افتتاح موسم صيد الأخطبوط الشتوي    تخفيضات في أسعار المحروقات بالمغرب قبيل دخول السنة الميلادية الجديدة    كان المغرب 2025 : تشيكينيو كوندي يدعو إلى الهدوء والانضباط قبل مواجهة الكاميرون    الأطالس تجذب القر اء بتركيزها على جمالية الخرائط ومحتواها التعليمي    مدرب بوركينا فاسو: عازمون على خوض مواجهة السودان بروح جماعية عالية    المدرب إيميرس فاييه: "كوت ديفوار تطمح إلى صدارة المجموعة أمام الغابون"    الإمارات تنهي قوات متبقية باليمن    باحثون فلسطينيون ومغاربة يقاربون الأبعاد الروحية والإنسانية لأوقاف أهل المغرب في القدس    21 فنانا مغربيا يعرضون مشاعرهم وذاكرتهم في «ذبذبات داخلية» بالدار البيضاء    الكان 2025 .. الصحافة الإسبانية تشيد بالأداء الرفيع لأسود الأطلس    ميتا تستحوذ على أداة الذكاء الاصطناعي مانوس المطورة في الصين    المحكمة تقضي بالحبس 10 أشهر ضد الستريمر إلياس المالكي    تسجيل ما مجموعه 1770 مليون متر مكعب من الواردات المائية منذ فاتح شتنبر 2025    من أشقاء إلى خصوم.. محطات رئيسية في العلاقات السعودية الإماراتية    الاستهلاك المعتدل للقهوة والشاي يحسن وظائف الرئة ويقلل خطر الأمراض التنفسية    احتفالات بفوز المغرب على زامبيا تتحول إلى عنف في مدينة "ليل" الفرنسية        أوغندا تتحدى نيجيريا في ملعب فاس    أثمان الصناعات التحويلية تزيد في نونبر        نقد أطروحة عبد الصمد بلكبير    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    نقابة المالية بمراكش تدعو لوقفة احتجاجية أمام الخزينة الإقليمية    النسوية: بدايات وتطورات وآفاق    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    فعاليات برنامج مسرح رياض السلطان لشهر يناير تجمع بين الجرأة الإبداعية ونزعة الاكتشاف    المعرض الوطني الكبير 60 سنة من الفن التشكيلي بالمغرب    تقرير للبنك الدولي: المغرب يتفوق على المعدلات العالمية في مناخ الأعمال    إحداث أزيد من 35 ألف مقاولة بشكل رقمي    عليوي: الحركة الشعبية أصبحت "حزبا شخصيا" لأوزين.. والمجلس الوطني ك"سوق بلا أسوار"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    ثلاث نقابات بوزارة التجهيز ترفض "تجميد" النظام الأساسي بدعوى الأولويات    المعاملات الآسيوية تقلص خسائر الفضة    تأسيس المكتب المحلي للأطر المساعدة بمدينة سلا    كيوسك الثلاثاء | المغرب ضمن أفضل 20 دولة عالميا في مؤشر الحرية المالية    تقرير رسمي: ربع سكان المغرب سيكونون من المسنين بحلول عام 2050    لجنة العدل تشرع في مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    ثلاثة قتلى.. حصيلة فيضانات جنوب إسبانيا    رسالة تهنئة من السفيرة الصينية يو جينسونغ إلى المغاربة بمناسبة عام 2026    "أجواء أكادير" تفرح الكرة المصرية    المغنية الأمريكية بيونسي على قائمة المليارديرات    حقيقة تعرض سجينة للتعذيب والاعتداء بسجن عين السبع 1    دفاع مستشار عمدة طنجة يطلب مهلة    أبو عبيدة.. رحيل ملثم أرّق إسرائيل طوال عقدين    ترامب يعلن إحراز "تقدم كبير" في سبيل إنهاء الحرب بأوكرانيا    الصين تطلق مناورات عسكرية وتايوان ترد بالمثل    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما    اتباتو يتتبع "تمرحل الفيلم الأمازيغي"        علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا أكسبت كسوة المصحف العثماني الشرعية الدينية لملوك المغرب
نشر في هسبريس يوم 17 - 11 - 2018

لم يكتف الأمراء والسلاطين باتخاذ ملابس خاصة لإضفاء الشرعية الدينية على سلطتهم وأشخاصهم، بل عملوا أيضا على انتقاء كسوة خاصة بالمصحف العثماني الذي جمعت فيه سور وآيات القرآن الرسمي الذي تم في عهد ثالث خلفاء الرسول، والذي كان بمثابة دستور الدولة الإسلامية.
وقد اهتم الأمراء الموحدون بخلق مجموعة من المراسيم التي كانت تضفي هالة على شخص أمير المؤمنين وتحيطه بنوع من القدسية. وتتلخص هذه المراسيم في:
- اتخاذ البياض كشعار للإمارة.
- اتخاذ لباس خاص للخليفة.
- اتخاذ قبة حمراء يجلس فيها الخليفة أثناء السفر وأثناء الجهاد.
- جلوس الخليفة في مقصورة خاصة به أثناء مزاولة الحكم والنظر في أمر الرعية.
- اتخاذ الحجاب لتنظيم استقبالات الخليفة.
- تقديم المصحف العثماني في موكب الخليفة.
وبالتالي، فلإضفاء هالة من المشروعية الدينية والهيبة السياسية على ملكهم وتكريس مشروعيتهم الدينية، درج الأمراء الموحدون، ومن بعدهم السلاطين المرينيون، على تقديم أحد المصاحف العثمانية أمام مواكبهم في حلة بهية وبشارات مثيرة وملفتة للنظر. ويعتبر الخليفة عبد المؤمن بن علي الكومي أول من اهتم باستقدام المصحف العثماني من الأندلس وصنع حلة خاصة به؛ حيث كتب حركات بهذا الصدد ما يلي:
"وصل إلى عبد المؤمن ابناه السيدان أبو سعيد وأبو يعقوب من الأندلس وفي صحبتهما مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو الإمام الذي لم يختلف فيه مختلف، فتلقى وصوله بالإجلال والإعظام، وبودر إليه بما يحب من التبجيل والإكرام. وكان في وصوله ذلك الوقت من عظيم العناية وباهر الكرامة ما هو معتبر لأولي الألباب.
ثم عزم عبد المؤمن على تعظيم المصحف الكريم وشرع في انتخاب كسوته واختيار حلته، فحشر الصناع المتقنين ممن كان بالحضرة وسائر بلاد المغرب والأندلس، فاجتمع لذلك حذاق كل صنعة من المهندسين والصواغين والنظامين والحلائين والنقاشين والمرصعين والزواقين والرسامين والمجلدين وعرفاء البنائين! ولم يبق من يوصف ببراعة، و/أو ينسب إلى الحذق في صناعة، إلا أحضر للعمل فيه، والاشتغال بمعنى من معانيه.
وبالجملة، فقد صنعت له أغشية بعضها من السندس، وبعضها من الذهب والفضة، ورصع ذلك بأنواع اليواقيت وأصناف الأحجار غريبة النوع والشكل عديمة المثال. واتخذ للغشاء محمل بديع مما يناسب ذلك في غرابة الصنعة وبداعة الصبغة. واتخذ للمحمل كرسي على شاكلته، ثم اتخذ للجميع تابوت يصان فيه على ذلك المنوال".
وقد كان الخليفة عبد المؤمن يأخذ معه هذا المصحف العثماني في كل تنقلاته ومزاراته، خاصة تلك التي يقوم بها إلى ضريح شيخه المهدي بن تومرت بتنمل.
3. لباس النخب الدينية وتجسيد التراتبية السياسية
اهتم الملوك المغاربة منذ إعادة توحيد البلاد بتنظيم المجالس العلمية والإشراف عليها نظرا لعوامل عدة، من أهمها:
- الأساس الديني والعقدي الذي قامت عليه الدولة.
- الوحدة المذهبية التي شكلت القوام السياسي للدولة.
- المصدر اللاهوتي والتيوقراطي الذي استندت إليه مشروعية السلطة.
لذا، فقد احتل الفقهاء والعلماء مكانة سياسية محورية في أنظمة الحكم المتعاقبة في المغرب؛ حيث كانت للفقهاء والعلماء مكانة خاصة في هرمية السلطة ومراكز القرار بلغت في بعض الأحيان حد الاستبداد. وهكذا أشار عبد الواحد المراكشي إلى أنه في عهد الأمير علي بن يوسف "اشتد إيثاره لأهل الفقه والدين، وكان لا يقطع أمرا في جميع مملكته دون مشاورة الفقهاء، فكان إذا ولّى أحدا من قضاته كان فيما يعهد إليه ألا يقطع أمرا ولا يبت حكومة في صغير من الأمور ولا كبير إلا بمحضر أربعة من الفقهاء، فبلغ الفقهاء في أيامه مبلغا عظيما لم يبلغوه مثله في الصدر الأول من فتح الأندلس (...) ولم يزل الفقهاء على ذلك، وأمور المسلمين راجعة إليهم، وأحكامهم صغيرها وكبيرها موقوفة عليهم طول مدته، فعظم أمر الفقهاء".
كما عظمت مكانة الفقهاء في عهد الموحدين، خاصة بعدما قام عبد المومن بن علي بتكوين طبقة من الحفاظ أسندت إليها مهمة تسيير بعض دواليب الدولة. "فقد تقلب هؤلاء الحفاظ في مناصب عليا داخل جهاز الدولة الموحدية، فمنهم من وُلّيّ ولاية بأكملها ومنهم من كان مكلفا بمهام عسكرية (برية وبحرية) والبعض الآخر عيِّن على خط المواجهة مع النصارى".
وبالتالي، فقد شكل الفقهاء جهازا إيديولوجيا للسلطة الموحدية، خاصة في تحديد سياستها الداخلية أو الخارجية. وقد ظهر ذلك بالخصوص في غزو عبد المومن للأندلس؛ إذ "لما تجهز أمير المؤمنين إلى غزو الروم، أمر العلماء بأن يجمعوا أحاديث في الجهاد تملى على الموحدين ليدرسوها (...) فجمع العلماء ذلك وجاؤوا به إليه، فكان يمليه على الناس بنفسه، فكان كل واحد من الموحدين والسادة يجيء بلوح يكتب فيه الإملاء".
ونظرا لهذا الدور الذي لعبه الفقهاء والعلماء، حظي هؤلاء بمكانة سياسية خاصة تجلت من خلال المجالس العلمية التي كان يعقدها الخليفة والمراسيم التي تحيط بذلك.
وفي هذا السياق، كتب عبد الواحد المراكشي يصف الشكل الذي كانت تنعقد به هذه المجالس في عهد الخلفاء الموحدين كما يلي:
"وقد جرت عادتهم بالكتب إلى البلاد واستجلاب العلماء إلى حضرتهم من أهل كل فن، وخاصة أهل علم النظر، وسموهم طلبة الحضر، فهم يكثرون في بعض الأوقات ويقلون، وصنف آخر ممن عني بالعلم من المصامدة يسمون طلبة الموحدين، ولا بد في كل مجلس عام أو خاص يجلسه الخليفة من حضور هؤلاء الطلبة الأشياخ، فأول ما يفتتح به الخليفة مجلسه مسألة من العلم يلقيها بنفسه أو تلقى بإذنه، كان عبد المؤمن ويوسف ويعقوب يلقون المسائل بأنفسهم ولا ينفصلون من مجلس من مجالسهم إلا على الدعاء: يدعو الخليفة ويؤمن الوزير جهرا يسمع من بعد من الناس".
وبالتالي، فقد شكل الفقهاء والعلماء والقضاة نخبة سياسية خاصة منتمية إلى ما يسمى بالخاصة أو الأعيان، الذين كانوا يستفيدون من خلع الأمراء والسلاطين ويحرصون على اقتناء أجود الملابس والأزياء؛ إذ يمكن القول إن "العصرين المرابطي والموحدي يعتبران بداية حقيقية للتركيز على اللباس كوسيلة من أهم وسائل رسم معالم السلطة وشاراتها السياسية بعد أن أضحت الدولة تتدخل في أزياء المجتمع. ففي العصر لمرابطي أنعمت الدولة بالأزياء على كبار موظفيها، وتزايد تدخل الدولة في العصر الموحدي الذي وصل إلى حد المنع في بعض الأحيان".
فقد انعكس الرفاه الاجتماعي والكرم السلطاني الذي كانت تعرفه هذه الفئة بشكل جلي في حياتها الاجتماعية بشتى مظاهرها التي كان من أبرزها اللباس الذي كان يجسد بشكل ملفت للنظر المكانة المتميزة لهؤلاء. فبالنظر إلى المستوى المعيشي الذي كان يحظى به العلماء، لا سيما في العصر المرابطي، فقد تم تصنيفهم ضمن فئة الأعيان بما كان يصاحب من مظاهر اجتماعية تمثلت بالخصوص في ألبستهم التي كانت تشبه ملابس الأعيان، والتي كانت تتميز بإحكام صنعتها من الصوف الجيد ونعومة ملمسها، وكان على رأسها البرانس ذات الشارات التي اعتادت فئة الأعيان ارتداءها.
وهكذا كان لباس الفقهاء يطغى عليه البرنس والعمامة والكرزية، في حين لبس بعضهم الثياب المطرزة وتزينوا بأجود أنواع المنسوجات، لا سيما منهم فقهاء الأندلس الذين زخر بهم البلاط المرابطي والموحدي. كما اتخذ العلماء والفقهاء في الجمع والأعياد ملابس خاصة؛ حيث يخرجون في مثل هذه الأيام بملابس حسنة من البرنس الأبيض أو الأصفر والعمائم ويحضرون مجالس العلم بالملابس طويلة الأكمام والواسعة. وقد حدا الطلاب حدو هذه الفئة في ارتداء هذا النوع من اللباس تقليدا لشيوخهم وعلمائهم، وفي الوقت نفسه محاولة للتميز عن باقي الفئات الأخرى من طبقات المجتمع.
وقد تطورت أزياء هذه الفئة من الأعيان في العصر الموحدي. فبالإضافة إلى أنواع الألبسة سالفة الذكر، لم يتوان الفقهاء عن لبس ألبسة فاخرة؛ حيث إن القاضي عياض كان "يلبس الألبسة الرفيعة المنبئة عن حال قضاة الوقت". كما لبسوا ثياب الحرير الموشاة بالخيوط الفضية والذهبية، وأضحى الأعيان يتفننون في الألوان فلبسوا في الشتاء الفراء وثياب الملف والقباطي والبرانس. أما في فصل الصيف، فقد نوّع الأعيان من لباسهم، فتارة يرتدون الملابس السفسارية، وتارة أخرى ملابس حريرية وما شاكل ذلك من خفايا الثياب ذات اللون الأبيض أو الجلابية.
من جهة، أخرى ظهرت لدى هذه الفئة أقمشة مرصعة بالحرير؛ الشيء الذي يبرز المكانة الاجتماعية المتميزة التي كانوا يتبوؤون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.