تقدم كيب تاون، الواقعة في جنوب إفريقيا، الكثير من أجل تسلية الأثرياء في هذا العالم، حيث توفر الشمس والرمال والتزلج على الماء وإطلالات الجبال الجميلة، بالإضافة إلى بعض أفضل الأطعمة وأنواع النبيذ في العالم. ولكن خارج وسط المدينة، مع وجود الفنادق البراقة والحانات الفاخرة والمطاعم الحائزة على نجمة ميشلان (الخاصة بتقييم جودة المطاعم وما تقدمه من أطعمة)، هناك في هذه المدينة السياحية جانب أكثر قتامة، يتمثل في المستوطنات مترامية الأطراف على مشارف المدينة، حيث أصبحت الجريمة خارجة عن السيطرة. ولكن، ماذا بوسعك أن تفعل عندما تنهار الثقة في الشرطة وتتفشى الجريمة؟ فبعد عطلة نهاية أسبوع دموية بشكل خاص في كيب تاون هذا الصيف، مع وقوع 73 جريمة قتل، لم يجد سكان الأحياء الفقيرة في المدينة حلا سوى استدعاء الجيش من أجل استعادة النظام. وقد سمع البرلمان صراخ هؤلاء السكان من أجل طلب المساعدة. وفي يوليوز الماضي، بدأ الجنود المسلحون القيام بدوريات في منطقة "كيب فلاتس". وبعد مرور أسابيع قليلة، أشاد بهيكي سيل، رئيس شرطة جنوب إفريقيا، بالعملية ووصفها بالناجحة. وقد تم إلقاء القبض على نحو 800 من المجرمين المطلوبين للعدالة، ومصادرة 45 قطعة سلاح، إلى جانب كميات كبيرة من الذخيرة، ومداهمة العديد من أوكار المخدرات. وفي عالم مثالي، لن يكون من الضروري إرسال جنود إلى المناطق السكنية، حسبما يقول رئيس الشرطة. ويقول سيل: "لا يمكن أن يكون وجود الجنود حلا دائما - نحن نستعد للوقت الذي ستتولى فيه الشرطة السيطرة". ويضيف أن المواطنين استقبلوا الجنود، الذين تم إرسالهم في البداية لمدة ثلاثة أشهر، بشكل إيجابي. ولكن يوهان برجر، بمعهد الدراسات الأمنية الخاصة بإفريقيا، لديه وجهة نظر مختلفة، وهي أن "نشر الجيش هو اعتراف من جانب الحكومة بأن نظام الشرطة في أزمة عميقة". ومن أجل الحصول على دليل على ذلك، يتعين عليك فقط إلقاء نظرة على صناعة الأمن الخاص المزدهرة هناك؛ حيث يبدو أن أي شخص في جنوب إفريقيا يقوم بدفع ثمن الأمن الخاص، طالما كان قادرا على تحمل تكاليف ذلك. ويقول برجر إن "صناعة الأمن الخاص يعمل بها نحو 500 ألف فرد عامل، بينما يوجد لدى الشرطة نحو 150 ألف"، مضيفا أن المدينة تتعامل مع حالة من فقدان الثقة – بصورة كبيرة - في الشرطة. ويعتقد برجر أنه من المحتمل أن يتم تمديد نشر الجيش إلى ما بعد الأشهر الثلاثة الأولى. ولدى برجر اقتناع بأنه : "لا يمكننا أن نتوقع اختفاء الجريمة بين عشية وضحاها". وتجدر الإشارة إلى أن كيب تاون يوجد بها أعلى معدلات القتل في البلاد، حيث تشير وسائل الإعلام المحلية، في بعض الأحيان، إلى المستوطنات الواقعة خارج مركز المدينة الراقي، كمنطقة حرب. ووفقا لأحدث إحصائيات الشرطة، فقد قتل 20336 شخصا في جنوب إفريقيا خلال عام واحد فقط، بمعدل 57 جريمة قتل يوميا. وفي عام 2018، كان هناك 4ر66 جريمة قتل بين كل 100 ألف شخص في كيب تاون؛ حيث يبلغ المتوسط الوطني 36 شخصا. وفي تجهيز مشابه لعمليات مكافحة الإرهاب في فرنسا، يقوم الجنود - غير المدربين على القيام بمهام الشرطة – باستخدام أسلحتهم لحماية رجال الشرطة، حتى يتمكنوا من ملاحقة المجرمين ومصادرة الأسلحة والمخدرات والسلع المسروقة في المناطق المتضررة. ولكن الأمر يتعلق أيضا بالظهور في الشوارع، التي أصبحت ساحة قتال للعصابات الإجرامية، بشكل متزايد. ومع ذلك، فإن الأرقام تبدو أبعد من أن تكون مقنعة حتى الآن. وفي مطلع غشت الماضي، قُتل 47 شخصا خلال عطلة نهاية أسبوع واحدة، على الرغم من وجود الجيش. وبحسب السلطات، فقد قُتل أكثر من نصفهم بأعيرة نارية. وفي منطقة متأثرة بارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وبتفكك الهياكل الاجتماعية، فعادة ما يرتبط ذلك بأعمال العنف. وبالنسبة للكثير من الشباب، يبدو عادة الالتحاق ب"مهنة" لدى إحدى العصابات الكثيرة في المدينة، هو السبيل الوحيد للخروج من حالة الشقاء. ومع ذلك، فإن أغلب السياح، الذين يستقلون عربات التلفريك إلى جبل "تيبل ماونتن" الشهير في كيب تاون، يظلون غير مدركين تماما لما يحدث من سفك للدماء وهم ينظرون إلى أسفل من هذا الارتفاع الشاهق. (*) د.ب.أ