هل من المصادفة أن يعتقل رشيد نيني ويصدر بحقه حكم بالسجن لعام كامل بعد شهر ونصف من اعتقاله، بسبب 9 مقالات كتبها حول المعتقل السري في تمارة والأحكام التي وصفها مدير نشر المساء التي صار اليوم مديرا مؤسسا لها ب"الجائرة" الصادرة في حق المتهمين بالانتماء إلى السلفية الجهادية؟، بمعنى آخر هل من المصادفة أن يعتقل صحفي مغربي (سواء رشيد نيني أو غيره) في مغرب ما يسمى بالعهد الجديد؟ وهل من المعقول أن يبقى شخص متهم بإبداء رأيه في قضايا معينة وراء القضبان في ظل الدستور الجديد؟ أظن أن المسألة هي أكبر من ذلك بكثير والخوض فيها سيصيبني بدوار شديد حديث أن الأمور غامضة جدا ولا يمكنني استيعابها بشكل يتقبله العقل، فهناك تناقض كبير مابين الخطاب الرسمي والواقع المعاش. منذ أن اعتقل رشيد نيني أعلنت تضامني معه، رغم اختلافي معه في بعض آرائه مواقفه، وطريقة معالجته لبعض القضايا، وكنت قد أعلنت ذلك سابقا في عدة مقالات وفي لقاءاتي القليلة معه، لكن بالمقابل اختلفنا أو اتفقنا معه فما حصل لنيني له تفسير واحد "ظلم وشطط في استعمال السلطة"، لذلك فدفاعي إلى جانب عدد ممن لا زالوا متضامنين معه إلى حدود الساعة راجع بالأساس إلى دفاعي عن حقي في حرية الرأي والكتابة، عن حقي في أن أنقاش الدستور وأن أقول للملك "برافو محمد السادس ولكن..."، عن حقي أن يقول جل المغاربة حاضرين ومصوتين بنعم للدستور الجديد اقتداء بملك البلاد و أن أقول "أنا حاضر ولكن مصوت بلا"، عن حقي في مناقشة المسكوت عنه في المغرب من طابوهات وأن أصرخ في وجه العالم "الدم ليس معيار شرف الفتاة"، عن حقي في أن أخربش بقلمي وقتما أريد وأعبر عن رأيي بكل حرية وفي حدود الخطوط الحمراء التي أرسمها لنفسي وهي عدم سب وشتم أي كان، وغير ذلك مباح أن أكتب حوله وهذا ما فعله رشيد نيني بكتاباته الجريئة حول فساد السياسة والاقتصاد، وتميز بأسلوبه الساخر وعكس الكثير من الصحفيين، كان لا يخشى أن يسمي المسؤولين بأسمائهم بدل الحديث فقط عن الجهات التي ينتمون إليها، وكل أعمدته تقريبا تحتوي على بعض من تلك الأسماء، وهذه الطريقة هي التي صنعت له إسما (أحب من أحب وكره من كره) في عالم الصحافة المغربية. عدد من المتتبعين أرجحوا إلى أن رشيد نيني له ارتباطات مشبوهة، ولنكن أكثر وضوحا، عدد من المتتبعين قالو أن رشيد نيني له علاقات بالسلطة (الاستخبارات/ المخزن)، وهذه النقطة بالذات لا يقبلها العقل، ليس دفاعا عن نيني ولكن لأسباب بسيطة جدا هو كون جريدته صارت الأولى بالمغرب وأكثر شعبوية وبالتالي صار له عدد كبير من القراء اليوميين يبلغ عددهم الأزيد من 200 ألف قارئ، فبالتالي كان يتوصل بالكثير من المعلومات من جميع فئات الشعب، ممن يرغبون في فضح الفساد في أجهزة الدولة والأحزاب والشركات، كل ما كان يفعله هو نشر المعلومات بأسلوبه الخاص. الجانب الآخر من حياة رشيد نيني الذي أفقده بعض من شهرته ومعجبيه هو صراعاته مع بعض زملائه الصحفيين ومديري الجرائد بالمغرب، وكذا دفاعه عن الملكية بشكل جنوني حيث لقب بالملكي الأكثر من الملك نفسه، ففي ظل مطالبة العديد من المغاربة بملكية برلمانية كان ابن مدينة ابنسليمان يعلن أن المشكل في المغرب ليس في نظام الحكم، بل في فساد أجهزة الدولة خارج القصر. مؤخرا صرح رئيس الحكومة الحالي عبد الإله بنكيران عقب إعلان فوز حزبه بالمرتبة الأولى بأن "رشيد نيني مكانه بين أولاده"، شيء جميل لكن في المقابل ننتظر أن تكون هناك خطوة فعلية من جانب رئيس الحكومة الجديد من أجل إطلاق سراح رشيد نيني الصحفي الذي تنكر له أصدقائه وزملائه في جريدته وسانده "أعدائه" في محنته...وهذا موضوع آخر سنعود له في وقت لاحق، وفي انتظار ذلك نقول "الحرية" لرشيد نيني.