ما زال الشد والجذب مستمرا بين إدارة المركب الاجتماعي "تيط مليل دار الخير" وبين الجمعيات الحقوقية بمدينة الدارالبيضاء، بفعل "الواقع المأساوي" الذي تعيشه أجنحة المركب، حيث أكدت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان أن سنة 2019 سجّلت تسعة وفيات إلى حدود الساعة، مطالبة المجلس الأعلى للحسابات بالتدخل من أجل تدقيق ميزانية المركز. على صعيد آخر، تنفي إدارة المركز الاجتماعي التهم الموجهة إليها جملة وتفصيلا، موضحة بأنها "خصصت الوسائل المالية الكفيلة بإعانة النزلاء"، مشيرة إلى أن وتيرة الوفيات بدأت تقلّ تدريجيا، ومبرزة أنها تحترم المنظومة القضائية التي أوكلت إليها مهمة تدبير المركز بشكل مؤقت. ارتفاع الوفيات في سياق متصل، قالت حسناء حجيب، عضو المجلس الوطني للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، إن "عدد الوفيات التي سجلت بالمركز وصلت إلى سبعة، منذ بداية الموسم الحالي، نتيجة العديد من الأسباب المتداخلة؛ من بينها النقص الحاد في الأدوية والتغذية والأطر الطبية، الأمر الذي يسهم في تزايد أعداد الوفيات بشكل كبير". وأضافت حجيب، في تصريح أدلت به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الحصيلة الإجمالية للوفيات ناهزت تسعين شخصاً، منذ بداية سنة 2018؛ ذلك أن 65 وفاة تتوفر على ملفات طبية في الموسم المنصرم، بينما تتوفر الوفيات السبع أيضا على ملفات طبية، لكن 18 حالة أخرى لم تر الطبيب أبدا، مما جعلها لا تتوفر على أي ملف طبي، ومن ثمة فإن وثائقها توجد لدى الإدارة فقط". وأوضحت الفاعلة الجمعوية أن "المدير العام لا يتوفر على أي سلطة، للأسف، لكن يوجد حاليا متصرف قضائي، لكنه غير حاضر في الحقيقة، بفعل صعوبة التواصل معه، علما أنه توصل بمنحة 550 مليون لتسيير المركز، بينما نسجل النقص الحاد في الأدوية المخصصة لعلاج داء السكري والضغط والأمراض النفسية والعقلية". وشددت المتحدثة على أن "إحدى نزيلات المركز، التي تبلغ من العمر 22 سنة، قد توفيت يوم الأحد، بفعل تعرّضها للضرب من قبل مستفيدة أصابتها حالة هيجان، فضلا عن غياب أدوية الأطفال المصابين بالتوحد والأمراض النفسية والعقلية، الذين وصل بهم الأمر إلى تناول الحفاظات". وبخصوص الخطوات التي قامت بها الجمعية، أكد المصدر ذاته أنها "راسلت الوكيل العام الذي فعّل المراسلة، ليفتح بعدها تحقيقا معمقا، لكن لم تنشر بعد مخرجاته النهائية؛ كما راسلنا محمد عبد النباوي الذي تتبع الملف؛ في حين لم تقدم لنا الولاية أي جواب. أما وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية فقد أخلت مسؤوليتها، من خلال تأكيدها بأن علاقتها بالمركز تتحدد في الدعم المادي الذي يقدر بخمسة ملايين سنتيم، علماً أنها تمنح الرخصة لمراكز الرعاية وتتكلف بالمراقبة والتتبع، لتحيلنا على وزارة الداخلية في شخص ولاية الجهة، لأنها المسؤولة المباشرة عن المركز، إلى جانب مراسلة المديرة الجهوية للصحة، التي أجابتنا بشكل شفهي عن طريق الكاتبة، مشيرة إلى كون المديرية لا تجمعها أي علاقة بالمركز". إلى ذلك، أبرزت حجيب أن "الدولة تتحمل المسؤولية المباشرة في الوضعية الحالية، لأننا نمثل هؤلاء النزلاء بناءً على طلبات مؤازرة، بحيث يعيشون ألما لا يتخيل؛ وهو ما دفعني إلى القول بأن دمهم قد تفرق بين الإدارات، بعدما تهربت جميعها من تحمل المسؤولية"، داعية المجلس الأعلى للحسابات من أجل "التحقيق في الميزانية التي تقارب المليار، دون ذكر دعم المحسنين، لأن المتصرف القضائي هو المسير الوحيد والأوحد للمركز حاليا". موارد مالية قليلة في المقابل، ردّ إبراهيم بيوض، المتصرف القضائي الذي عينته المحكمة لتسيير شؤون المركز، على الاتهامات الموجهة إليه بالقول: "الوفيات أصبحت قليلة، نتيجة العناية المركزة والمتابعة الطبية المكثفة، إلى جانب التحفيزات المالية التي نقدمها للممرضين بهدف تشجيعهم على المداومة والعمل في نهاية الأسبوع؛ لأن أموال الدولة عبارة عن أمانة تقع على عاتقي، ولا بد من تأدية واجبي على أكمل وجه". وفي السياق نفسه، يضيف بيوض، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الوضعية المتدهورة للنزلاء والمرضى نتيجة ما قاسوه خارج المركز، على اعتبار أنه عبارة عن مركب اجتماعي وليس استشفائي؛ لكن نلاحظ أن المتسكعين والمتسولين الذين يعانون من نقص في الدخل المادي، يتعمدون المجيء إلى المركز للحصول على مصاريف التطبيب والاستشفاء بشكل مجاني". وأردف المسؤول القضائي بأن "هنالك مجهودات جبارة ومتابعة طبية كبيرة، بناء على توصيات وكيل الملك الذي طلب مني بذل قصارى جهدي لتحسين الأوضاع. ومن ثمة، فإن الوسائل المالية المخصصة لإنقاذ النزلاء، على قلّتها، نسخرها حسب الأولويات لتفادي سلسلة الوفيات التي انخفضت بشكل كبير، في إطار تأدية واجبي المهني واحتراما للمنظومة القضائية". ولم يفوّت المتحدث الفرصة لتوجيه سهام الانتقاد إلى الجمعيات الحقوقية، وزاد: "أنا أتحكم في زمام الأمور حاليا، لأن هذه الجمعيات لو رغبت في القيام بالمجهود بالبناء، من خلال التوجه صوب منبع المشاكل برمتها؛ سواء تعلق الأمر بوزارة الصحة أو الشؤون الاجتماعية أو الولاية، لكنّا شاكرين لها، لكنني لا أنعتهم بالحقوقيين أو الاجتماعيين أبداً، بل من حقي القول بأن لهم مصالح خاصة لزرع البلبلة، ما دفعني إلى تقنين الولوج إلى المركز، عبر ضرورة نيل موافقة النيابة العامة وكتابة رسالة موجهة إليّ، بعدما استوعبت العمل الخيري وراكمت التجربة الاجتماعية، فضلا عن تفهم الدوائر الأمنية والحكومية والتنفيذية لطبيعة المهام التي أقوم بها، بغية خدمة هذه الشريحة المجتمعية، وفقا للأمانة الملقاة على عاتقي من لدن السلطات".