أجرت مجلة لوبوان الفرنسية حوارا مطولا مع الكاتب والمفكر الفرنسي إمانويل تود، وهو من مواليد 1951 ، حاصل على دبلوم من معهد الدراسات السياسية بباريس ، وعلى دكتوراه في التاريخ من جامعة كامبريدج ، باحث في المعهد الوطني للدراسات الديمغرافية ، ومن خلال بحوثه توصل مع بعض زملائه أن النظام العائلي يلعب دورا محددا في التاريخ وفي المؤسسة الدينية والإيديولوجية والسياسية . إضافة إلى كونه مؤرخا فهو انتربولوجي وديموغرافي ومحلل سياسي. وقد أصدر مؤخرا كتاب في جزءه الأول تحت عنوان " مصدر الأنظمة العائلية " من 768 صفحة عن مطبعة كاليمار . - هل الدول في حالة حرب مع الأسواق ؟ ايمانويل تود : لا تضللنا هاته المفاهيم المخادعة، بروكسل، الأسواق، البنوك ، وكالات الترقيم (التصنيف) الأمريكية : هاته الألاعيب تخفي سيطرة الأكثر غنى على السلطة السياسية ، على المستوى العالمي . بكل بساطة يلعب هؤلاء الأغنياء ، تحت ذريعة حماية أموال صغار المستثمرين والأسواق بالدول .فهم لا يحاربون الدول ، بل يصارعون من اجل السيطرة عليها أكثر (انظر كتاب "الدولة الناهبة" لجيمس غالبريث). يكفي إلقاء نظرة على مسارات بعض الأفراد في الإدارات العليا ، والشركات الأمريكية ، وبروكسيل ، و بعد ذلك ، الحكومات ، من أجل فهم ما الذي جعلها تغتني . إذا كانت الطبقة الشعبية نفسها تراقب ( تسيطر على ) الأسواق والدولة ، فالمعارضة بين هؤلاء والآخرين لا معنى لها. - كنت لطيفا جدا مع مال صغار المستثمرين ! أرفض الاستسلام للابتزاز.عندما يذهب المغول لاحتلال المدن ، يستعمل الرهائن كدروع بشرية ، نفس الأمر ينطبق على المجموعة الأكثر غنى : رهائنهم هم صغار المستثمرين -" لوم الأغنياء " أليس تحليلا سطحيا ؟ شئتم أم أبيتم ، فالتراكم المفرط للمال لدى الطبقة العليا داخل المجتمع هي واحدة من سمات المرحلة . إن انخفاض أو ركود الدخل لدى الناس العاديين يصب في ارتفاع قيمة العملة مع ارتفاع الدخل ب 1 % للأكثر غنى ، وضمن هاته المجموعة الصغيرة ف 0,01 % يعود للأكثر غنى كذلك . أما بالنسبة للدولة ، فيجب الاعتراف بازدواجيتها والاستناد على ما هو متميز في الماركسية لفهم ما يجري . فالدولة ، في بعض الأحيان ، هي تجسيد للمصلحة العامة وتعبير للطبقة المسيرة . الدولة الاجتماعية بعد الحرب ، أي الدولة الديغولية ، فرغم ما يمكن أن يقال عن الحزب الشيوعي ، لاسيما أنه تصرف باسم المصلحة العامة ، وحقق نموا للجميع . اليوم ، فالدولة في المقام الأول دولة طبقية . والرأسمالية المالية تراقب من جديد الدول . - هل سيكون الوضع أفضل لو كان الأغنياء أقل غنى ؟ بصيغة أخرى ، هل المشكلة أخلاقية أم اقتصادية ؟ لا يحتوي تحليلي على رؤية أخلاقية . لقد سببَ ،حقا ، فتح التبادل وتحرير التدفقات المالية ، منذ عام 1990، نموا خياليا في عدم المساواة . في هذا الصدد ، أُثني على مدرسة بكيتي التي أبدت أن الأعمال المقارنة على المستوى العالمي كانت حاسمة في بزوغ ، حاليا ، موضوع 1°/° للولايات المتحدةالأمريكية والمملكة المتحدة . فالتعتيم هو الذي عمل على إظهار هذا النظام ، و يمكن مقاربة واقعيته من خلال تحليل الكيفية التي تراقب المجموعة الاجتماعية الجزءَ الأهم من الموارد . في ظل هاته الظروف (الشروط) ، فإن السؤال الأساس ليس في هاته الأسواق كما هي ، بل في هاته الأوليغارشية وصلتها بالدولة . ولذلك يجب أن نحدد هاته الأوليغارشية ، نحلل بنيتها ، نمط حياتها ، وتكوينها. -هل يتعلق الأمر بمجموعة خارجة عن الأرض ، أي " النخبة المعولمة " ، وهو المصطلح الذي أغضب الجميع منذ عشر سنوات؟ إنه مشهد خارق للعادة (اسْتِشْبَاح ) في العصر الحالي . نعتقد أن التبادل الحر الشمولي أوجد أوليغارشية متعددة القوميات ، لأننا نغض النظر عن العوامل الثقافية . نحن لا نعتقد بوجود أوليغارشيات متعددة حيث أن علاقاتها كانت بنيوية وشديدة الارتباط . فالخصوصية التي تتميز بها الأوليغارشية الفرنسية كونها قريبة من الإدارة العليا . وفي غالب الأحيان ، أن أعضاؤها درسوا في المدارس الكبرى (العليا )– ليسوا بالضرورة ورثة - ، فهم يتكلمون الإنجليزية بشكل جد ضعيف ، لا يعتقد أنهم فرنسيو ن بعاداتهم ( سلوكهم ) ، ولا يستطيعون إنهاء مسايرة أرباب العمل الحقيقيين : إنها الأوليغارشية الأمريكية . فالامتثال (الإذعان ) لستاندارد وبورز وموديز هو امتثال لهاته الأوليغارشية الأخيرة . أما فيما يتعلق بالأوليغارشية الألمانية ، باعتبارها الوافد الجديد لنظام الهيمنة ، فإنها تعودت (اعتادت ) على مناقشة (مفاوضة )الفرنسيين كأنهم مجرد تابعيين . فالسحر الفريد للأوليغارشية الصينية هو ترابطها الوثيق بالحزب الشيوعي . معظم المحللين يمرون جانبا(مرور الكرام ) على هذا التباين . لقد نمى اليسار َوهْم المساواة في القمة ، في حين فاللامساواة يختص بها المتموقع في الأعلى مثل الأسفل الموجود في البنية التحتية للطبقة الاجتماعية العالمية . - إذا لم تستدن (تقترض) الدول ، فهي لن تحتاج ، ولن يغتني أي شخص ، فستسدد ديونها. هاته الفكرة تتمة إلى جانب العلامة الإشهارية لأنها تتجاهل الميكانيزم الحقيقي للدين . يُحَللُ الديْن العمومي انطلاقا من وجهة نظر المٌقْتِرض الذي يصبح مذنبا بالإنفاق المفرط دون استثناء . يتعين على الشعوب التسديد لأنهم يعيشون على الائتمان . والحال أنه ليس المٌقْتِرضون من يتحملون في الأساس أصل الدين ، بل المٌقرِضون من يرغبون في توظيف فائض أموالهم . كان ماركس يرى جيدا " في يوم 18 برومَر للويس بونابرت ( الشهر الثاني في روزمانة الثورة الفرنسية ) ، أن الأغنياء يحبون الدين العمومي . فالدولة التي تقترض هي الدولة التي ، بفضل احتكار الواجب القانوني ، تسمح للأغنياء بالحصول على أكبر قدر ممكن من الأمن لأموالهم . - إذن ليس خطأ الحكومات ، بما أنهم سيقوا إلى الاقتراض ؟ باستثناء إذا كانت خياراتهم المالية التي هي التي تدفعهم إلى وضع ذلك في يد الأغنياء . بَينَ فرانسوا شيسنيس جيدا في كتابه " الديون غير الشرعية " كيف أن الأكثر غنى ، في فرنسا ، استفادوا من خفض ضرائبهم ، حتى يُجيزوا لأنفسهم بمنح الدولة الموارد التي هي نفسها –الدولة- محرومة منها . دون أن ننسى المنع الذاتي للدولة لصناعة العملة المقرة بقانون بومبيدو منذ 1973 ، الذي أضحى ، أخيرا ، إيديولوجية مدهشة ، من خلال خرافة البنك المركزي الأوربي بفرانكفورت ، والتي من المفترض أن تكون خارج متناول الدولة الفرنسية . كل عام ، يتعرض الفرنسيون للابتزاز ، من خلال الضريبة على القيمة المضافة ، والضريبة المباشرة ، التي تقدر ب 250 مليار يوروه ، ذلك أن حوالي 50 مليار يوروه من الفوائد تذهب لدى أناس هم أصلا أكثر غنى . ثلثا هؤلاء الأغنياء أجانب ، لأن الحفل عالمي ، في مقابل ذلك يمكن القول أن الأغنياء الفرنسيين يئسوا من الامتثال للدول والشعوب . هذا ما يخفيه الخطاب التشاؤمي والأخلاقي بشأن الديون التي لا حدود لها ، فقرب إفلاس الدولة وضرورة إنقاذ ثلاثية أ ، ذلك أن احتمال المنطق الليبرالي للنظام ، أضحت الدولة آلة لابتزاز الشعوب من أجل استفادة الأكثر غنى . الضريبة هي أس الديمقراطية . فعندما تتردد الدول في الوفاء بها،مثل اليونان،هل الشعوب هي الضحية ؟ لا يمكن لي إلا أن أُكرر : لقد سيقت اليونان إلى الاقتراض ، ليتمكنوا في النهاية من خنقها جيدا . شاهد تلفازك : الإشهارات التلفزيونية لا تتوقف عن حثنا على الاقتراض . البنوك ،عفوا ، الأغنياء يحبون أن يقرضوا . والرباويون (أصحاب الربى) يحبون التشبث بالممتلكات ، إذا لم نتمكن من التسديد . لنخصخص ، على سبيل المثال ، الأصول المملوكة لليونان . -أليست نوعا ما من المؤامرة ؟ حتى لو أنهم سيقوا للاقتراض ، وهل الزعيم وحده المذنب في الارتباط بهذا التسمم ؟ إن عالمَ الأوليغارشية عالمُ السلطة والمؤامرات . فمساعدة الدولة اليونانية باستغلال حساباتها ، جعل كولدمان ساكس يتصرف بمثابة الربوي ( المٌقْتِرض بالربا ) . ما يطلق عليه الآن ب " ساعدوا " اليونانيين هو إبقاؤهم في حالة ابتزاز.فالأزمة في منطقة اليورو لم تخلق أساسا من خلال عدم اكتراث المقتِرضين ، ولكن عبر عدوانية المُقِرضين . -هاته الأوليغارشية ، هل تعرفها كطبقة اجتماعية ، وإذا كان الحال كذلك ، هل تتبنى وعيا اجتماعيا ؟ تتصرف الأوليغارشية وكأنها طبقة اجتماعية ، ولكن في نفس الوقت نشعر اتجاهها باللاعقلانية وحتى بموجة الجنون الجماعي . نتيجة لذلك أتساءل إذا ما يجب الهرولة ثانية لاستخدام التحليل الماركسي للإيديولوجية أو النفسي. ومع ذلك ، هناك مجموعة اجتماعية متميزة ليست بالضرورة منحطة وغير مسؤولة . على عكس النبلاء الفرنسيين للقرن الثامن العشر المرتبطين بالإعفاء الضريبي ، فإن الطبقات الانجليزية العليا قبلت أعباء الضريبة العالية ، فقهروا العالم . فالأوليغارشية الحالية لها ألف مقام على هذا النحو . سيكون من الأفضل ، إذا كان هذا المصطلح لا يشير إلى شعارات معادية للسامية ، الحديث على تسلط البلوتوقراطي (حكم النخبة الثرية ) . لنحتفظ ، على كل حال ، في الاعتبار أن الأوليغارشية ، مجموعة صغيرة ، تختلف عن الارستقراطية ، باعتبارها الأفضل . -هاته القلة لن تخسر إلا الطبقات الأخرى . هل اللاعقلانية تفسر كل شيء ؟ إن سلوك الفاعلين يتأرجح بين العقلانية واللاعقلانية . فنقطة انطلاق الأزمة لعام 2008 راجع للاحتكار الصيني وبعض الدول الأخرى، نتيجة انخفاض أجور العمال من جهة ، والنمو المتزايد للإنتاج العالمي ، الذي سببَ داخل الدول الغنية ضغطا على المداخيل ، وبالتالي حصل نقصا في الطلب . والنتيجة هي أن الأجور تسير نحو الانكماش ، بينما حجم الإنتاج العالمي يتجه نحو الارتفاع . في ظل هذا السياق أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ، كقوة مهيمنة نقديا ، اكتشفت آلية الرهن العقاري المجنونة . لا تقترض الأسر الأمريكية فقط من أجل اقتناء منازل كبرى ، ولكن من أجل مواصلة استهلاك المنتوجات الصينية . فعشية الأزمة لعام 2008 ، ارتفع العجز التجاري الأمريكي إلى 800 مليار دولار . اندهش النظام الأمريكي : وبحكم قوة وضعها الامبريالي ، اقترحت القانون الكينزي على المستوى العالمي . وبالتالي طُلِبَ من الاستِدانة التعويض عن نقص الطلب . وبطبيعة الحال ، انتهت آلية الاقتراض بالابتلاع ، والمداخيل مثل الواردات عبر الانهيار . في هذا السياق ، أُعدت خطة التحفيز المتبناة من قبل ج 7 وج 8 وج 20 فهي استجابة عقلانية . لنحتفل بانتصار كينز وعودة الدولة . -هذا ما لا ينبغي أن يزعجك ! المشكلة هي تلك التي تتعلق بكينزية الأغنياء . لم يتم تمويل الإنعاش (التحفيز )عبر الخلق المالي – طبع الأوراق المالية - ، الذي لن يكلف الدولة شيئا ، ولكن عن طريق الديون التي تسمح بتأمين أموال الأغنياء دون بذل أي جهد كبير للإجابة عن نقصان الطلب . هذا الامتداد الكينزي يشجع النمو الصيني ، ويعزز كاك 40 ويسرع اللاتمركز بأوربا . لدى حلول " عودة الدولة " الشهير لن يكون هناك أي شيء آخر غير إقامة اشتراكية الأغنياء . يجب على الدولة أن تنقذ الأغنياء ، باسم رمزي : " البنوك " ، لأن البنوك هي التي تسيطر على وسائل التسديد للمواطنين ، وكما قال فريدريك لوردان ، فقد رهنت الدولة من اجل حسابات الأغنياء المساهمين . إذا آثرنا تأميمها ، فإنه يمكن تأمين مدخرات الناس العاديين ، تعويض صغار المساهمين ومعاقبة المذنبين . فحقيقة هاته المرحلة ليست كون الدولة عاجزة ، ولكنها في خدمة الأوليغارشية . -إذا استفاد الإنعاش ( التحفيز ) الأغنياء(المٌقْرضين)، هل سيستفيد الفقراء من التقشف ؟ ما هو مؤكد هو أن خطاب ضد التقشف الذي جسدته ، مثلا ، مارتين أوبري فهو قديم جدا . لقد أدركت الحكومات أن سياسات التحفيز لن تنعش (تحفز ) إلا اقتصاد الصين والدول الناشئة . لكنها ترفض أي إجراء حمائي وطني ، قطاعي أو أوربي . في ظل هاته الظروف ، يمكن أن يظهر التقشف كرفض سلبي سيؤدي إلى نمو الصين ، وهو طريق ثالث الذي أنعته ب " الحمائية الحمقاء ". هذه حقيقة محزنة ، كوننا نُحكم من قبل حمقى . يجب على الرجال الموجودين في القيادة أن يتحملوا مسؤولية أفعالهم . وهذا يؤكد ، أنني لست ميلونشوسيت (نسبة إلى جون لوك ميلونشون ، زعيم جبهة اليسار والمرشح للرئاسة الفرنسية القادمة ) : أعتقد أننا في حاجة لنخب من أجل أن تحكم . لا يتعلق الأمر بإزعاجهم ، ولكن ليبعثوا من جديد العدل والحكمة . يعتقد كل من باروان وبيكريس ، وبسبب انعدام الكفاءة في القمة - وهذا هو الأرجح - أن العودة إلى التوازن في الميزانية يعطي حلولا لكافة مشاكلنا . ومع ذلك ، فمن غير المستبعد أن تكون الحكومات طرحت ، وعن غير قصد ، خيارا آخر. إذا كان التحفيز (الانتعاش ) مستحيلا والنظام الحمائي غير وارد ، فإن الحد من نفقات الميزانية لبلدان العجز هو السبيل الوحيد لإخضاع الدول المصدرة وذات الفائض ، وإجمالا يجب إجبارهما للدخول في مسار المفاوضات -الانبهار الفرنسي بالنموذج الألماني يسير في مصاف نمو ألمانوفوبيا ..... فضلا عن معاداة السامية وفقه السامية اللذين خلقا روايتين هما زيادة الاهتمام والمرضية المفرطة بسؤال اليهودية ، فجيرمانوفبيا (ألمانوفوبيا ) وعبادة (تقديس) ألمانيا هما وسيلتان (طريقتان ) لأن تأخذ ألمانيا الأمور على محمل الجد ، وهذا ما أدى إلى تفاقم المشاكل . في بداية الخطة الخماسية ، كان لدى نيكولا ساركوزي موقفا إلى حد ما ضد ألمانيا ، وقد أظهر دليله على ذلك من خلال المرونة في اطرح الاقتصادي . فالاحتفاظ بفرانسوا فييون بقصر ماتنيون وتسمية ألان جوبيه في مقر أورساي كرس عودة اليمين الأورثدوسكي والأفكار الاقتصادية البالية والمؤدبة . لهذا تبنت الحكومة ومجموعة من المثقفين الفرنسيين خطاب تقديس ألمانيا ، وهو خطاب خطير حتى على ألمانيا نفسها . خصوصية الشريك جذابة ولكن ملامة (مُنْتَقَدَة ) ، لقد انغلقوا بإعجابهم بجمالية نموذجهم . الحاجة اليوم ليس التملق لهم ، ولكن إيقافهم. -ألم تذهب في بداية إنشاد لحنا مقززا ؟ خمسون سنة من القوة الألمانية هي التي صنفتها كدولة ديمقراطية قوية لن أنعت قسرا بالديمقراطية دولة تطبق الوحدة الوطنية بكل طيب خاطر أكثر من التداول على السلطة ، ذلك ، وبناء على الاستعداد الأنتربولوجي للنظام ، أن الاشتراكيين الديمقراطيين استطاعوا الوصول بسياسة الضغط للقبول بالأجور . قادت ألمانيا إستراتيجية أنانية بإحكام للتكيف مع التجارة الحرة ، وذلك عن طريق نقل خارج منطقة اليورو جزء من صنع المكونات الصناعية ، عبر ممارسة مكافحة التضخم التنافسي ضد كل من فرنسا ، إيطاليا وإسبانيا ، وبعد ذلك تستخدم منطقة اليورو كسوق تتحكم فيه، حيث تمكنت التخلص من الفائض التجاري . هاته الإستراتيجية هي استمرار لتقاليد استبدادية ولامتكافئة بطرق أخرى . -هل تغامر لتجعلنا خائفين ؟ أنا لا أجازف ، ولكن يجب أن تخاف . فالدول الخاضعة لمراقبة التقنوقراط والمهددة هي اليونان ، إيطاليا ، إسبانيا والبرتغال ، هي دول حديثة الديمقراطية . فضلا عن ذلك ، ومن اجل تأمينهم داخل الفضاء الديمقراطي تم إدماجهم في أوربا وفي منطقة اليورو . ولكن اليوم ، وبعيدا عن الاستقرار الديمقراطي الهش ، فالآليات البيروقراطية/ المالية عجلت بوضعهم في أسوأ اللحظات أصعب من لااستقرار في الماضي . نعم فالوضع خطير . إن خطر انبعاث إيطاليا الفاشية ، يونانية الضباط (الكولونيلات) ، إسبانية فرانكو وبرتغال سالازار واقع جد حقيقي . أتريدني أن أجعلك خائفا ؟ في الديمغرافية ، يبدو لي إعادة ظهور معارضة عام 1930 بين أوربا الشمالية/الغربية للديمقراطية الليبرالية ، حيث أن الخصوبة تميل إلى 1.9 أو طفلين لكل امرأة ، وفي أوربا الاستبدادية ، الفاشية والشيوعية القارية حيث أن الخصوبة جد منخفضة تصل ما بين 1.3 و1.5 طفل . ماذا نفعل لو أن ألمانيا قاومت كل المفاوضات حول قدرة تدخل البنك المركزي الأوربي ؟ هل نموت من أجل اليورو ؟ دعونا لا نبالغ . إذا كان من المحزن أن نرى ألمانيا تُريد إخضاع شركائها من خلال التعصب بالإعجاب الذي يكرسه لها اليمين الأوربي ، فإن ذلك لا يعني السقوط في الدُهان (الجنون ) . ألا تتذكر أن الألمانيين لا يريدون سماع كلام عن اليورو ، كما لم يتوقفوا ، منذ إنشائه ، تهديدهم بمغادرة منطقة اليورو . لقد أدركت الحكومة والباطرونا أن نهاية اليورو سيضع ألمانيا على المحك ، حيث أنها الوحيدة التي رفضت التخفيض . في الواقع ، فإن الألمان أكثر مرونة مما لا نتصور. لكن لا يفهمون إلا المفاوضات الصريحة والعنيفة . -بالمناسبة لماذا أنت متشبث إلى درجة ما باليورو ؟ لست مرتبطا بوجه خاص باليورو . أقول أنه في ظل نظام التجارة الحرة فإن اليورو قُضي أمره.لا أتنبؤ هنا بالمستقبل ، لكن أصف الواقع . على أي حال ، فالرهان الآني ليس اليورو ، ولكن أزمة الديون . لنكن صرحاء ، فالديون السيادية لن تسدد . لقد بدأت الشكوك أيضا حول القروض الألمانية . لدينا احتمالان : طباعة الأوراق المالية والامتناع ( التخلف) عن دفع الديون ، حيث سيكون الحل الأفضل ، حسب رأيي ، حيث نظافة العملية الجراحية نهائيا . فالامتناع عن دفع الديون يسجل بداية إعادة انفتاح الدولة على الديمقراطية المثالية ، لأن اختلاس أموال الدولة والابتزاز ناتج عن الأوليغارشية المالية. -نعم ، ولكن عن " رهون " صغار المستثمرين الفرنسيين والمتقاعدين الأمريكيين ، فعدم أداء الديون المتفاوض عليها ، ألا يشبه فعلا نهب مسؤول ؟ ولكن هؤلاء المُقرضين هم من سلبونا . لماذا تركنا النهابين يلتهمون ما تبقى من تراثنا الوطني ؟ أما بالنسبة للرهون ، أي صغار المستثمرين ، بفرنسا ومن أجل حمايتهم ، فإن تأميم البنوك أمر حتمي (ضروري) ، مع التوقف عن التباكي على صغار المتقاعدين الأمريكيين ، فأمريكا تعيش الائتمان على مسؤولية العالم منذ سنوات . فليس صغار المتقاعدين من يمتلكون ثلثي الدين العام الفرنسي . إضافة إلى ذلك ، فإن تخلفت(امتنعت ) فرنسا عن تسديد الديون ، سيؤدي إلى مواصلة الدول الأخرى الامتناع عن التسديد . في ظل إعادة هذا التوزيع العام ، فإن الامتناع عن التسديد سيُلغى أساسا من أجل الاثنين . وسوف تكون بعض الدول خاسرة . وفي النهاية ، فإني أؤكد أن المذنب أكثر – دولا وأفرادا - سيعاقب أشد عقوبة . -هل يمكن أن نفهم أن قادتنا خائفون ، أم لا ؟ فضلا عن نهاية الإيديولوجية والفكر المجتمعي الذي أضحى واضحا ، و فضلا عن رجال القمة الذين ينتشون في خطاباتهم المهيمنة ، فإن ذلك أوجبهم وضع تحت البيع ممتلكات الدولة وخفض الأجور. فالسلطة تلتجئ إلى نوع من الجحود الميونيخي : ومن غير الرضى إقامة نظام غبي ، فالرجال ، المفترض كونهم عصريين وأكفاء ، سيتركوننا في حالة عدم الاستعداد من أجل إدارة (تسيير ) انهيارهم . دعونا من التخويف ، إنه مجتمع متطور ، متخصص بمستوى تعليمي عال وتكنولوجي ، فهو قادر بالطبع أن يتكيف بعد انهيار نسقي لهذا النظام . نجتاز سنة صعبة جدا ، ولكن مع سرعة تحرير الطاقات والموارد سنتمكن من مستقبل جديد . إن نزع الشرعية عن النخب القليلة الذكاء والفاسدة سيحدث انطلاقة جديدة لبلدنا ، وتنظيفا أقل حزنا (ألما ) من تلك التي حدثت سنة 1940 ، وتنظيفا كذلك بدون قوات مسلحة .