ذات 20 فبراير من سنة 2011، كان الجو ماطرا حين قرر شباب مغاربة الخروج في مسيرات احتجاجية للمطالبة بالعدالة الاجتماعية وتعديل الدستور، رافعين شعارات الكرامة، الحرية، المساواة، الملكية البرلمانية. لحظة الخروج ثماني سنوات مرت على ذكرى انطلاق حركة "20 فبراير" لتتحول إلى مناسبة تعود فيها الهيئات الحقوقية للاحتجاج والمطالبة بمزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. يروي جمال أجبرا، أحد الوجوه البارزة في حركة "20 فبراير"، لحظات الخروج الأول إلى الشارع، في غمرة التخوف الذي كان يسود فئات واسعة من تحول الاحتجاج إلى فوضى على غرار دول أخرى. "بعد أيام من التعبئة والتهييء بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خرجت يوم عشرين فبراير 2011 بالرباط، وكان يوما ماطرا. كنت أضع جميع الاحتمالات في الحسبان"، يقول أجبرا، ويضيف: "لكن حجم التعبئة والحماس الذي خلفه لدي نجاح الثورة التونسية في إسقاط بنعلي، ومناخ الربيع الديمقراطي عامة، بالإضافة إلى حجم الضيم الذي كان يضيق به الصدر بسبب السياسات المخزنية، جعلني لا أبالي كثيرا بإمكانية القمع، خاصة بعد حملة التشويه والتخوين التي قادها الإعلام الرسمي الذي ذهب في كذبه إلى درجة إعلان إلغاء المظاهرات". وأورد الوجه البارز في الحركة، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه رغم المطر، إلا أنه خرج رفقة حشود كبيرة وصلت حسب التقديرات إلى 60 ألف متظاهر، "لم يثنهم المطر عن التجمع في ساحة باب الأحد، ثم الانطلاق في مسيرة في اتجاه مقر البرلمان، حيث استمر التجمع إلى ساعة متأخرة من الليل". وأضاف الناشط ذاته: "خلال هذه المسيرة، كانت تصلنا أخبار المظاهرات في المدن الأخرى أولا بأول، وتبين أن المخزن زاوج في تعاطيه معها بين قمع مظاهرات والسماح لأخرى وفق استراتيجية مدروسة". بدورها، الناشطة سارة سوجار، الوجه النسائي البارز في صفوف حركة "20 فبراير"، تحدثت عن اللحظات الأولى لذلك اليوم، وأكدت أن خروجهم في مسيرات احتجاجية تزامن مع تساقط الأمطار، لكن ذلك لم يمنعهم من التوافد إلى الساحات ورفع الشعارات. "لا يمكن نسيان تلك اللحظة. وكل واحد منا عاشها بطريقته الخاصة. شخصيا كنت أشعر بالخوف، والترقب، خاصة أننا لم نكن نعرف ما سيقع"، تقول سوجار، ثم تضيف: "أتذكر أني التقيت رجلا كهلا حينها خاطبني بأن هذه الأمطار هي أمطار خير، ويا ليتني ألتقيه لأخبره بأن الخير لم يأت بعد". وأبرزت الناشطة العشرينية أن خروجها في ذلك اليوم رفقة المئات من المواطنين، كان بناء على آمال وأحلام، لافتة إلى أن تلك "الأحلام ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا، لكن بعقلنة أكبر". هل تعود الحركة من جديد؟ في ظل الاحتجاجات والأزمات الاجتماعية التي تشهدها البلاد، ومع كل احتفال بذكرى حركة يرى كثيرون أن تمازج "الإسلامي واليساري" فيها كان دليلا على فشلها وعدم تحقيقها المطالب التي رفعتها، يتجدد السؤال: هل البلاد في حاجة إلى "20 فبراير" مرة أخرى؟ تقول سارة سوجار، في حديثها لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن الحركة "لا يمكن أن تعود بالأسلوب نفسه الذي بدأت به، وذلك انطلاقا من الدينامية التي تعرفها البلاد، من الريف وزاكورة وجرادة وغيرها"، لكن يظهر لها أن "هناك شيئا ما يلوح في الأفق". وأضافت المتحدثة نفسها أن المطالب التي رفعتها الحركة العشرينية، في عز ما بات يعرف ب"الربيع العربي" الذي أسقط أنظمة بدول عربية، ما زالت هي المطالب نفسها التي ترفع اليوم، مشددة على أن "اليوم، ليس بالضرورة عودة الوجوه نفسها لقيادة الحراك، فنحن يمكن أن نكون فيه، لكن لا يكمن أن نلعب الأدوار السابقة ذاتها، والخطاب نفسه لن يتكرر بالرغم من كون المطالب لم تتغير". وأوردت سوجار أن "الشعب سيبدع وسائل وطرقا في الاحتجاج، خاصة في ظل تغير السياقات والفلسفة، حيث نعيش تراجعات عالمية في حقوق الإنسان والحريات، وانتفاضات بالعالم، ونحن سنظل نخلد الذكرى للتذكير بكون الشعب قال كلمته ذات يوم، وللتذكير بكون المطالب لم تتحقق ومازالت قائمة إلى يومنا هذا". جمال أجبرا يرى أن الوقت قد حان من أجل "إطلاق شوط ثانٍ من الحراك، يكون أشد وأقوى، بالاستفادة من أخطاء الماضي، خاصة أن كل الشروط الموضوعية متوفرة"، مؤكدا أن "ما ينقص هو تكاثف الإرادات النبيلة والعمل الجاد على تعبئة المجتمع على قاعدة أرضية متوافق عليها، والسير إلى الأمام". ولفت المتحدث نفسه، وهو يعدد الأسباب الداعية إلى ولادة جديدة للحركة، إلى كون السلطة تمكنت من "تخطي العاصفة، والالتفاف على مطالب الحركة، عبر سياسة مدروسة زاوجت بين القمع وتقديم مجموعة من التنازلات غير المؤثرة في تحكمها بالسلطة السياسية"، مضيفا أن السلطة بدأت "تكتيك العودة إلى ما قبل الحراك الفبرايري بالتراجع عن كل المكتسبات، بعدما ظنوا أنهم قطْعُو الوادْ وْنْشْفو رجْليهمْ".