، هو عنوان كتاب قيم صدر حديثا عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، وهو عبارة عن ترجمة من إنجاز المترجم العربي "ربيع وهبة" للكتاب من اللغة الإنجليزية، حيث صدر الكتاب في لغته الأصلية بعنوان "A Sociology of Religious Emotions" من إنجاز الباحثين "أولي ريس وليندا وودهد Ole Riis, Linda Woodhead". هذا الكتاب هو محاولة لفهم الانفعال الديني في مجتمعات التاريخ الحديث مصورا أهمية الربط بين الدين والانفعال، فحتى وقت قريب ظلت سوسيولوجيا الانفعال تمضي من دون إشارات كثيرة للدين، فيما مضت سوسيولوجيا الدين دونما إشارات كثيرة للانفعال، وهذا الكتاب يصور فوائد الربط بين المجالين في علاقة بعضهما ببعض. الانفعالات في هذا الكتاب، ليست بموضوع تافه مثلما يعرف أي شخص وقع في الحب أو شهد على أعمال شجاعة أو شعر بالخزي. فالرموز يمكن أن تلهم مجتمعات كاملة بالتصرف بشجاعة أو قسوة أو انتقام. وقد تربطنا بالماضي عبر الفخر أو الخزي، وبالمستقبل عبر الأمل أو القنوط. والانفعالات هي جزء لا يتجزأ من الأخلاق والمعنى، فهي تنتقل، تحفز، تردع... يأمل هذا الكتاب أن يسهم في ثلاث مجالات، في إطار سوسيولوجيا الدين أو ما يتجاوزه: أولا، أن يحرض على التعامل على نحو أكثر جدية مع الانفعال في دراسة الدين عموما، ثانيا، إنه يقدم مقاربة ديداكتيكية واسعة تشمل العلاقات بين الفاعلين والبنية الاجتماعية والرموز الثقافية، والتي تساعد من ثم على التقارب بين الدراسات العلمية الاجتماعية والإنسانية. وثالثا، أنه يدعم مقاربة منهجية تتميز بتركيبة من المناهج. يسعى الكتاب إلى إزالة أحد الحواجز الرئيسية أمام التعامل مع الانفعال معاملة جدية، وهو حاجز وضع المعرفة العقلية مقابل المشاعر الذاتية، حيث استحضر وشدد على التحدي الذي شكلته مقاربات جديدة للإدراك الذي ينظر إلى الانخراط الجسدي والحسي والانفعالي بوصفه أساسا لعملية الفهم الإنساني، تشديدا على رفض عملية الضدية التي تجعل العقل ضدا للانفعال. وعلى سبيل المثال، في العلاقات الدولية أصبحت بؤرة محورية للاهتمام انفعالات مثل التضامن والخوف والرعب والثقة...وفي الحملات السياسية الحديثة يطلب خبراء في الانفعال للمساعدة في صياغة نصوص حملات المرشحين، وفي عالم الاقتصاد كذلك تظهر أهمية العواطف الجماعية مثل الثقة، والطفرة اللاعقلانية، وانعدام الثقة التعويضية وغيرها..وعلى مستوى أعم، فإن نموذج البشر بوصفهم فاعلين عقلانيين يعيشون بحسابات المكسب/ الخسارة، يفقد مصداقيته كتفسير ملائم للفعل الاجتماعي. إن مهمة الانفعالات أن تربط الذات بالمجتمع وبالرموز الثقافية وبالذات في حد ذاتها، أو تربطها بتركيبة من هذا كله، والانفعال ليس بشيء، بل هو موقف متجسد في العالم. وهذا يعني أنه متاح للملاحظة عبر تجلياته في الفعل، والبنى الاجتماعية والرموز الثقافية. فعند الدخول إلى محيط اجتماعي، سرعان ما نميز أجواءه الانفعالية عبر ملاحظة هذه العلامات المختلفة، ونحن عادة ما نقوم بهذا التقدير سريعا وبصورة غير رسمية، وبطريقة بالكاد تكون واعية. ولا تزال دراسة الانفعال تتقهقر بسبب غياب اهتمام منظم بالانفعال يمكنه دمج المقاربات المعرفية ذات الصلة في مقاربة علمية مؤثرة خاصة فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية والاجتماعية. هذا الغياب هو ما ترك الدراسات السابقة للانفعال ضعيفة أمام التحدي الوضعي الذي يشكل المشروع السوسيولوجي السائد، والذي يثبط كثيرا من العلماء الدارسين للدين ممن قد يكونون لولا هذا التأثير مهتمين بأخذ الانفعال مأخذ الجد. وقد وضع هذا الكتاب إسهاما في هذا المجال عبر اقتراح إطار مفاهيمي جديد يمكن أن يدمج المقاربات الإنسانية والاجتماعية والثقافية متصديا للتهم التي ترى بأن دراسة الانفعال هي لا محالة شخصية وغير علمية. إن المنظومة التي يقترحها هذا الكتاب تعتبر الانفعال وليد التفاعلات بين الذات والمجتمع، الذات والرمز، والرمز والمجتمع. فالعلاقات بين المجتمع والرمز المقدس لم تنل إلا قدرا محدودا من الاهتمام، ولاسيما في اعتراف "دوركهايم" بأهمية العلاقات بين التجمع المقدس وأي "طوطم"، وكذلك في اكتشاف "ماري دوكلاس" للعلاقات بين أنواع البنية الاجتماعية المختلفة والأنساق الرمزية المختلفة. فأي علم وطني قد يكون وسيلة قوية لتوليد الشعور الوطني وتركيزه وحمله إلى الناس، ولكن عندما يخبو هذا الشعور فالرمز أيضا يفقد قوته. غير أن أغلب الباحثين في الدين ظلوا مهتمين اهتماما بارزا بالأديان ذات النصوص والمذاهب والمعتقدات، أما أشكال الدين أو "الروحانية" الأكثر تجسيدا في الحياة اليومية لعامة الناس فقد كانت بالمقارنة مع الأولى محل إهمال، وإهمال الانفعال إنما يعكس التحيز الطبقي والعرقي والجنساني في دراسة الدين. يقترح الكتاب مفهوم "النظام الانفعالي" للإشارة إلى العمليات المتضمنة في المواقف الانفعالية، فالأنظمة تستمر على مدار الزمن متجاوزة الأفراد ومشكلة ما يمكن أن تشعر به، كيف تشعر، والطريقة التي يمكن أن تعبر بها عن مشاعرها. ومن تم أشكال العلاقات الاجتماعية ومسارات التحرك المتاحة أمامها. وبهذه الطريقة فهي تؤدي دورا مهما في تشكيل بنى السلطة وإعادة إنتاجها. ويتيح مفهوم "النظام الانفعالي" أيضا وصف الانفعال الديني في ضوء العلاقات الاجتماعية والثقافية التي تساعد على تشكيله. بهذا المعنى فإن الانضمام إلى دين ما يعني تجربة طريقة جديدة من الشعور بالنفس وبالآخرين والمجتمع والعالم، والمتدينون يتعلمون ترديد صدى الأفكار الانفعالية التي تقرها الأديان التي ينتمون إليها، وعمل ذلك بطرائق تجيزها مجتمعات الانتماء. عبر مشاركة فاعلة من قبلهم. و لهذا فإن معظم الأديان تعد بتشكيل الحياة الانفعالية وفقا لنمط من النظام تجسده الجماعة الدينية وتعبر عنه، هي وأعضاؤها ورموزها المقدسة، سواء الشخصية أو الجماعية. و لدراسة الانفعال، يطوّر الكتاب منظومة تدمج مقاربات ثلاث نائية بها عن خطر الاختزالية وهي: الاختزالية السوسيولوجية التي تختزل الانفعال في قوى اجتماعية وعواطف جماعية، والاختزالية السيكولوجية التي لا تهتم سوى بالحالات النفسية الفردية، والاختزالية الثقافية أو الرمزية التي تختزل الانفعال في نصوص ثقافية وأنساق رمزية، وتقترح المنظومة التي يطورها الكتاب دمج هذه المقاربات الثلاث وتوسيعها عبر ربطها بعضها البعض. دون أن ينسى الكتاب تحذير الباحث في الانفعال من خطورة ادعاء دور مبالغ فيه للانفعال في الظواهر الدينية، لأن هناك أشكالا من الدين تقلل من شأن التعبيرات الانفعالية وتستبعدها، ودون أن ينسى الكتاب أيضا استحضار مشكل اللغة الأكاديمية في مقاربة الانفعال، فاللغة الأكاديمية تتصف بالغلظة في التعامل مع المشاعر مقارنة بلغة الخيال والشعر والدراما، فالانفعال -متضمنا الانفعال الديني- يجد تعبيره في الطقوس والموسيقى والفن.. *باحث سوسيولوجي بمختبر LAREPS/FES [email protected] https://www.facebook.com/rachid.sociologie.7