بحضور أكثر من مائة شخصية دولية، افتتحت أشغال الدورة الحادية عشرة لمنتدى "ميدايز"، مساء الأربعاء بطنجة، تحت شعار "في عصر القطيعة: بناء نماذج جديدة"، بمناقشة التحولات والقطيعة البارزة على الصعيد الدولي على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والمجتمعية، وتأثيرها على إفريقيا وبلدان الجنوب. وقال محسن الجازولي، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون الإفريقية، في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية، إن "بناء نماذج جديدة للقارة الإفريقية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن العالم متغير على المستوى الجيوسياسي والاجتماعي والاقتصادي"، مؤكداً أن "الإستراتيجيات التنموية اليوم لم تعد تعتمد على الصناعات فقط، بل على الجوانب اللامادية والتكنولوجيا أيضاً". وأضاف الجازولي أن "التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي أصبح ينتج تغيراً في أنظمة الاستهلاك لدى الناس؛ ولمواجهة هذا التطور يجب النظر إلى التحول الرقمي كفرصة ثمينة للتنمية، والتوجه نحو نماذج جديدة في التعامل مع المشاكل وحلها". وزاد الجازولي أمام حضور قوي من المسؤولين الأفارقة: "إذا كانت القارة تخلفت عن قطاع التصنيع سابقاً فإنها اليوم أمام فرصة لاستدراك ذلك بفضل التحول الرقمي والاعتماد على الشباب وتوفير البنيات التحتية اللازمة التكنولوجية لاستغلال ذلك من أجل التعليم والصحة". أما في ما يخص الهجرة في القارة الإفريقية، فشدد الوزير على ضرورة "النظر إليها كفرصة للتنمية وليس كتهديد"، وقال إن "ربع سكان العالم سنة 2050 سيكون أفارقة، وهو ما يستوجب العمل من أجل تطوير مجالاتنا الحضرية وتقوية الطبقة المتوسطة وتشجيع المقاولة من أجل تحقيق نمو سريع للاستجابة لحاجيات مواطني القارة". وشدد الوزير على أهمية التجارة في التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر وإنتاج القيمة المضافة والثروة، لكنه عبر أسفه لكون التجارة بين الدول الإفريقية لا تزال ضعيفة، فهي لا تتجاوز 15 في المائة من المبادلات التجارية الإجمالية للقارة، في وقت تتجاوز 60 في المائة في بعض المناطق مثل أوروبا. ويرى الجازولي أن هناك ضرورة ملحة "لتشجيع وتقوية التجارة بين الدول الإفريقية ومع باقي دول العالم، من خلال إحداث تكتلات إقليمية وخلق سوق مشترك موحد ومنطقة تبادل حر، من أجل إتاحة فرصة النهوض للقارة ومضاعفة التبادلات التجارية وتنويع العرض التصديري"؛ وأورد في هذا الصدد أرقاما بخصوص الناتج المحلي الإجمالي ل54 دولة إفريقية، والذي يعادل حالياً 2000 مليار دولار لساكنة تصل إلى 1.2 مليار نسمة؛ وهو ما يمثل متوسط ناتج محلي للفرد بحوالي 1800 دولار، مستدركا: "لكن يبقى هذا الرقم ضعيفاً لأنه يصل في الدول المتقدمة إلى 9000 دولار للفرد الواحد. ومن أجل وصول هذا المستوى سنة 2050 يجب تحقيق ناتج محلي إجمالي إفريقي يناهز 20 ألف مليار دولار، ونسبة نمو 7 في المائة سنوياً، عوض 2.4 في المائة حالياً". من جهته قال إبراهيم الفاسي الفهري، رئيس معهد أماديوس المنظم لمنتدى "ميدايز"، إن الدورة الحالية تركز على مناقشة مظاهر الاضطرابات في العالم، من بينها مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب وانسحابه من اتفاق باريس حول المناخ والعقوبات على إيران، إضافة افتتاح سفارة في القدس، وقال إنها أحداث "تجعل النظام الدولي أكثر هشاشة، وتجعلنا أمام مستقبل لن تبقى فيه حلول ناجعة للصراعات الإقليمية". وأضاف الفاسي: "نعيش اليوم انعكاساً في شبكات القراءة التقليدية، ففي مجال العلاقات الدولية تفرض القطيعة إعادة التركيب؛ فهو وضع حساس للغاية، لأنه ينطوي نطاقه على مخاطر تجعل من الصعب إيجاد حلول للنزاعات الإقليمية التي تتصادم مع المصالح كما نراه اليوم في سوريا؛ لكن هناك فرص اليوم يتعين اغتنامها على مختلف مستويات التحرك". من جانب آخر، أكد الفهري أن المغرب "اختار طريق إفريقيا كما رسمتها عودته إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي وحصوله على الموافقة المبدئية على انضمامه إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، إضافة إلى اختياره للحوار الشامل حول القضايا السياسية والاقتصادية الدولية، والانفتاح الاقتصادي، والاستثمارات الدولية كمحرك للتنمية، خاصة في قطاعات الصناعة والطاقات المتجددة". جدير بالذكر أن حفل الافتتاح تميز أيضاً بتسليم جائزة ميدايز إلى رئيسة المجلس العربي لسيدات الأعمال، الشيخة حصة سعد العبد الله سالم الصباح، اعترافاً بجهودها في سبيل النهوض بالقضية النسائية بالعالم العربي وإفريقيا، وأيضا بسعيها الحثيث إلى تطوير روح المقاولة لدى النساء، باعتبار ذلك رافعةً للتنمية المستدامة ونهوضاً بدور المرأة كقوة حقيقية في الهيئات التقريرية على المستويين الإقليمي والدولي. وتنعقد الدورة 11 لمنتدى "ميدايز" الدولي، التي ينظمها معهد أماديوس، من 7 إلى 10 نونبر بمدينة طنجة تحت شعار "في عصر الاضطرابات: بناء نماذج جديدة"، ويحضرها فاعلون من مختلف دول العالم في المجالات الجيوستراتيجية والسياسية والاقتصادية، مع حضور متوقع يصل إلى 3500 مشارك ومشاركة من دول العالم. وتنكب هذه الدورة على تدارس الرهانات الإقليمية والعالمية الكبرى في سياق يتميز بتحول النماذج وتطورها، وعدد من مظاهر القطيعة والتغيرات العديدة التي تعتمل في الساحة الدولية، من بينها انضمام المغرب إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «سيدياو»، ومبادرة الأعمال بين الصين وإفريقيا، والهجرة والأمن والطاقة والاقتصاد العالمي.