قال مصطفى بوهندي، الباحث المغربي وأستاذ مقارنة الأديان في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إنَّ إصْداره الجديد "موسى والتوحيد: أكثر من 200 إضافة نوعية قرآنية على سفر الخروج" هو بمثابة دعوة للمسلمين وأهل الكتاب إلى قراءة الكتب المقدسة، لأنها تحمل أشياء رائعة وعجيبة، مشيراً إلى أنّ "التّفريق ما بين الكتب المقدّسة والقرآن مصيبة، لأنّ ذلك لا يجعلنا نفهم كمسلمين هذا القرآن، ولا يجعلهم يفهمون كتبهم بتركهم الكتاب الخاتم". واعتبر بوهندي أنّ "نزولُ القرآن باللغة العربية لم يكن عبثياً، فالله اختارها باعتبارها لغة العالم، وقد كانَ هذا معروفاً من قبل، حتى قبل اليونانية واللاتينية، إذ كانت العربية موجودة وتمت محاربتها"، مشيرا إلى أن "القرآن إعجازه ليس في اللغة العربية، وإنما في العلم، وبالتالي فهو ليس معجزة لغوية، بل معجزة علمية". وأشار بوهندي إلى أن "الأمازيغ هم امتداد للعربية، وهم عرب"، موردا: "الإنسان تكلم لغة واحدة في الأصل، ثم تشكلت في ما بعد اللغات، والعربية كانت من بين الأسس.. والأمازيغية صحيح كانت موجودة، لكن انحصار "الأمازيغ" جعل لغتهم "متغْتَنِيشْ"، وخلا ريافة ميفهموش سواسة". الجزء الثاني أثارَ كتابك "موسى والتوحيد: أكثر من 200 إضافة نوعية قرآنية على سفر الخروج" الكثير من الجدل حين صدوره. حدثنا عن دواعي تأليفه وعما تعرضت له بسبب ذلك؟ عُموماً نحن قدّمْناه في أكثر من مكان..المنعُ وقع في الشمال. كنّا قد قدّمناه في دار الثقافة، وكان اللقاء رائعاً والقاعة مملوءة عن آخرها حتى قبْلَ أن يصدرَ، لكن باشا مدينة المضيق كانَ له رأيٌ آخر ورفضَ، ولا أدري لماذا. الكتاب الجديد ليسَت فيه مشاكل في علاقته بالمسلمين، ليسَ مثل كتاب "أكثر أبو هريرة" مثلاً الذي فيه مناقشة الحديث. بالنسبة إلى "موسى والتوحيد" فهو كتاب مقارنة أديان، الجديد فيه أنّنا أخذنا كتاباً كاملاً هو "سِفْر الخروج"، وقلنا إن القرآن راجَعَ هذا "السِّفْر الواحد"، واستخرج منه أكثر من 200 إضافة إلى سفر واحدٍ. وعرضنا هذا الكتاب من الإصحاح الأوّل إلى الإصحاح الأربعين.. وتعجّبنا من هذا القرآن الذي لمْ يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وناقشها. غاية الكتاب هو أن يقرأ المسلمون الكتب المقدسة.. لماذا لا يقرؤون الكتب المقدسة.. إنها جميلة ورائعة وعظيمة، لكن فيها تدخلات بشرية. القرآن جاء لمراجعة هذه التدخلات التي يجب أن تقدّر بقدْرها. وعندما يتحدث أحدٌ عن الكتاب المقدّس يبحث عن الأشياء القبيحة ويقول لنا إنه ليس كتاب الله. وكذلك هناك من يريد الهجوم على الإسلام فيبحث عن عشرة أشياء فيه من رواية، ويقول لنا إن محمدا ليسَ رسول الله. هذا كلام الكفار وليس كلام المؤمنين بكتب الله. غايتنا من تأليف هذا الكتاب هو دعوة المسلمين إلى قراءة الكتاب المقدس، ولكن دون أن يرجعوا إلى عُلمائهم، بل أن يرجعوا إلى الكتاب المقدس وأن يقارنوهُ بالقرآن مباشرة، وسيكتشفون قرآنهم، لأنهم لا يستطيعون أن يفهموا القرآن دون قراءة الكتب المقدسة. وفي الوقت نفسِه ندعو أهل الكتاب إلى قراءة القرآن مباشرة ليكتَشِفوا كتابهم. إنّ هذا القرآن يصدّق الجزء الأكبر من كتابكم، وهو ضدّ العلماء المحدثين الذين يقولون إنّ التوراة أخذت من الأساطير القديمة.. القرآن يقول العكس.. هذا وحي جاء إلى أنبياء بني إسرائيل، وكل تلك الأمور حقيقية وموجودة، لكن هناك مراجعات لبعض ما أضافه الناس، ما ألبسوا فيه الحق بالباطل. هذه العملية هي التي يقوم بها هذا الكتاب، أي إنه يقوم بدفع المسلمين إلى قراءة الكتاب المقدس مباشرة وأهل الكتاب لقراءة القرآن مباشرة. لماذا عرضَ علينا القرآن القصص الموجودة عند أهل الكتاب؟ لأنّ هذه الثقافة أسّسها الأنبياء واسْتمرت إلى أن جاء محمد عليه السلام وأكملها.. "اليوم أكملت لكم دينكم" بمعنى أننا أمام دين واحد. هذا الدين لم يفرط فيه محمد عليه السلام، ولذلك كان القرآن تكملة.. التّفريق ما بين الكتب المقدّسة والقرآن مصيبة، لأنّ ذلك لا يجعلنا نفهم كمسلمين هذا القرآن، ولا يجعلهم يفهمون كتبهم بتركهم للكتاب الخاتم الذي صحّح أمورا كثيرة، وبيّن ما كانوا فيه يختلفون وما يخفون وما ينقصون. بمعنى أنك تدعو إلى قراءة القرآن كسيرورة للكتب المقدسة السابقة طبعاً هي سيرورة، وهي ليست سيرورة ما بين القرآن والكتب المقدسة، ولكنها سيرورة حتى مع الأساطير السابقة التي ذكرت فيها التزاوج ما بين الآلهة وولادة العالم.. عندما تقرؤها في الكتاب المقدس سيُصبح هذا الأخير مُراجعة نقْدية لما جاءَ في الأساطير القديمة، فقد جاء ووجد القصة نفسها، فقال إن الله واحد: في البدء خلق الله السماوات والأرض ولم تخلقها الآلهة.. وبين أن الآلهة لا تتزاوج وليس لها ولد. إذن، الكتاب المقدس قدّم قراءة نقدية لما سبقه من أساطير، لأنها في تحديداته هي كما قال الله تعالى "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير"، ففيها أنبياء. وهذا تراث النبوة صيغَ ولكن مع التاريخ دخلت إليه الأفكار الطفولية البشرية، فجاءت الكتب المقدسة لمراجعته، وجاء القرآن لمراجعة كل شيء..لذلك هو تلاوة بالحق: "واتلوا عليهم نبأ ابني آدم بالحق"، ومراجعة نقدية للكتب المقدسة، ترجع لها قيمتها.. الذين يكفرون بالكتب المقدسة يقول لهم لا، موسى وعيسى حقيقيان، وإنكاركم هو إنكار للفعل التاريخي الحقيقي، ولذلك هو مصدّق أولا، ولكن بعد ذلك يقول اسمحوا لنا، هناكَ أشياء أضافها الناس ليست من الوحي. ومن ثمة فإن خطورة القرآن أنه كتاب عالمي إنساني يتحدث عن التّاريخ ويُراجعه بشكلٍ رهيبٍ، بدءًا من الأساطير وليس فقط من الكتب المقدّسة؛ هذا إذا تحدثنا عن مجال التاريخ، أما إذا تحدثنا عن الطبيعة فإن للقرآن كذلك تدخلاته الخاصة. هل مازلت تصرُّ على القول إنّ القرآن ليسَ معجزة لغوية؟ لننطلق من الآية "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له".. هذه الآيات أيْن عظمتها؟ أين رسالتها؟ هل هي في لغتها؟ نعم إن اللغة جميلة، لكن التحدي ليس باللغة. مثلاً يمكن أن أقولها بالأمازيغية.. أنا "شلح" ولا أعرف العربية، هل يتحداني القرآن باللغة العربية؟ إذن القرآن ليس معجزة لغوية بل هو معجزة علمية، نحن نتحدث هنا عن العلم والبرهان وليس عن جمالية اللغة. يمكن لشاعر أنْ يكتب بطريقة أنيقة، أن يتحدّى محمد، لكن هل يحملُ هذا الكلام معرفة علمية. لغة القرآن عظيمة لأنّ المتكلم فيه عالم؛ وعندما يتكلّم العالم فهو يتكلم بدقّة، العالم لا يقولُ كلمة مكان كلمة، كل كلمة لها معنى. الله أنْزل هذا الكتاب بعلمه، فهو دائما معجز بعلمه وليس بلغته. واختيار اللغة العربية لم يكن عبثياً، فالله اختارها باعتبارها لغة العالم، وقد كانَ هذا معروفاً من قبل.. حتى قبل اليونانية واللاتينية كانت العربية موجودة وتمت محاربتها؛ وبالتالي فإعجاز القرآن ليس في اللغة العربية وإنما في العلم. هناك من يعتبر نزول القرآن باللغة العربية إقصاء للمكونات اللغوية الأخرى؟ عجيبة هذه العربية، نحن في المغرب نقولُ "الجبل شلح والوْطا عربي"، ونقصدُ ب"الجبل شلح" الناس المستقرين في الجبل بالقربِ من الماء ويتحدّثون لغة محلية "مافِيهاشْ الحركة"، أما "الوْطا" فنقصدُ بها المجالات والفِجاج؛ فالعربي هو المتنقل، ولذلك فإنّ لغته العربية هي التي تجمعُ "الشّلوح"، الذين إذا أرادوا أن يتفاهموا في ما بينهم فهم في حاجة إلى عربي، فالأعراب يتنقّلون في البحر والبر والصحراء.. "رحلة الشتاء والصيف". اختيار اللغة العربية في القرآن لم يكن عبثاً، فلذلك العربية القرآنية هي كما قال الله تعالى "لساناً عربياً غيرَ ذي عوج".. لغة القرآن هي عربية معيارية وليس هناك شعب يتحدّث العربية المعيارية التي انتشرت في العالم، إذ إنّ النظريات الحديثة التي تهتمُّ باللغات بيّنت أنّ الإنسان خرجَ من إفريقيا واستقرارُه كان في الصحراء.. ولذلك نتحدث عن Nilo-Saharan languagesأو اللغة التي جاءت من النيل، حيثُ وُجد الإنسان، والذي استقرّ بعد ذلكَ في الصحراء الكبرى، وبعد استقراره لقرابة 100 ألف سنة خرجَ من باب المندب ثم اتجه صوبَ اليمن.. وخرج وهو يملكُ لغة وهي اللغة "النيلوصحراوية". ولكن هذا كذب.. لقد خرج وهو يتكلّم العربية، فالأفرو أزياتيك هي العربية. وبالتالي لمّا تنظرُ إلى هذه العربية المعيارية فإنها هي ذاتها التي كانتْ في الصحراء، وقد تقلّصت بعد ذلك بفعل عوامل الانتشار. ولما تقارن مثلا هذه العربية باللغة التركية أو الفارسية وحتى الهندية واليونانية، ستجدُ أن أصلَ هذه اللغات هي العربية؛ فالإنجليزي لا يمكن أن يقول "الأرض" ولكنه يقول "earth" لأنه لا يستخدم "الضّاد"..وفي العبرية كذلك يقال "إيريت". وبالتالي هذه العربية اختارها الله باعتبارها لغة وسطا وأمة وسطا، حتى بالنسبة إلى "الشلح" فالوسيط الذي سيفهمهُ هو العربي. وإذا عدنا إلى التاريخ سنجدُ أنه لمّا تأسست الدولة الإسلامية في بغداد نشأت أخرى في نفس الوقت في الأندلس، لماذا؟ لأن شمال إفريقيا كله كان "عربيا"، وهؤلاء لم يتحوّلوا إلى عرب بسبب الإسلام والدعوة والغزو والفتوحات.. الإسلام جاء إلى شمال إفريقيا لأن مستوطنيها كانوا يتكلمون العربية، وإلا لماذا لم يتحول الأتراك الذين شهدوا الإسلام إلى عرب؟ ولماذا "الشلوح" الذين دخلوا الإسلام لم يتحولوا إلى عرب؟ فالأمازيغ هم امتداد للعربية، وهم عرب. الإنسان تكلم لغة واحدة في الأصل، ثم تشكلت في ما بعد اللغات، والعربية كانت من بين الأسس، والأمازيغية صحيح كانت موجودة لكن انحصار "الأمازيغ" جعل لغتهم "متغْتَنِيشْ"، وخلا ريافة ميفهموش سواسة.