خاصة، إذ انكبت الوزارات المعنية بقطاع التعليم ومنذ أمد بعيد بدراسة أسباب هذه الآفة ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة لها. كما أن تلك الوزارات قد اتخذت جملة من التدابير لتصحيح الوضع وإعادة الأمل لآباء وأمهات وأولياء أولئك التلاميذ كي يروا أبنائهم وبناتهم يشقون طريقهم نحو تحصيل علمي فعال يضمن لهم مستقبلا حافلا بالنجاح والتفوق ويحفظ لهم كرامتهم. كما أن المتتبع لهذا الموضوع سيجد بأن هذه الظاهرة لها أسباب متعددة يمكن طرحها في خطوط عريضة على سبيل المثال لا الحصر ومنها: أ- أسباب تتعلق بسياسة وبيئة التربية والتعليم: لا زلنا في حاجة ماسة لمنظومة تربوية ذات أسس متينة وأهداف واضحة المعالم، ومناهج ومقررات وسياسات خاضعة لجميع معايير الجودة الشاملة. سياسات تضمن المساواة والحق في التمدرس وكسب المعرفة للغني والفقير ولا تعتمد على طبقية واضحة المعالم. سياسة تربية وتعليم تدعم المدارس العمومية وتكفل التعليم والتكوين لبنات وأبناء الوطن دون تكلفة لأن ذلك حق مكتسب مشروع. سياسة تربية وتعليم بمخرجات عالية الجودة من حيث الكفايات والمهارات تتماشى مع متطلبات سوق الشغل ولا تحول الشباب إلى بطالة عاطلة عن العمل رغم حيازتها لشهادات عالية. المعلم (ة): أي أن قسوة المعلم أو جفائه أو غلظته قد تؤدي لا محالة إلى الفرقة وعدم محبة الطالب لمعلمه أو نفوره منه. كما أن عدم تأطيره وتكوينه التكوين الصحيح والمتين يساهم سلبيا في إشكالية الهدر المدرسي. الشكل الداخلي والخارجي لفضاء المدرسة: لا شك أن شكل المدرسة الخارجي والداخلي الغير جذاب والشبيه بمنظر السجون سابقا ينفر التلاميذ منها، بل ويبعث بروح الاشمئزاز وعدم الرغبة في التردد عليها كل يوم، ناهيك عن عدم الولاء أو الانتماء إليها. كما أن الفضاء المدرسي الذي يفتقر إلى أبسط المقومات كالمراحيض النظيفة والملاعب والمكتبة والساحة الجميلة، لا يبعث بالإرتاياح ولا يشجع على التمدرس. المناهج والمقررات الدراسية: إذا كانت المناهج عقيمة وتعتمد على الحفظ وسرد المعلومات فقط، وليست محبوبة وجذابة ولا تبعث في التلميذ روح البحث ولا تشجعه على التفكير النقدي (Critical Thinking) ولا تدعو إلي ترسيخ القيم الحميدة والافتخار بعقيدة الطالب وثقافته وهويته، ولا تحاكي متطلبات الفرد والمجتمع وسوق الشغل في وقتنا المعاصر، فهي بدون شك من أحد أسباب كراهية الطالب للدراسة والمدرسة ككل. ب- أسباب شخصية أو اجتماعية: - رفقاء السوء: في ظل عدم الارتياح للفضاء المدرسي وللشارع بصفة عامة مما نسمع عنه من اختلالات وجرائم وانتشار للمخدرات والجريمة والعنف اللفظي والجسدي والمادي، فإن مرافقة أصحاب العادات السيئة ومحاولة الانخراط معهم في الأعمال والعادات المحظورة أو تقليدهم بأي شكل من الأشكال، يأدي إلى الانقطاع عن الدراسة والنفور منها، بل ويفسد طبيعة الفرد، ولهذا فإن الآباء والأمهات والأسر بصفة عامة مطالبة (أكثر من أي وقت مضى) بالمراقبة اللصيقة للأبناء والبنات ومعرفة من يصاحبون من أقرانهم، حفاظا على سلامتهم. إغفال الوالدين: إن عدم المبالاة من طرف الآباء اتجاه أبنائهم، وعدم تقديم النصح والإرشاد لهم في الأوقات اللازمة عبر جميع مراحل حياتهم ومنذ نعومة أظافرهم، وتوجيههم التوجيه الديني والشرعي والعقائدي والأخلاقي الصحيح يعطي فرصة للطالب -حتى وهو في سن مبكر- في التفكير بالانقطاع عن الدراسة أو التهاون في القيام بواجباته اليومية والتهاون في التركيز على التحصيل العلمي. أوقات الفراغ: إذا كانت المدرسة أو الوالدين يجحفان في إعطاء التلميذ حقه الوافي من أوقات الفراغ حتى يخلو لنفسه ويلعب مع أقرانه، فإن ذلك قد يورث في نفس الطالب الرغبة الجامحة في الابتعاد عن المدرسة ومحاولة الحصول على أوقات فراغ أطول. وإما أن يعطى التلميذ أوقات فراغ أكثر من اللازم مما يؤدي إلى تشتت ذهنه وعدم مبالاته بواجباته. أسباب نفسية: هنالك أسباب نفسية أحيانا تكون مرتبطة بشخصية التلميذ وطبيعته، يصعب معها فك لغز الانزواء أو الاكتءاب لدى الطالب ورغبته في الابتعاد عن المدرسة. وهذا من واجب الآباء والمدرسة معا في تقويم أي اعوجاج وإصلاحه والتنبه إليه في وقت مبكر قدر المستطاع. عدم معرفة قدرات الطالب: كثير ما يصاب بعض التلاميذ النجباء بالإحباط لأن معلمهم لم يكتشف قدراتهم ويعطيهم حقهم من الاهتمام لإبراز مواهبهم، ولدينا العديد من الأمثلة لعظماء غادروا المدرسة مبكرا لهذا السبب. كما أن هناك حالات خاصة تستدعي الاهتمام الخاص، كعدم القدرة على القراءة (Dyslexia)، وغيرها من العوائق التي قد تصيب الطفل. الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة: كثيرا ما نرى حالات الانقطاع عن الدراسة في صفوف فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، أو الأطفال في حالة إعاقة، وذلك لأسباب كثيرة: إما عدم قدرة العائلة ماديا ومعنويا؛ أو عدم وجود أقسام تستجب لحاجيات هؤلاء الأطفال وتلبي رغباتهم لأنها غير قادرة وغير مجهزة ولا تمتلك الأطر التربوية المتخصصة والمدربة في هذا المجال، مما يجعل نسبة كبيرة من أولئك الأطفال يغادرون المدرسة أو يحرمون من التسجيل والالتحاق بصفوفها. التأثير السلبي للهواتف الذكية على الصغار: لا شك أن العديد من الأسر تعاني من التأثير السلبي للهواتف الذكية وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي على الأبناء. مع كامل الأسف فقد انجرف وراء هذه الأجهزة حتى صغار السن حيث أصبحوا منجرفين وراء الألعاب والتطبيقات مما يحرمهم من وقت كثير كان من الواجب أن يستغل في مراجعة الدروس وحل الواجبات، وجراء ذلك، قد يتقاعس التلميذ عن الدراسة نظرا لطول السهر بالليل وبالتالي يصبح عرضة للشارع. أسباب اجتماعية مرتبطة بالفقر والهشاشة: هنالك العديد من الأسباب الاجتماعية كالفقر والهشاشة والسكن بالأحياء المهمشة دون أدنى وسائل العيش التي تحفظ للمرء كرامته، وكذلك العنف داخل الأسرة، أو الزواج المبكر وعدم الإحساس بالمسؤولية لدى أحد الطرفين أو كلاهما، كل هذه العوامل تهيئ جوا لا يدعو إلى الرغبة في متابعة الدراسة أو الالتزام بمتطلبات المسار الدراسي والحضور إلى حجرات الدرس بانتظام. وتجدر الإشارة هنا إلى أن من الأسباب الصارخة والتي لا يمكن إخفائها عن أحد خاصة في السنوات الأخيرة هي ظاهرة الاكتظاظ التي تعرفها معظم المؤسسات التعليمية ببلادنا وهي حمى قد تصيب معظم مؤسسات التعليم العمومي بسبب النقص الحاد في عدد المؤسسات العمومية والأطر التربوية، مما يدفع عددا من التلاميذ نحو الهدر المدرسي، حيث قد يجد عدد من التلاميذ أنفسهم في الشارع بعد رفض المؤسسات التعليمية استقبالهم ورصد أبوابها في وجههم. وكما ذكرنا آنفا، فلا يمكن حصر جميع الأسباب، لكننا يمكن أن نلامس جلها من خلال الحلول المقترحة التالية، كما أنه لابد للأمة ككل أن تتحلى بروح المسؤولية وتتصدى لأخطار هذه الآفة التي استفحلت في المجتمع منذ عقود، ويكفي أن نضرب مثالا ببعض الأرقام منذ سنوات مضت لنرى جميعا حجم خطورة هذه الآفة وما قد تأدي إليه من تخلف فكري وتقهقر اقتصادي واجتماعي وثقافي. فمن بين الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية، والتي أجريت خلال سنة 2008 أن أكثر من 300.000 ألف تلميذ وتلميذة من الفئة العمرية (6-15سنة ) ينقطعون سنويا عن الدراسة، هذا الأمر الذي يتسبب في تأخر التعليم من جهة، وفي الرفع من نسبة الأمية من جهة ثانية، والتي تصل نسبتها إلى حوالي 34% حسب الإحصائيات الرسمية، بينهم أكثر من مليون طفل يتراوح عمرهم 9 و14 خارج المدرسة لا يعرفون القراءة والكتابة. خلاصة: كل هذا يجعل بلادنا تحتل مراتب متدنية في مؤشرات التنمية البشرية بالرغم من المجهودات المبذولة (عن د. عبد العزيز رشدي في مقاله: ظاهرة التسرب المدرسي: أسباب وحلول). علما بأن الأرقام في ارتفاع متزايد، مع كامل الأسف، والأمر يستدعي تضافر جهود وطنية صادقة من جميع الأطراف يتم من خلالها الإجماع على خطط إستراتيجية شامة (Holistic Strategic Plan) ، يتم من خلالها معالجة المشاكل المؤدية الى تلك الآفة، وعدم الاتكال على الحلول الترقيعية التي سرعان ما تنتهي صلاحيتها لتعود منظومتنا التربوية والتعليمية إلى نقطة الصفر. ومما لا شك فيه فإن الحلول الترقيعية أو الظرفية المحدودة هي التي طالما دفعت بدول نامية كثيرة إلى التخبط في مشاكل البطالة والهدر المدرسي والتخلف الفكري وتنامي العنف واستفحال الجريمة، مما يجعل شعوبها تعاني من أوضاع اقتصادية متردية لا تسمح بتوفير تكاليف التعليم، وتعاني أنظمتها التعليمية من الجمود والتخلف وعدم كفاءة الموارد البشرية لتسد حاجيات سوق العمل. ولاشك أن لتلك الأسباب كلها ولظاهرة الهدر المدرسي أيضا انعكاساتها الخطيرة على المجتمع ككل، ناهيك عن كونها دائرة سوداء تحجب عن المجتمع رؤية نور المعرفة الحقيقي وإشعاعه، كلما اتسع قطرها زادت معه مخاوف اتساع رقعة الأمية وضعف مردودية الإمكانيات البشرية والتدني والتدهور الأخلاقي واندثار التحلي بالأخلاق الفضيلة والتقاعس عن البر بالوالدين والإحسان وفعل الخير. "أكعاون ربي" والله ولي التوفيق،،، *خبير في مجال التربية والتعليم، مستشار [email protected]