بالرغم من اعترافه بصعوبة أجواء المعركة الانتخابية الراهنة مقارنة بانتخابات عام 2014، قدم السياسي اليساري البارز والناطق باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي مؤخرا أوارق ترشحه لخوض غمارها، مراهنا على زيادة وعي التونسيين خاصة بعد معايشتهم لتجربة حكم حركة النهضة ومن قبل التحالف معها من التيار الليبرالي الحداثي، واللذان لم يتمكنا "خلال ما يقرب من ثماني سنوات من التصارع والتحالف بينهما، أن يحققا أي شيء من آمال الشعب بعد ثورة الياسمين 2011". وشدد الهمامي في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية ( د.ب.أ) على أن "النهضة جزء أساسي من أزمات تونس على كافة المستويات... وبالتالي وجودها وحلفاؤها من التيار الحداثي بالحكم مجددا لن يحل أي من أزمات البلاد، بل سيعقدها وسيعجل بحدوث انفجارات سياسية واجتماعية... وذلك بغض النظر عن الاسم الذي سيتحالف معها هذه المرة؛ نداء تونس أو تحيا تونس أو غيرهما". وتابع "نعم المعركة لن تكون سهلة، لكن وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي رحمه الله، وحتمية إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها صححت قواعد اللعبة، حيث جردت أطرافا سياسية عديدة في مقدمتها النهضة من استخدام الانتخابات التشريعية كورقة ضغط، ومساومة المترشح للرئاسة على تقديم الدعم له بما قد تملكه من ثقل برلماني". ويرى الهمامي (67 عاما) أن حظوظه بالمعركة قد تكون جيدة بالرغم من كل ما يطرح حول تراجع وتفتت تيار اليسار وانقسام الجبهة الشعبية ذاتها. وأوضح "أولا الخلاف الراهن داخل الجبهة الشعبية لم ينشأ لرغبتي في ترشيح نفسي كممثل وحيد لها وإقصاء باقي القيادات، كما يحلو للبعض أن يردد، وإنما هو خلاف سياسي بين أغلبية بالجبهة تريد الحفاظ على مسارنا في الاستقلال السياسي عن منظومة الحكم القائمة، وبين أقلية منها حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (الوطد) والتي لا ترى مانعا في مهادنة تلك المنظومة وتحديدا التيار الليبرالي ممن قبلوا التحالف مع النهضة". وشدد "لا نعتقد أن هذه الخلافات ستوثر كثيرا في الانتخابات بل العكس، لقد تخلصنا من طرف معرقل ... والدليل أننا وخلافا لعام 2014 استطعنا بالجبهة الشعبية أن نكون الأكثر جاهزية عن الآخرين بما في ذلك النهضة من حيث إعداد قوائم الانتخابات التشريعية، كما استطعنا بالرئاسة جمع ما يقرب من 30 ألف تزكية أي ضعفي الرقم المطلوب وفي وقت قياسي... الشارع غير مهتم بالأساس بتلك الخلافات الحزبية، ونحن حصلنا على دعمه بالتزكيات لاهتمامنا بحقوقه وقضاياه وهمومه وفي مقدمتها الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي". وألمح الهمامي لوجود محاولات قوية من قبل رئيس الوزراء يوسف الشاهد لعرقلة ترشحه، وأوضح "بعد أن أعيتهم الحيل في استهداف رأس الجبهة وعرقلة طريقنا للترشح، لم تجد أجهزة الدولة أمامها سوى تأسيس حزب جديد لتلك الأقلية داخل الجبهة، وتم ترخيصه قبل 48 ساعة فقط من فتح باب الترشح للانتخابات التشريعية، وبالطبع أطلقوا على هذا الحزب اسم الجبهة الشعبية، في محاولة لإرباك وتشتيت الناخبين أو تفتيت الأصوات". ويذكر أن حزب الوطد شكل ائتلافا جديدا مع أحزاب أخرى صغيرة باسم حزب "الجبهة الشعبية" أيضا، ودفع الحزب بالقيادي البارز به المنجي الرحوي كمرشح له بالسباق الرئاسي. ولا يتفق الهمامي مع السياق العام بأن ترشح وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي بدعم من حزب نداء تونس، قد شكل مفاجأة، وذلك بالرغم من كونه بقي بعيداً عن الحياة السياسية وصراعاتها وبعيدا عن الإعلام أيضا طيلة سنوات تواجده بمنظومة الحكم والتي تقترب من العشرين عاما. وأوضح "مع تشرذم نداء تونس لأكثر من حزب، ومع إعلان الراحل السبسي بأنه لن يترشح، كان الجميع يدرك أن البديل لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون ابنه حافظ السبسي، أو تلميذه الذي انقلب عليه أي الشاهد...وبالتالي كان المتوقع أن يقع الاختيار على الزبيدي، خاصة وأنه شخصية قريبة من الرئيس". وأضاف "لا نهتم بالأسماء المرشحة لمنافستنا وهدفنا الرئيسي على عكس الأخرين هو نقل المعركة من الحسابات الشخصية والحزبية الضيقة وأحاديث الدكاكين أو القصر والدسائس، إلي ساحة الصراع على البرامج، فهذا هو الأهم للمواطن، خاصة في ظل عدم اقتصار معاناته على البطالة والفقر والتهميش وامتدادها لنقص المياه والدواء". ويذكر أن السباق الانتخابي نحو قصر قرطاج تخوضه أسماء عدة بارزة في مقدمتهم الشاهد زعيم حزب (تحيا تونس )، و رئيسة الحزب( الدستوري الحر )عبير موسي والتي تعتبر من أشرس المدافعين عن نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ورجل الأعمال والإعلام نبيل القروي والذي أصبح مؤخرا رئيس حزب ( قلب تونس)، فيما أقدمت النهضة لأول مرة على ترشيح أحد قياداتها وتحديدا نائب رئيس الحركة عبد الفتاح مورو. ويتفق الهمامي مع الطرح الخاص بأن محدودية صلاحيات الرئاسة ربما هي التي دفعت رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي للزهد بالمقعد، وترشيح نفسه لعضوية البرلمان مصدر السلطات الحقيقي بنظام الحكم، خاصة مع وجود طموح واسع للرجل بالوصول لمنصب رئاسة البرلمان أو ما هو أبعد من ذلك لو حققت حركته الأغلبية، واصفا ترشيح مورو للرئاسة بكونه "محاولة للالتفاف على الخلافات الكثيرة التي ظهرت داخل النهضة في الفترة الأخيرة وربما كانت ستودي لانقسامها". واستبعد "ما يطرحه البعض عن أن ترشيح الرجل ليس إلا غطاء لتوجيه أصوات النهضاويين في الخفاء لصالح الشاهد"، وشدد "ليس صحيحا أن ثمة أغلبية داخل النهضة لها اعتراضات على الشاهد...كما أن هناك وجوها أخرى مرشحة من اليمين الإخواني كرئيس الوزراء الأسبق حمادي الجبالي...نعم هو تنظيم ليس من صفوف النهضة ولكنه يملك شعبية غير هينة في قواعدها". وقلل الهمامي من الطرح الخاص بأن المنافسة الحقيقية ستنحصر بالنهاية بين كلا من الزبيدي أو الشاهد وبين مورو نظرا لما تتمتع به هذه الأسماء من دعم حزبي واسع وثقل جماهيري. وأوضح "ما يميز هذه الانتخابات هو غياب فكرة المرشح المنقذ...فالسبسي بانتخابات عام 2014 حقق الإجماع له ولحزبه نداء تونس عبر القيام بدور المنقذ من حكم النهضة والترويكا...والآن ومع غياب هذه الفكرة تتساوى حظوظ الجميع... من سينجح هو من سيقدم برامج أكثر فائدة للشارع." وشدد "لا نعتقد أن الشاهد حظوظه قوية...ولكن وفي كل الأحوال لا نخشى منافسة أي طرف... بالأساس صوتنا بالجبهة ضد تعديل القانون الانتخابي والذي كان يستهدف إقصاء بعض الأسماء ممن تصدروا نوايا التصويت حينها". وأردف "الأوضاع والآراء تتغير من يوم لأخر...وقلقنا الرئيسي اليوم حول ما يردد عن وجود تمويلات غامضة ومشبوهة من الداخل والخارج لدعم أطراف سياسية بالمعركة، و من سوء استغلال رئاسة الحكومة لأجهزة الدولة خاصة مع ترشح رئيسها، أو استغلال النهضة لمواقعها أيضا بالجهاز الإداري، فضلا عما تسيطر عليه من مساجد عديدة وقد بدأنا نسمع مؤخرا خطبا تكفيرية، فضلا عن خطورة توظيف الإعلام الحكومي والخاص وأخيرا استغلال العمل الخيري." ويرى الهمامي أن "الوضع بعد وفاة السبسي متأزم ومضطرب وغامض...وبالتالي من السابق لأوانه حديث البعض أو تخوفاتهم من إمكانية تحالف الشاهد والنهضة مجددا في نهاية الأمر، أو تحالف النهضة مع من سيفوز من التيار الحداثي بشكل عام، سواء جاء ذلك جراء توافق تلقائي بينهم أو بفعل تدخل خارجي من قبل فرنسا وغيرها من الدول صاحبة الاهتمام بالملف التونسي". وتابع "لا يمكن في هذه اللحظة التنبؤ عما ستكون عليه الأحداث بالمستقبل، وفي 2014 لم تتدخل فرنسا فقط بالجمع بين الشيخين السبسي والغنوشي، حتى الأمريكان تدخلوا وبعض القوى العربية أيضا تدخلت". إلا أنه عاد مستدركا "تدخل طرف أجنبي سواء دولة أو وكالة كصندوق النقد الدولي في اللحظات الأخيرة بهدف تجميع القوى الرجعية من تيار اليمين أمر وارد، لكننا بالمقابل لن نصمت وسنفضح أي تدخل". وفيما يتعلق بأهم الأهداف التي يسعى لتحقيقها عبر موقع الرئاسة وهل سيكون منها تعديل الدستور لتوسيع صلاحيات الرئاسة، قال الهمامي "لا لن نعدله...برأيي كل المحاولات من أجل تعديل الدستور إنما هي محاولة للعودة للنظام السياسي الاستبدادي القديم...ما تعيشه تونس من أزمات ليس مرجعه الدستور، وإنما هذه القوى التي امتلكت الأغلبية البرلمانية واستغلتها للدفاع عن مصالح سماسرة ومافيا وعائلات بعينها ربما 200 إلى 250 عائلة تقريبا، فضلا عن الدفاع عن مصالح دول وشركات أجنبية...والآن يريدون العودة للنظام القديم ليوسعوا من صلاحياتهم واستغلالهم للثروات". وتابع "حلمنا وهدفنا الرئيسي هو الدفاع بشراسة عن السيادة الوطنية، والدفاع عن الدستور وتكريسه وتعزيز مدنية الدولة والنهج الديمقراطي وإطلاق الحريات وتثبيت الحقوق والمساواة بين الجميع بما في ذلك بين الرجل والمرأة... ووضع عقيدة عسكرية أمنية متطورة تحقق المزيد من الأمان لتونس، وإحداث تغييرات جوهرية وطنية بالاقتصاد توقف سياسة التبعية للخارج، وتعيد دور الدولة كمحرك أساسي بالتنمية". أما فيما يتعلق بتحالفاته إذا ما وصل لمقعد الرئاسة، قال "لكل حادث حديث...خياراتنا تتخذ على أساس البرامج...ولكن بالطبع النهضة مستبعدة". *د.ب.أ