دعونا نفكر دون تشنج في موضوع لغة التدريس. ونخمن أين يكمن خير الأجيال المقبلة التي يهمنا إنقاذها، أما الأجيال الحالية فقد أهدرتها وضيعتها التجارب الفاشلة منذ الاستقلال إلى الآن. ولنكن مبدعين غير نمطيين في تفكيرنا. ولنحاول أن نستنطق الحاضر ونرى بوضوح مختلف الخيبات التي منينا بها في مسارنا الحديث لنصوغ المستقبل بشكل صحيح. السؤال الأول الذي يطرح نفسه هو: ما الذي نريده من لغة التدريس؟ هل نريد أن نخلق جيلا ممسكا بتلابيب العلم والمعرفة؟ جيلا يكون قادرا على المنافسة في عالم يتجه نحو المواطنة العالمية. أم أن غايتنا فقط إرضاء حاجتنا إلى استرداد "الكرامة" الضائعة بتمجيد الذات ودغدغة عواطف الجمهور من خلال العزف على الأوتار الحساسة لديه وأولها وتر اللغة. المؤكد أننا نبتغي الهدف الأول لأنه الحل المستدام والباقي. أما الهدف الثاني فلن يحقق لنا إلا نشوة عابرة قد يحل بعدها الندم المستمر والتحسر الذي لا ينفع بفعل انفجار الحقائق المرعبة التي تأتي تباعا بعد حين، والتي أقلها إنتاج أجيال جديدة من الشباب الفاشل المنخور الذي لا يلوي على نجاح، وأقصاها تحول التعليم نفسه إلى عقبة في طريق التنمية أي إلى عامل إضافي من عوامل التخلف. الذين يريدون أن تكون العربية هي لغة تدريس العلوم ينطلقون من التاريخ الوضاء للأمة الإسلامية في عصرها الذهبي حين كانت تنتج العلم وتنجب العلماء الكبار الذين أبدعوا باللغة العربية كابن سينا والرازي وأبو حامد الغزالي والخوارزمي وابن رشد وابن خلدون وابن البيطار ...إلخ. لكنهم في خضم هذا الانتشاء ينسون أن يطرحوا سؤالا جوهريا ماكرا. لماذا أبدع كل هؤلاء الذين كانوا عباقرة بمعايير زمنهم من خلال لغة الضاد بينما غالبيتهم لم يكونوا عربا. لماذا لم يبدع ابن سينا مثلا بالأفغانية؟ وابن خلدون وابن رشد وابن البيطار بالأمازيغية؟ والفارابي بالكازاخستانية والخوارزمي بالتركية...0 وهلم جرا. لا نحتاج لكثير عناء لنفهم أن هؤلاء العلماء المسلمين لم يبدعوا آنذاك بلغاتهم الأصلية الأم لسبب بسيط جدا. وهو أن اللغة العربية كانت هي اللغة الحية المهيمنة على الأرض في ذلك الزمن. ولذلك درسوا بها وكتبوا بحبرها مؤلفاتهم وأبحاثهم ورسالاتهم في الطب والرياضيات والهندسة والكيمياء والفلك. وكيف لهم ألا يفعلوا ذلك، واللغة العربية قد تقدمت في عصرها الذهبي وعلت على كل اللغات، وحازت قصب السبق في كل المجالات العلمية. فكانت حينئذ اللغة الأقوى سياسيا ودينيا بعد الدفقة القوية التي سرت في أوصالها بنزول الوحي الإلاهي ممثلا في القرآن الكريم، وكذا الزخم الذي ضخه في مفرداتها الإسلام كدين جديد ونهائي للعالم انكب على التفقه فيه وبلسان الرسالة السمحة الفقهاء العلماء من شتى الشعوب والأعراق. ولذلك ألا يكون واجبا علينا ونحن نتخبط في هذه الإشكالية بأن نتأسى خطى هؤلاء العلماء بطريقة مختلفة. وذلك بأن لا نقلدهم في الشكل من خلال التعلم بالعربية، بل بأن نتبعهم في الجوهر عبر الإقبال على التعلم باللغة العالمية المتفوقة. والتي إن كانت آنذاك في حقبتهم العربية، فإنها في حقبتنا بالتأكيد لغة أخرى. آخذين بعين الاعتبار ودون مركب نقص أنه من الطبيعي أن تختلف هذه اللغة العظمى باختلاف العصور والحقب والأحوال، واستمرار تداول الأيام بين الناس وبين الشعوب كما وعد الله تعالى. وهنا ينتصب سؤال أرجو أن نجيب عليه بصراحة في دواخل أنفسنا. ترى لو قيض لهؤلاء الرواد أن يبعثوا مرة أخري أحياء في عصرنا هذا، هل كانوا سيؤلفون أيضا بالعربية أم سينبرون للتأليف والإنتاج هذه المرة باللغات المسيطرة حاليا.؟؟. إن هذا الافتراض الجدلي يدفعنا لسؤال آخر أكثر إيلاما وأشد قسوة. وهو ما وضع العرب الآن؟ وما وضع اللغة العربية معهم في الوقت الحالي؟ لا أحتاج بهذا الصدد أن أدلل لكم أننا أصبحنا نتذيل العالم بعد أن كنا أسياده. وأننا نعيش على ذكريات القوة وأطلال المجد فقط. فواقع الأمة العربية يبرهن بكل وضوح أنها أضحت مفككة ومتأخرة ولا تساهم في الإنتاج العلمي العالمي إلا بالنزر اليسير. وهي أبعد نتيجة لذلك أن تكون الآن نموذجا يحتذى ليس للغير فقط بل وحتى للعاقلين من أبنائها. لقد فقدت الأمة العربية التفوق العلمي وتضاءلت قوتها السياسية والعسكرية و توارت ريادتها الحضارية للأمم إلى الخلف منذ زهدت في تراث بن رشد وتخلت عنه عن طيب خاطر للغرب، والأدهى من كل هذا أنها تعيش تشوشا دينيا كبيرا بفعل آفة الإرهاب التي التصقت بها و لا يهم في هذا النقاش حول اللغة إن كان هذا الإلصاق عن حق أو عن باطل، لأن ذلك موضوع آخر. وكذلك لعجزها عن تفعيل الاجتهاد من جديد حتى على المستوى الديني والفقهي الذي شكل ذات قرون خلت رافعة الابتكار في العلوم الطبيعية والتجريبية من خلال الفقه ولغة القرآن. والأمر من كل هذا أن أمتنا رغم كل هذا الانحطاط البين، لازالت تعاند في ركوب قطار العلم الحديث بسبب مصادفات تاريخية ماكرة، فهي لم تتلق هذا العلم الذي جاءها في ثنايا الحداثة عن طريق المثاقفة مع الآخر. بل أفاقت عليهما معا مع مدافع نابليون وهو يدك أسوار القاهرة، ومع الهزيمة المرة للجيش المغربي في معركة إيسلي...ولذلك لازال هناك هذا التوجس وهذا الخلط الدائم في وجدانها بين الاستعمار وبين العلم والحداثة. بين الإمبريالية كحركة مرفوضة وبين لغة المستعمر كلغة أنجبت كل منتجات هذا العصر، مما يجعلنا نحن أبناؤها جيلا بعد جيلا متأثرين دائما بهذه العلاقة الملتبسة، شكاكين، خوافين، نطرح الأسئلة بشكل خاطئ فنخطئ غالبا في الأجوبة. من أولى الأولويات والمهام الملقاة على عاتقنا الآن قبل الإجابة على سؤال اللغة أن نتحرر بداية عن هذه العقدة المزمنة .... عقدة الآخر الذي لازال يتربص بنا ويتآمر علينا لنتمكن من التفكير بتبصر وفق ما تقتضيه منا المصلحة...مصلحة أبنائنا وأوطاننا بالطبع. يجب النظر إلى العلوم والى الحداثة كحضارة عالمية اتفق أن ميلادها كان على يد الأوربيين. ألا نتحرج منها، وقد تحولت ملكا مشاعا للجميع.. لأنه لو كنا بقينا سائرين في الخط التصاعدي للحضارة ولم نطرد ابن رشد وأمثاله من حظيرة العروبة، لكنا نحن من توصل وأبدع هذه الحضارة. أنها الحضارة الحديثة التي صارت الآن في غفلة منا .... صينية ويابانية وأسيوية...صارت تقريبا كل شيء إلا عربية. فنحن وعلى عكس بقية الشعوب حتى عندما تدهمنا مظاهر الحداثة لا نلبث أن نكتشف دائما وفي نهاية المطاف وعند اللحظات المفصلية للتاريخ أنها ليست سوى حداثة قشور وأنها لم تكن إلا طلاء عصرانية خادعة. ولذلك لا داعي أن نرهق أنفسنا في ابتداع طريق خاص بنا لحضارة هي ملك للإنسانية جمعاء الآن كما يقول المفكر المغربي عبد الله العروي. إذ علينا أن نتبع فقط نفس الطريق. إذا أردنا أن ننافس الآخرين، علينا أولا أن ننخرط في الحضارة العالمية. والانخراط في هذه الحضارة في جانبها العلمي يكون باللغات المهيمنة حاليا وهي الإنجليزية والصينية وبعدهما الفرنسية. والإصرار على العربية الآن في هذه المرحلة التاريخية ليس سوى شجاعة أو شهامة في غير محلها. وربما لن يكون مفيدا لنا للحاق بالركب العالمي. بل وقد يزيد في تعميق الهوة بيننا وبين ما يجري بالعالم. لا نحتاج إلى كثير أدلة لقول إن العلم لا ينتج هذه الأيام بالعربية بل بلغات أخرى أكثر خصبا وثراء. وان التلميذ المغربي اضحى منذورا ليحلق في كل العالم. ولذلك تكون أكبر خدمة نؤديها له هي تسليحه بلغات تمكنه من التكيف مع التطورات العلمية والتكنولوجية المتسارعة عالميا. وهذا لا يتم في الوقت الحالي إلا باللغة الإنجليزية. ثم علينا أن ننتبه إلى أن العالم بأسره يسير نحو لغة موحدة بفعل الانفجار المعلوماتي والأجهزة الذكية، لغة أغلب بل كل مفرداتها تمتح من هذه اللغة. علينا الآن إذن أن ندرس العلوم بغير العربية لنعود إليها في يوم من الأيام حين نتحصل القوة ونتدارك عجزنا الحضاري فنقوم بتعريبها من موقع قوة وسؤدد. وثقوا بي إن الإنسان القوي والأمة القوية هي التي بوسعها فقط أن تحين لغتها. لنحين أنفسنا علميا أولا وبعد ذلك اتركوا للعلم أن يحين عربيتنا ثانيا. إن العرب قد انجزوا الحداثة الأولى بعد أن احتكوا بحضارات وأمم أرقي منهم بعد الفتح الإسلامي فقاموا بترجمة كل العلوم وصعدوا كل إدراج العلم ثم أنتجوا بالعربية ونحن أحفادهم علينا أن تنجز الحداثة الثانية بتملك العلم بلغاته أولا ثم بعد ذلك يكون التعريب حاصل حاصل. انه عندما ننادي بإحلال اللغة العربية في تدريس العلوم في زمن التأخر والتقهقر الحضاري، إنما نفكر في الحقيقة بعقلية الجموع، وعقلية الجموع لا تسلم من الوقوع في التسطيح والانقياد وراء الشعارات الفارغة والأحلام المشيدة على الأوهام لأنها عقلية غير علمية. بل هي تستند إلى المشاعر الجياشة وتجنح نحو الإثارة وكسب تأييد العامة والافتخار والشجو بالتاريخ. في هذا الموضوع بالذات نسجل أن هناك فرقا كبيرا بين الحلول الفردية والحلول التي تراودنا أمام الجماعة. كلنا يفضل لأبنائه التدريس باللغات الأجنبية لكي لا يتهم بالتفريط في مستقبلهم، ويقترح للآخرين اللغة العربية لكي لايتهم أيضا بالتفريط في ماضي الأمة وهوية الأمة وشرف الأمة و في لغة القرآن والدين. فإلى متى هذا الفصام.؟؟ جواب للعثرة القريبة وجواب مختلف للعشيرة والوطن. وإلى متى هذا التباين بين سلوكنا على أرض الواقع وبين المثال؟ أعتقد أن لغة التدريس لا ينبغي أن تترك للنقاش العمومي لأنه سينحدر لا محالة نحو الشعبوية والمزايدات بين الأحزاب وفي الأخير سيتمخض عن حلول هجينة لا تغني ولا تسمن لا من جهل ولا من تخلف. ولذلك يجب أن يترك هذا الأمر لنخبة تقرر فيه بمعزل عن نوازع السياسة. نخبة تكون مسؤولة عن هذا الخيار علميا ومعنويا وأخلاقيا. نخبة تختار لوزنها العلمي وليس لوزنها السياسي. فالقضية مركبة وتحتاج جوابا علميا وهذا الجواب العلمي هو في كنهه الجواب السياسي الواجب. من يفكر في لغة التدريس ويقترح الحلول لنا ينبغي أن يكون مستوعبا متمثلا لهاته الحلول في حياته الشخصية. ولهذا لا يمكن أن نقترح الحلول للمدرسة العمومية إلا وأطفالنا قد انضموا لهذه المدرسة منذ نعومة الأظفار إلى سن الشباب. لا ينبغي أيضا أن تكون الحلول تلفيقية من مثل تدريس العلوم بالعربية حتى البكالوريا ثم تدريسها بلغة أخرى في الجامعة. أو من مثل الاستمرار في إعطاء الأولوية في التوظيف سواء في القطاع الخاص أو العام للدارسين باللغات الأجنبية. وترك أبناء الشعب للعطالة والتشرد والضياع. فهذا غدر وسوء نية مبيتة لا يليقان. إن السير في هذا المنحى هو مثل التشريع لمغربين مختلفين: مغرب للضياع والإحباط والفشل ومغرب للفرص السانحة الفائضة. مغربيات لن يلبثا أن يتصارعون ثم أن يصطدمان. وسياسة بهذا الشكل هي فقط استمرار لحالة عدم الحسم التي تحول بنيان المجتمع لفسيفساء عجيبة من السياسات المتناقضة التي تجعل منه في النهاية مجرد مسخ حضاري لا غير ينكره حتى أبناؤه. قد يتساءل متساءل، وأين الهوية في كل هذا. وما الفائدة من هكذا تعليم لا يعكس لغتي وتاريخي وحضارتي؟ وهو سؤال منطقي وجوهري يقتضي سؤالا آخر ضروريا. وهو عند أي مرحلة من التاريخ يكتمل بناء الهوية عند شعب من الشعوب. ولنأخذ المغرب مثالا مادام هو موضوع سجالنا، ونتساءل هل تحددت المعالم النهائية للهوية المغربية مع سكانه الأوليين، الأمازيغ أم مع توافد الفينيقيين والرومان والوندال، أم مع الفتح الإسلامي أو بعد الهجرة الأندلسية إليه، أم هي تتحدد من خلال بعده الإفريقي الصوفي أو من مخرجات احتكاكه بالمستعمرين الفرنسي والإسباني. إن ادعاء اكتمال الهوية المغربية في أي مرحلة تاريخية ما يمثل اختزالا مسيئا لها وخطرا في حد ذاته على الهوية كمفهوم صيروري ومتحول. بل0 ويشكل تهديدا لاستقرار البلاد وطمأنينتها وسببا للتحجر والجمود والانغلاق والنكوص إلى الوراء، وهذا لم يعد ممكنا الآن. فإما التقدم إلى الأمام وإما الفناء. أن الهوية المغربية كما يقر بذلك الجميع هوية مركبة معقدة منفتحة متحولة حركية وغير قارة بل هي مثل طبقات الأرض كلما تراكمت أكثر كلما زادت خصوبتها وهي الآن قد عادت مفتوحة على العولمة ببذورها الضارة والنافعة. وعلى النخبة أن تميز الغث من السمين وأن تتوصل للوصفة الناجعة وهذا عمل شاق وجبار. والحلول فيه ليست سهلة أو مزاجية.. بل يجب أن تكون مدروسة واستشرافية. ليس المهم أن نمتلأ خيلاء بأنفسنا وإعجابا بذواتنا. بل المهم في كل هذا أن نلتمس طريق التقدم والتنمية والازدهار لشعوبنا. هذا هو عين الإنجاز الذي تتوق إليه الشعوب. لغة التدريس ليست شأن السياسيين وخصوصا في الأزمنة التي لا يطرب فيها السياسيون أحدا، الأزمنة التي يكونون فيها إحدى أزماتها لأنهم يقولون فيها ما لا يفعلون. وخصوصا عندما تكون عيونهم مسمرة على الانتخابات القادمة وغير مصوبة نحو مستقبل الأجيال القادمة. إن لغة التدريس ليست قرارا اعتباطيا يفتي فيه الجميع، بل هو قرار نخبة مفكرة قادرة على تخيل السيناريوهات واستقراء المستقبل بكل علمية وتجرد. وأخيرا قد تقرر نخبتنا أن ندرس بالعربية أو بالإنجليزية أو بالفرنسية ...فالقرار مفتوح على كل الاحتمالات ما دمنا لا نتحاكم فيه للرأي فقط بل للعاطفة أيضا وللشعبوية ولميزان القوى. ومع ذلك أقول إنه ليس في ذلك ما يعيب. فهذا الصخب من سمات عصرنا. وفي زمن الفوضى الخلاقة التي تميز حقبتنا هاته لم يعد للحقيقة وجه واحد بل وجوه متعددة. فالمشكلة الواحدة سواء كانت ذات صبغة وطنية أو دولية صار لها عدة حلول وكل هذه الحلول لها ويا للمفارقة بناؤها ومنطقها ووجاهتها. إننا نعيش عهد الحقيقة المتعددة وعالم البدائل المتناقضة التي تمثل كلها الحقيقة. هذه هي الحقيقة الوحيدة التي يقر بها العلماء اليوم. أمام هذا المعطى لا يعود السؤال هو أية لغة سندرس بها العلوم، بل يصبح هل نحن قادرون أن نسير بالأمر وبالخيار إلى مداه. أن نتحمل بشجاعة مسؤولية قرارنا. لأن الخطر الأكبر هو في التذبذب والتراجع إلى الوراء والاستمرار في السير في مسارين وفي التردد المزمن الذي يقود عاجلا أو آجلا إلى الفشل. التعريب يبقى أصعب القرارات وأجرأها لأنه يتطلب مجهودا إضافيا يتجلى في الترجمة وتوليد المصطلحات العربية لمنتجات أغلبها أوكلها تبزغ خارج أمتنا. وموازاة مع ذلك التمكين للغتنا في المعترك العالمي. وهذا ليس متاحا الآن مع إخوتنا العرب بقلوبهم التي ليست على لغة واحدة. كما أنه صعب الإنجاز في ظروف تعليمنا الحالية المزرية جدا حيث لا نكاد ننجح استراتيجية ما... لأمن حيث المقررات ولا من حيث مدرسي هذه المقررات. فوطن لم يحل معضلة الموارد البشرية التي يعول عليها لتنفيذ السياسات لا يستطيع حل مشكلة لغة التدريس إلا ترقيعا أيا كان قراره. وبالمناسبة لم تفشل في عملية التعريب لأننا أخطئنا الاختيار. لكن لأننا لم نجمع على هذا الاختيار على أرض الواقع ولم تتحلق حوله. ولم تكن للدولة الجرأة لتجعله قرارا مغلقا لا غنى عنه لكل أفراد الشعب بأن يكون تعريب التعليم جزءا من تعريب كل الحياة العامة ابتداء من أسماء المقاهي والشوارع والأزقة إلى الإعلام والإدارة وكل مظاهر الحياة وبالخصوص جعلها مفتاحا لدواليب الوظيفة العمومية والعمل بالقطاع الخاص. فاذا كنا نفترض انه يجمعنا حب واحد للغة العربية فالأجدر أولا أنا بقدر هذا الحب لها نقتسم. وان كنت أرى الآن أن التعريب ليس مهمة شعب وإنما هو مهمة امه تنهض به مجتمعة كمشروع حضاري في منافسة المشاريع الحضارية للأمم الأخرى متى توفرت لأمتنا العربية أسباب التنسيق والتعاون والنجاح. إذا اخترنا لغة ما، عربية كانت بتأثير من ضغط الانتماء العقدي والحضاري، أو أمازيغية كانت انتصارا للهوية الكامنة فينا جميعا أو إنجليزية رضوخا لمتطلبات العولمة أو حتى صينية تحسبا للمستقبل بوصفها اللغة القادمة بقوة، أو فرنسية بفعل التعود والاحتكاك القريب أو حتى بوصفها غنيمة حزناها خلال الاستعمار كما قال كاتب ياسين، فيجب أن يكون ذلك قرارا شاملا لكل فئات الشعب. ولكل أسلاك التعليم وممتدا للإدارة ولكل مناحي الحياة. فقد قال الشاعر إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ...ففساد الرأي أن تترددا. إن العربية لقادرة على كسب الرهان والفرنسية والإنجليزية لقادرتان كذلك فقط ينبغي أن نكون نحن قادرين على السير فيما نقرره إلى النهاية. فاللغات والعلوم لا تتقدم بنفسها بل تتقدم بالشعوب وبالرجال وبالسياسات التي لها بصيرة مستقبلية. وفي الأخير أيا كان القرار بالنسبة للعربية فليس هناك خوف عليها فهي قادرة على الصمود وقادرة على الحياة لأنها فوق كل شيء تبقى هي اللغة التي تكلم بها الله من دون سائر اللغات. *أستاذ بكلية الطب بالرباط ودكتور في الحقوق