يوما بعد يوم يتضح أن النظام التعليمي المغربي يسير نحو الإفلاس، وهذا الموقف تؤكده مجموعة من التنظيمات الرسمية وغير الرسمية، كما يؤكده الواقع المعاش. من خلال العنوان أعلاه "التعليم المغربي وعقلية الشيخ والمريد"، لا أتهم التلميذ، بل إن المسؤول الأول والأخير هو النسق ككل، لأن التلميذ جزء من هذا النسق العام المتردي على جميع المستويات، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. وبالعودة إلى النظام التعليمي، شهدت جل المدن المغربية في الأسبوع الأخير احتجاجات كبيرة وخطيرة من طرف التلاميذ، أقول خطيرة رغم مجموعة من المواقف الرسمية التي تسعى دائما إلى تبخيس النضالات الفئوية لهذا الشعب، ومحاولة التقليل من شأنها. من خلال هذه الاحتجاجات، انقسمت مواقف المجتمع إلى قسمين: القسم الأول تعاطف مع هذا الحراك التلاميذي، معتبرا خروج التلاميذ للاحتجاج سلوكا عاديا ومقبولا، لأن قرار تعميم التوقيت الصيفي GMT+1 يؤثر على السير العادي والطبيعي لحياة التلاميذ الدراسية، بالإضافة إلى أن هذا التوقيت يشكل خطرا على أمنهم، خصوصا أن مسألة الإجرام والسرقة في ارتفاع، مقابل تراجع الأمن على حد تعبيرهم. القسم الثاني هم أصحاب نظرية المؤامرة، المهووسون بهذه النظرية. فكلما خرجت فئة للمطالبة بحقوقها، والتعبير عن رفضها لمجموعة من القرارات اللاشعبية، إلا وانهال عليهم أصحاب هذه النظرية باتهامات مجانية، وأحكام مسبقة؛ فخروج الريف مؤامرة، وخروج طنجة مؤامرة، وخروج جرادة مؤامرة... واليوم خروج التلاميذ أيضا مؤامرة؛ مع محاولة الزج بهم في مزايدات سياسوية إلى غير ذلك. حسنا، لنفترض أن هذه الفرضية صحيحة، وأن أصحاب نظرية المؤامرة على صواب - بالمناسبة فعدد من أصحاب هذه النظرية من ممثلي الخطاب الرسمي، أو من المدافعين عنه- إن كانت لديكم معطيات دقيقة على وجود جهات تتآمر علينا، فبنظامكم التعليمي هذا تقدمون للمتآمرين خدمة جليلة ومجانية، خاصة في ظل غياب نظام تعليمي نقدي في المدرسة العمومية. فعندما تصبح المدرسة مؤسسة لإنتاج وإعادة إنتاج أفراد ليست لهم أي أسلحة نقدية يواجهون بها المواقف المتطرفة، فالنتائج ستكون إنتاج "فرد قنبلة" يمكن أن يُستعمل كوسيلة في يد المتآمر الذي تعنونه في أدبياتكم وخطاباتكم. صحيح أن إنتاج مثل هذه العقلية، "عقلية الشيخ والمريد"، تسهل على الأنظمة اللاديمقراطية عملية التحكم؛ لكن بالمقابل على النظام أن يكون حذرا من هكذا عقليات، لأن "الشيخ الزعيم" المتحكم لا يكون دائما هو النظام، ففي حالات كثيرة يظهر "شيوخ زعماء خصوم للنظام"..هؤلاء هم الأشباح التي تلازمكم كلما خرجت فئة للاحتجاج. أقول لكل من يتهم الحراك التلاميذي بالهمجية إن نوعية السلوكيات التي شاهدناها، من إهانة للعالم الوطني، وكلام فاحش، وبعض مظاهر التخريب...ما هي إلا مخرجات لمدخلات تتحمل فيها الأحزاب السياسية والحكومات والهيئات الحقوقية والمجتمع المدني، والنظام التعليمي، مسؤولية كبيرة. وبعبارة واضحة لا تُحمل المسؤولية للتلاميذ. حينما لم يجد التلميذ من يدافع عنه خرج للدفاع عن نفسه، ولما خرج، احتج بطريقته الخاصة، وكيفما كانت الطريقة فهي تعبر عن مستوى التنظيمات المختلفة في البلد. إن نظرية المؤامرة دليل قاطع على فشل المنظومة التعليمية، والأحزاب السياسية، والتنظيمات النقابية، والمجتمع المدني؛ لأن هذه التنظيمات المختلفة لا تنتج سوى مريدين، يمكن لأي "شيخ زعيم" أن يحركهم كما يشاء ووقت ما يشاء، خاصة أننا في زمن يتيح للجميع التواصل مع "شيوخ زعماء" كثر خارج مراقبة الدولة. إن ثورة تكنولوجيا التواصل جعلت مسألة الضبط أمرا صعبا. لهذا على الدولة أن تُسلح أفرادها بأسلحة نقدية، وأن تغير من آلياتها القمعية والتجسسية التقليدية. إن الحل الوحيد أمام هذا الوضع هو خلق تنظيمات ونظام تعليمي قادر على إنتاج أفراد قادرين على التحليل، والتركيب، والنقاش، والمحاججة، أفراد ينتجون مواقف، فاعلين يستطيعون مقارعة الحجة بالحجة. رغم أنكم ستكونون أول من سيعاني من "العقلية النقدية"، لكن على الأقل ستطمئنون من جهة نظرية المؤامرة. وبالقضاء على عقلية "الشيخ والمريد" سيتم القضاء على الشبح المتآمر عليكم الذي يلازمكم في كل حين.