قال حسن أوريد، أستاذ العلوم السياسية روائي، إنه "لا يمكن أن نفكر في الدين إلا إذا خرجنا منه؛ بمعنى أن نأخذ مسافة منه". وأضاف أوريد، في سياق حديثه مساء الأربعاء في ندوة نظمتها "لفابريكا" و"طاطا تامورانت" بالفضاء الثقافي والفني "لوزين" في الرباط، أن أخذ مسافة من الدين هو ما أتاح له التفكير فيه؛ لأن شخصا لم يستطع الخروج لظروف من بوتقة معينة لن يستطيع التفكير في الدين. ووضّح أوريد، في سياق تقديمه مؤلَّفه "رَوَاء مكّة"، أننا "لا يمكن أن نبلغ الحداثة ما لم نفكر في الدين"، وزاد مؤكّدا أنه "لا يمكن التفكير في الدين دون أخذ مسافة من التراث"، ولهذا كانت غاية كتابه المشار إليه هي: أخذ مسافة من الأشياء ضرورية لرؤيتها رؤية لا تشوبها شائبة. وذكر الأديب المغربي أن الدين الإسلامي رهينٌ بما سيصُوغه المسلمون وهل سيجعلون منه أداة للانعتاق أم وسيلة للحجر والتقاليد، مضيفا أن المجتمعات تصوغُ فهمها للدين؛ لأن الدين ليس هو القواعد المتضمنة بل ما يصوغه الناس من فلسفات ورؤى انطلاقا منه، وعبّر في هذا السياق عن إعجابه بالمعنى الذي يحمله الأثر التراثي "الدين المعاملة". وشدّد أوريد على أن إشارته في "رَوَاء مكة" إلى جمال الدين الأفغاني، الكاتب السلفي الإصلاحي لم تكن اعتباطية؛ بل لأنه: "لا بد من الاستنئاف من حيث وقف جمال الدين الأفغاني". وفي سياق تفاعله مع سؤال للصحافي رشيد البلغيتي، مسيِّرِ الحوار، استشهد أوريد بكتابه "الإسلام السياسي في الميزان"، الذي وقف فيه على أربعة تطبيقات للعلاقة بين الإسلام والمسلمين والحداثة، أوّلُها اتجاهٌ يتجه إلى "أسلمة الحداثة"؛ فيعتبرها شيئا إيجابيا ونتيجة للتجربة الكونية ولكنها ليست إسلامية بفعل قيامها على القطيعة مع المعتقد وانفصالها عن الله، وهو مثال كل من سيد قطب، ناقد أدبي كاتب إسلامي مصري، وعبد السلام ياسين، مرشد جماعة العدل والإحسان. الاتجاه الثاني، وفق ما ذكره أوريد، يسعى إلى تحديث الإسلام وفق القضايا والنوازل، وهو اتجاه الدولة في تعاملها مع قضايا مثل المرأة، والإجهاض، والإرث الذي تتجنّبه ريثما.. بينما هناك قراءة سلفية حديثة، ليست هي سلفية جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، تظلّ حبيسة النص بقراءة حرفية مع اختلافات بسيطة، فيما يدعو هو إلى "تحديث المسلم بعمل يجعل المسلمين يعيشون عصرهم". وأشار المفكر المغربي إلى وقوفه كثيرا في كتابه "من أجل ثورة ثقافية" عند مفهوم الدولة المدنية الذي استعمله لأول مرة محمد عبده في حوار مع مثقف قبطي هو فرَح أنطون، وزاد مبيّنا أن الدولة المدنية ليست هي الدولة التي ليست دينية وليست عسكرية، بل هي الدولة التي يكون فيها المواطن فاعلا لا مفعولا به، وتتحدث انطلاقا من إرادة المواطن، مشدّدا على أن الحديث عن دولة مدنية غير ممكن عند سلب استقلالية المواطن. ويرى أوريد أنه لا بد للمثقف من القيام بدور نقدي بأدوات علمية، ورسم مسافة مع الواقع، وأن لا يقرأ الواقع بناء عن انطباعات، مؤكِّدا صعوبةَ "التفكير بطريقة موضوعية ونحنُ جزءٌ من بنية"، ثم ذكر أن على المثقف أن يكون عضويا لا أن يتكلم مرّة في سنة أو سنتين ثم يعود إلى برجه العاجي، كما أن عليه أن يكون بيداغوجيا؛ لأننا في مجتمعات ترزح تحت سطوة التقاليد والخوف والجهل، مع عدم استعمال لغة مقعرة، أي لغة الخبراء، وربط علاقة مع الجماهير.