بفقدان السيطرة على مجلس النواب الأمريكي أصبح لدى الحزب الجمهوري هيئة برلمانية في الكونغرس ممن يميلون بدرجة أكبر للسياسات المحافظة ليزداد بذلك ارتباط الحزب بالرئيس دونالد ترامب ويصبح أكثر توحدا حول خطابه الاستفزازي وبرنامجه المتشدد. ورغم أن بعض المعتدلين من الجمهوريين الذين حافظوا على عضويتهم في مجلس النواب قد يعتبرون النتيجة إدانة لاستراتيجية ترامب التي قامت على التركيز بلا هوادة على الهجرة غير الشرعية في المرحلة الأخيرة من حملة الدعاية الانتخابية، فلن يمثل هؤلاء سوى قلة صغيرة. وكان كثيرون من الجمهوريين الذين خسروا في انتخابات التجديد النصفي من المعتدلين من سكان الضواحي الذين حاولوا أن ينأوا بأنفسهم بعض الشيء عن ترامب وخطابه السياسي لكنهم خسروا رغم ذلك. وبذلك تتبقى مجموعة أقل عددا يهيمن عليها محافظون من مناطق ريفية يحظى ترامب في دوائرهم الانتخابية بتأييد ساحق. باختصار سيظل ترامب كما هو. ورغم أن بعض الجمهوريين ربما يحملونه مسؤولية الخسائر التي لحقت بهم يوم الثلاثاء فمن المستبعد أن يتمردوا عليه خاصة في ضوء احتفاظ الحزب بالسيطرة على مجلس الشيوخ. وقال النائب توم كول إن الهيئة البرلمانية للجمهوريين في مجلس النواب كانت على الداوم من المحافظين وستظل كذلك بعد انتخابات التجديد النصفي، مضيفا في مكالمة هاتفية مع رويترز "لا شيء سيتم إقراره إلا إذا نال موافقة مجلس شيوخ أمريكي محافظ جدا ورئيس محافظ جدا". وخلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض يوم الأربعاء خطا ترامب خطوة غير معتادة بانتقاد الجمهوريين الذين خسروا في انتخابات مجلس النواب يوم الثلاثاء وقال إنهم لو تبنوا سياساته بدرجة أكبر لكانوا قد احتفظوا بمقاعدهم. وكان ذلك تحذيرا جليا لمن بقوا في الكونغرس للاصطفاف وراء الرئيس. وخلال العامين الماضيين لم يبد الرئيس استعدادا يذكر لتغيير أسلوبه وانتهاج نهج استرضائي. وهو يدرك انه لا يزال بلا شك صاحب أكبر شعبية في حزبه. والآن سيبدأ ترامب مسيرته لإعادة انتخابه بكل جدية حيث سيبذل كل جهد ممكن لشحذ همم قاعدة أنصاره المتحمسين له. وهذا يعني أن ترامب سيدافع على الأرجح في مواجهة معارضة ديمقراطية أكبر عن برنامجه القائم على شعار "أمريكا أولا" والذي يمنح الأولوية لقضايا ساخنة مثل الهجرة غير الشرعية والحماية التجارية. وهذا بدوره سيعجل بسعيه لإعادة تشكيل الحزب الذي استمر لعشرات السنين قائما على الاتجاهات المحافظة في السياسات المالية والاجتماعية والضمان الاجتماعي. فعلى سبيل المثال لن يكف ترامب عن إثارة قضية بناء جدار على امتداد الحدود الأمريكية لمجرد إدراكه أن الديمقراطيين في مجلس النواب لن يوافقوا على تمويله. بل ربما يجد أن وجود الديمقراطيين في مجلس النوب ذو فاعلية أكبر كذريعة في هذا الأمر. كذلك لن يبدي الأعضاء الجمهوريون الباقون في مجلس النواب اهتماما يذكر بالتعاون مع الأغلبية الديمقراطية الجديدة لتظل سطوة الجمهوريين في الكونغرس متركزة في مجلس الشيوخ وفي الحكومة إلى حد كبير. وقال جيسون مكجراث خبير استطلاعات آراء الديمقراطيين في شيكاجو "سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب تعني أنه إذا أراد الرئيس إنجاز شيء فسيضطر للتعاون مع الطرف الآخر"، مضيفا:"لم يبد أي استعداد لذلك لكن سيكون من المهم معرفة ما إذا كانت تلك لحظة يريد فيها أن يمارس الحكم لا مجرد تسجيل النقاط". وحث الرئيس الأمريكي الديمقراطيين أمام وسائل الإعلام على اقتراح تشريعات في قضايا مثل البرنامج الوطني للبنية التحتية وخفض أسعار الأدوية. وقال "تعالوا. دعوني أرى ما لديكم". تحول في الضواحي للتحول الذي شهده الكونغرس مغزاه في الأمد البعيد بالنسبة للجمهوريين في الدوائر التي انقلبت إلى الجانب الديمقراطي يوم الثلاثاء كما أنه يتيح للديمقراطيين فرصة لتعزيز المكاسب التي تحققت في الضواحي التي كانت تتبع الجمهوريين وتعد مستويات التعليم والدخل فيها أعلى من المتوسط العام على مستوى البلاد والتي ترسخت فيها الشكوك في ترامب. وقد واجه الحزب بالفعل تحديات في محاولة النمو فيما يتجاوز قاعدة أنصار ترامب في الطبقة المتوسطة والبيض والمسيحيين الانجيليين. ومني الحزب بخسائر بين النساء والناخبين في الضواحي والحاصلين على شهادات جامعية في الوقت الذي لم يظهر فيه قدرة تذكر على الفوز بأصوات الناخبين من الشباب والأقليات. ومن المؤكد تقريبا أن هذا الاتجاه سيستمر إذا مهد تقلص الهيئة البرلمانية الجمهورية السبيل أمام زيادة الولاء لترامب. ففي مجلس الشيوخ حل جمهوريون محافظون محل ديمقراطيين من تيار الوسط أمثال جو دونيلي في انديانا وكلير مكاسكيل في ميزوري وهايدي هايتكامب في نورث داكوتا وربما ينسبون للرئيس الفضل في انتصاراتهم. فقد قال ترامب "حققنا نجاحا هائلا في مجلس الشيوخ". وعلاوة على ذلك فإن أشد منتقدي ترامب بين الجمهوريين في مجلس الشيوخ وهما بوب كوركر وجيف فليك سيتقاعدان. كما سيتقاعد بول رايان رئيس مجلس النواب الجمهوري الذي اختلف في بعض الأحيان مع نبرة الرئيس إن لم يكن مع سياساته. كل هذا يجعل من الرئيس الأمريكي قوة أكثر هيمنة في الحزب من أي وقت مضى خلال العامين الأخيرين. كما يمكن لترامب الذي بذل جهدا كبيرا في الدعاية الانتخابية في الولايات الزراعية أن يشير إلى ما تحقق من انتصارات في مجلس الشيوخ باعتبارها أدلة على أن بوسعه حفز الناخبين على الإدلاء بأصواتهم. توقعات محدودة كانت الرؤية واضحة للجمهوريين طوال العام عن خسائرهم المحتملة في مجلس النواب ولذلك فلن يعتبروا نتيجة انتخابات الثلاثاء علامة تحذير على أن الحزب بحاجة لتغيير أسلوبه. فالتاريخ يشهد أن الحزب الذي يتولى الحكم يخسر عددا من المقاعد خلال انتخابات التجديد النصفي الأولى في عهد الرئيس الجديد خاصة إذا ما كان التأييد الشعبي له منخفضا. وقد خسر الديمقراطيون 63 مقعدا في العام 2010 حينما كان باراك أوباما في البيت الأبيض وسلموا السيطرة للجمهوريين الذين أوقفوا برنامج أوباما إلى حد كبير. وفي الأسابيع الأخيرة قبل الانتخابات عمد ترامب إلى التركيز على المخاوف من قافلة المهاجرين الزاحفة إلى الولاياتالمتحدة من أمريكا الوسطى وحذر من خطر "الغوغاء" الليبراليين إذا ما فاز الديمقراطيون وذلك في إطار محاولاته لدفع أنصاره للإدلاء بأصواتهم. واستخلص عدد من المرشحين الجمهوريين والجماعات المدافعة عنهم أن رسالة الحزب الاقتصادية لا تلقى آذانا صاغية وانضموا للرئيس. ولأن من المتوقع ألا يصدر الكونغرس شيئا يذكر من حيث التشريعات المهمة في الشهور المقبلة فمن المرجح ألا يكون لدى المرشحين الجمهوريين في الدورة الانتخابية المقبلة إنجازات تذكر يتحدثون عنها. كما سيصبح قانون خفض الضرائب الصادر عام 2017 ذكرى بعيدة. *رويترز