في غضون خمسة أيام، قام المجلس الوطني للصحافة، بخطوتين مهمتين، في ما يتعلق بتدبير وهيكلة القطاع، لكنه تعامل فيهما مع الجسم الصحافي، بنوع من الانتقائية، إن لم نقل بنوع من التهميش والإقصاء التامين. في يوم الخميس 25 يوليوز افتتح المجلس الوطني للصحافة، مقره الجديد والفخم، قرب إقامة رئيس الحكومة، بحي الأميرات الراقي، في حفل حضره الكل، إلا الصحافيون. فقد وجه المجلس دعوات لحضور حفل الافتتاح، لكل من رئيس الحكومة، وعدد من السياسيين والمسؤولين والسفراء، وبعض الشخصيات الإعلامية المحظوظة، ولم يلتفت المجلس للصحافيين، الذين ماقام وتأسس، إلا من أجلهم، لم يوجه لهم دعوات لحضور الافتتاح، ولا دعوات للتغطية، ولا حتى مجرد إخبار، رغم أن قاعدة بياناتهم كلهم، في حوزته. وفي يوم 29 يوليوز، تفاجأ الصحافيون مثلهم مثل باقي المواطنين، بنشر الجريدة الرسمية، "للميثاق الوطني لأخلاقيات مهنة الصحافة"، الذي سهر على إعداده وصياغته وإخراجه، المجلس الوطني للصحافة، في تغييب لأصحاب الشأن، وإقصائهم كأفراد وتنظيمات مهنية، مقتصرا على فتح الباب أمام إرسال الاقتراحات، دون وضع آلية لتتبعها وتنزيلها ومناقشتها، ما أعطى انطباعا أن الموضوع غير جدي. لقد كان من الضروري إشراك الصحافيين، بوسائل وأساليب أكثر جدية، عن طريق تنظيم الندوات والدورات واللقاءات الدراسية والتشاورية، يلتئم فيها الصحافيون للتعبير عن تطلعاتهم، بطرحها ومناقشتها وبلورتها، ليطورها المجلس ويتبناها، عوض هذه الطريقة الانفرادية، التي أخرجت لنا ميثاقا أقرب لتقييد الصحافة، منه إلى تخليقها، أشبه بالعقاب منه إلى الميثاق. وهكذا فقد خصص الميثاق، 30 مادة للحديث عن واجبات الصحافيين، مقابل 3 مواد فقط للحديث عن حقوقهم وحمايتهم. وسارع المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، لانتقاد الميثاق، وطريقة إخراجه، في بلاغ أصدره اليوم الجمعة 16 غشت، جاء فيه: أن الميثاق استفاض في باب الواجبات والأحكام واقتضب في باب حقوق الصحافيين، إضافة إلى عدم أخذه بعين الاعتبار التطورات الرقمية والتكنولوجية والاجتهادات الدولية ذات الصلة بحرية وأخلاقيات مهنة الصحافة. واستنكر البلاغ طريقة صياغة بعض المواد الفضفاضة والقابلة إلى التأويل إضافة إلى وضعها على شكل ”أحكام زجرية” عوض ضوابط أخلاقية. فهل سينجح المجلس بميثاقه، في ضبط المجال الإعلامي المتسيب، ومحاصرة صحافة الفضائح والتشهير والبوز، وهل سيحد من الشائعات والأخبار الزائفة، وهل سيعالج آفة السطو على الأخبار، وهل سينقص من صبيب التفاهة، وهل سيغربل الصحافيين المهنيين عن الدخلاء المزورين؟ شخصيا أتمنى أن ينجح، لأن في نجاحه، نجاح للمهنة، ورسالتها النبيلة، ونجاحه رهين بإشراك الصحافيين وتقريبهم منه، والأيام القادمة، هي من ستتكفل بالإجابة، عن هذه الأسئلة.