على بعد حوالي 16 كلم من شلالات أوزود ذات الصيت السياحي العالمي، تنزوي قرية "ثاكلا" بإقليمأزيلال بجراحها المتعددة، حيث لازالت مظاهر القسوة والتهميش تطال العديد من المرافق الاجتماعية التي كانت ولازال موضوع احتجاجات دون أن تلقى الآذان الصاغية من الجهات المعنية. هسبريس، وبتنسيق مع نشطاء جمعويين بأيت ثكلا، زارت القرية واطلعت عن قرب على الوضعية المزرية التي يكابدها بعض السكان، الذين يشتكون من العزلة والتهميش ووجع الانتظارات، ومما وصفوه ب"غياب التفاعل والتواصل" من طرف الساهرين على تدبير الشأن العام، وحاولت رصد بعض المطالب الأساسية للساكنة من خلال هذا الربورتاج. التنمية المفقودة عبّر عدد من النشطاء الذين التقت بهم هسبريس عن ضرورة إيلاء الاهتمام لمطالب الساكنة، والعمل على تنزيل أبسط الشروط التي تضمن كرامة المواطن، ومن ضمنها تحسين خدمات المستوصف الصحي والاهتمام بالسوق الأسبوعي وتقريب الإدارة من الساكنة، وتشييد ملاعب القرب بالمنطقة، والاهتمام بالتعليم الأولي وتوفير المصابيح في جميع مناطق أيت ثكلا، مع تحسين خدمات الماء الصالح للشرب وتقليص الثمن المرتفع للفواتير، واحترام العدالة المجالية في تنزيل المشاريع التنموية. أوضح عبد الحكيم فؤاد، وهو من نشطاء المنطقة، في تصريح لهسبريس، أن المستوصف الصحي بعد رحيل الطبيب عنه، وترحيل أدويته إلى مركز أوزود، أصبح لا يحمل إلا الاسم بعدما كان يقدم خدمات طبية مهمة للساكنة، وتحول إلى مجرد بناية مهترئة، تفتقر إلى كل مقومات المرفق الصحي، سواء من حيث الخدمات أو الأدوية أو الموارد البشرية، ما جعل الساكنة تكابد الأمرين من أجل الحصول على حقها في العلاج. وذكر المتحدث ذاته أن من أولويات الملف المطلبي التي اتفق عليها شباب المنطقة تأهيل المستوصف الصحي، وتعزيزه بالأطر الطبية، مع مده بالأدوية الضرورية، خاصة منها تلك التي تعالج لسعات العقارب، والخاصة بالأطفال والنساء الحوامل، معتبرا غياب هذه الشروط من الأسباب التي زادت من تدهور الوضع(...) وعلى الرغم من ذلك يقول إن الساكنة حاولت إثارة انتباه المسؤولين بالمسيرات والاحتجاجات، إلا أن دار لقمان بقيت على حالها، وزاد: "نحن كشباب لن نقبل بالأمر الواقع، كما لن نقبل مرة أخرى بالوعود الزائفة..لن نقبل إلا الاستجابة لمطالبنا العادلة التي تبقى الصحة إحدى أولوياتها". ووصف فؤاد جمال، ابن المنطقة، مستوصف ثكلا ب"مركز توجيه فقط"، إذ غالبا ما يتم توجيه المرضى الوافدين عليه إلى مركز أوزود، ومنه إلى أزيلال، وقد تستمر رحلة العذاب إلى المستشفى الجهوي ببني ملال. وتجاوزا لهذا الوضع، طالب المتحدث الجهات المسؤولة بتنزيل الوعود الممنوحة للسكان، على اعتبار أن الصحة هي الحياة بعينها؛ كما دعا مسؤولي وزارة الصحة إلى العمل من أجل تأهيل المستوصف الصحي أو إغلاقه، حتى لا تنضاف محنة التنقل وضياع الوقت إلى باقي الإكراهات الأخرى التي تطرح أمام المرضى الراغبين في الاستفادة من خدمات هذا النوع من المرافق الضرورية. وتساءل عبد الحكيم فؤاد عن الصمت المريب الذي ينهجه المسؤولون تجاه كل هذه المطالب، مشيرا إلى الوضع الهش لقرية ثكلا، وضعف بوادر التنمية بها، مقارنة مع ما يعرفه مركز أوزود التابع للجماعة ذاتها، خاصة في الجانب المتعلق بالقطاع الرياضي والصحي وشبكة الإنارة العمومية التي يقول إنها منعدمة كليا، وليست ضعيفة كما يروج البعض. وبعدما تحدث عن أهمية التعليم في تكوين الأجيال، قال المتحدث ذاته إن التعليم الأولي منعدم كليا بقرية ثكلا، على الرغم من التوجيهات السامية لصاحب الجلالة من أجل الاهتمام بهذا القطاع الذي يشكل اللبنة الأساسية للنهوض بالتربية والتعليم، خاصة بالعالم القروي، مؤكدا على حق أطفال ثكلا في الاستفادة من رياض التعليم الأولي، حتى يكونوا مؤهلين ومستعدين للتعليم الابتدائي. وأبرز عبد الحكيم فؤاد أن المنطقة تشكو إلى جانب ما سبق من ضعف المسالك وغلاء فاتورة الماء الشروب، ناهيك عن إشكالات نقط الاستخلاص التي تتطلب من الزبناء التنقل إلى أزيلال من أجل أداء ما بذمتهم، في خرق سافر لمفهوم تقريب الإدارة من المواطن. بدوره أكد نور الدين المومن، لجريدة هسبريس الإلكترونية، عشوائية وفوضى السوق الأسبوعي لثكلا، قائلا إنه لا يحترم أبسط شروط السلامة الصحية، حيث غالبا ما يتم تقديم اللحوم الحمراء أو البيضاء به للساكنة من فوق "موائد خشبية" تبقى طيلة الأسبوع بمكانها الذي يعج بالكلاب الضالة. وأوضح نور الدين أن السوق الأسبوعي يتواجد بمكان قد يكون مرتعا للسموم، ورغم ذلك فإن بعض الذبائح تُقدم للساكنة دون تنظيف جيد للموائد التي غالبا ما تلعق الكلاب دماءها؛ ناهيك عن الحالة الكارثية ل"المجزرة" التي تعج بالدود والروائح النتنة، ويستحيل أن تكون مكان ملائما للذبح. ويعاني مرفق السوق الأسبوعي، حسب المتحدث ذاته، من غياب الإنارة العمومية والماء، ومن روائح الدماء والريش والأشلاء التي تراوح مكانها إلى حين موعد السوق الأسبوعي الموالي، دون نظافة، ما يتسبب في استياء الساكنة المجاورة والزوار الذين يقصدون منتجع أزود عبر طريق محاذية للسوق الأسبوعي. وتساءل المتحدث ذاته عن حجم المشاريع التنموية التي استفادت منها جماعة أيت ثكلا، وعما قدمه المسؤولون عن تدبير الشأن العام للساكنة من أجل ضمان استقرارها، "إذا كانت بعض القرى لازالت في زمن الألفية الثالثة تستغيث من أجل الماء الشروب والكهرباء والمسالك والنظافة والتعليم الأولي وحق العلاج، وحق ممارسة الرياضة في ملاعب للقرب قادرة على أن توفر أجواء مريحة؛ وأيضا من أجل الحق في العدالة المجالية وفي التوزيع العادل للمشاريع التنموية". البطالة تهدد استقرار الساكنة في تصريحات متطابقة لهسبريس، نبه عدد من شباب المنطقة إلى شبح البطالة الذي بات يهدد العشرات من قاطني جماعة أيت ثكلا، سواء من حاملي الشواهد العليا أو من العائلات الهشة التي لم تعد قادرة على أن توفر مدخولا قارا كافيا لأن يعيل أفرادها. وذكر عبد الحكيم فؤاد أن مؤشرات البطالة في تزايد مستمر، وأن عددا من العائلات، ممن كانت تقتات من عائدات مركز أوزود، لم تعد قادرة على مسايرة متطلبات العيش، بحكم المنافسة القوية التي بات يعرفها القطاع السياحي بالمنطقة، ما يتطلب حسبه دعم أبناء هذه الفئات الهشة على الأقل بالقدر الذي يكون مع باقي المستثمرين. الرأي الآخر وفي تعليقه على الوضع، أقر رئيس جماعة أيت ثكلا بوجود إكراهات حقيقية تحول دون استفادة الساكنة من خدمات صحية جيدة، سواء على مستوى مركز أيت ثكلا أو مستوصف أوزود، الذي يستقبل عددا من المرضى من تنانت وتاونزة، ما يتطلب كمية مهمة من الأدوية، علاوة على الحالة المهترئة لمستوصف أيت ثكلا وقلة الموارد البشرية. أما بخصوص السوق الأسبوعي فقد أكد رئيس الجماعة أنه قام بعدة إجراءات من أجل ضمان سلامة وصحة المواطنين، خاصة في الجانب المتعلق بالنظافة، على الرغم من أن المشكل لازال مطروحا بسبب توفر الجماعة على شاحنة واحدة لنقل النفايات، مشيرا إلى أن الجماعة تقدمت بطلب الحصول على الدعم لتأهيل مرافق السوق. من جانبه، ذكّر محمد عطفاوي، عامل إقليمأزيلال، أثناء الزيارة التي قام بها وزير الصحة إلى ولاية جهة بني ملالخنيفرة، بخصوصيات القطاع الصحي بأزيلال، داعيا إلى الإسراع في تأهيل البنيات التحتية للقطاع، وضمنها مستوصف أيت ثكلا، الذي بات يستقطب المئات من المواطنين دون الاستجابة لتطلعاتهم.