إنهم يعيشون بيننا، هكذا نعتقد، وربما نريد أن نقنع أنفسنا بأن لهم موقع قدم بيننا، إنهم يتحركون كأبطال، أو هكذا نحاول أن نراهم بشغف كبير، يرقصون في الظل، فنرقص معهم بتعابير مصطنعة، إنها متعتنا الأصيلة أن نقدم أنفسنا خداما لهم بفرح كبير؛ بل أكثر من ذلك، قد ندافع عن زلاتهم وخيباتهم، ولما لا عن أمراضهم المزمنة. هل سألنا، يوما، كيف سنتذوق حياتنا خارج أسوار هؤلاء "النجوم"؟ وهل نستطيع أن نوقف لعب دور المنظف لمطبخهم المتعفن؟ إن المسألة ليست نوعا من الهجوم لشريحة من الناس "نجحوا بطريقة ما" ربما هذه الطريقة يمكن أن نتفق على تسميتها بالمتسرعة وغير العميقة أو المشبوهة؛ لكنهم بطريقة من الطرق ربحوا الرهان، وأصبحوا يأخذون صفة "نجم" ربما في كرة القدم أو الغناء أو السينما، أو الإعلام، أو الرقص، أو الأدب، أو السياسة... إنهم أبطال، لأن الجماهير صفقت لهم بحرارة على ما قدموا من أعمال أقل ما يقال عنها إنها تشبع مكبوتات هذا الجمهور المتعطش لهذا النوع من الأعمال، لا نريد أن نسميها ب"الرديئة"؛ لأن هذا فيه نوع من العدوانية والادعاء بنزاهة ذوقنا على أذواق الآخرين.. الأهم هو أنهم موجودون، ولو على جثتنا نحن من نعتقد أننا ندافع عن نزاهة العمل الخلاق. هل يمكن أن نتحدث عن بعض النماذج؟ نعم، ولكن، ها نحن ولجنا دون أن نشعر في لعبة الإقصاء لمجهود الآخرين؛ ولو اعتبرناه مع أنفسنا أنه مجهود مصطنع بفعل فاعل، وأنه غير كاف لنعطيه "صفة العمل الخلاق".. إنها بالفعل لعبة تتسم بالخطورة وبالقتل المعنوي لما ينجزه الآخرون، لهذا يجب علينا أن نكون حذرين حتى لا نتحول نحن "القضاة" إلى جلادين مع سبق الإصرار والترصد، كما يجب عليكم أنتم "المتابعون" أن تكونوا أكثر حذرا حتى لا نسقطكم نحن "الغيورون" في سفه عظيم. إننا نتوجس كثيرا من السياسيين، جنود الدولة البارزين، الذين يصنعون لنا المستقبل والمدرسة والصحة والشغل والموت الرحيم من خلال مقولات منمقة ومحسوبة.. هكذا، سنتعلم، مع توالي الأيام، أن السياسي عندنا هو رجل الحساب، حساب كل صغيرة وكبيرة، وهذا هو جوهر السياسة؛ لكن السؤال: لفائدة من يتم هذا الحساب؟ قطعا، سنجد كل الذين يصوّتون لسياسي تابع "لحزب ملون" يعتبرونه نموذجا للعفة والمروءة، فهم يصوتون له ويعتبرونه "نجم النجوم".. وبهذه الشهادة التقديرية سيتصرف في مشيئة الجميع، بل سيتحول مع مرور الأيام إلى الأب الروحي. وماذا عن الخسارة إن طفت على السطح في رحلة هؤلاء السياسيين النجوم؟ نحن نعرف مسبقا أن هذا السياسي مجرد مشعوذ كبير، حافظ جيد لكلمات يسحر بها الأغبياء، الأغبياء هم من يصلون وراء السياسي من أجل أن يسقط المطر طول السنة؛ لكن المفاجأة غير السارة أن السنة نفسها ستتوج بجفاف حاد، لكن الأتباع سيتلصصون النظر في بعضهم البعض، وسيلتمسون له العذر، ويعتبرون الأمر قضاء وقدرا.. علينا أن نعترف بأن خسارتنا عظيمة ليس السياسي وحده من يفوز بالغنيمة، فالجمهور هو الذي يبارك له ذلك سرا وعلانية، والنماذج كثيرة تطل علينا بين الحين والآخر بوجهها الحاد. وعلى خطاه، يسير الفنان الذي يصنع مجده بسرعة جنونية، معتمدا على الصخب والضجيج في احتلال كل المواقع والمنصات، وها هو الجمهور يتماهى، يتمايل كسكير عجوز، يرقص، يرقص بجنون، يصفق له بقلبه ويعانقه عندما ينهي قطعته بسرعة.. آه، يا للغرابة إنهم يتشابهون، يصنعون الفرجة جميعا، فيذوبون كلهم في رمشة عين.. نحن من نؤمن بالفن بأنه رسالة بليغة، وبأن الفنان لن يكون فنانا إلا بعد أن يتحدى نفسه الأمارة بإنتاج الأعمال السوقية، نقف مشدوهين من هذه الصور الصادمة؛ لكن الأخطر هو أنه مع توالي الأيام تصبح مألوفة لدينا، نتعايش معها وتصبح جزءا لا يتجزأ من ذوقنا، وفي لحظة يقظة الروح نواجهها بقوة نحن المؤمنون بشريعة الفن ونصرخ في وجه هذا الانحلال الفني، ونطالب بسقوطه؛ لكنه لن يسقط إلا بسقوط من يحميه ويدافع عنه.. ويا للعار الأكبر، إن الأغلبية هي الوقود الحقيقي في ميلاد هذه الطائفة من الفنانين، وهي من تبارك أعمالهم الناطقة باسم الشهوة، جلالة الشهوة هي من يصنع هذا النموذج الغريب من النجومية. بقي لنا أن نتساءل نحن الذين نشكل طبعا الأقلية: هل علينا أن نعترف بما يقومون به من أعمال و"منجزات" هؤلاء "النجوم" في كل الميادين، وذلك في إطار ما يسمى بثقافة الاختلاف؟ علينا أن نطلق العنان للعقل والقلب أن يجيبا بكل عفوية ونزاهة، وهما حتما لن يقبلا بالسم أن يجري في عروقهما، إن السياسة والفن الرديئين لن يصنعا سوى مجتمع مشوه ورديء، والاعتراف بهؤلاء النجوم التجار هو فتح الباب على مصراعيه في قتل بلاغة ونبل السياسة وتدمير حاسة الذوق الجميل. *كاتب وباحث