ناقشت ندوة انعقدت بمدينة شفشاون تاريخ الفكر الأندلسي ومصادره من النشأة إلى النكبة، بمشاركة نخبة من المفكرين والمهتمين بتاريخ الأندلس. وأبرز الأستاذ المتخصص في الدراسات الأندلسية وتحقيق النصوص، محمد مفتاح، في مداخلة خلال الندوة، التي انعقدت مساء الجمعة بمناسبة انطلاق الموسم الثقافي الجديد لمركز الدراسات والأبحاث الأندلسية بشفشاون، الأسس التي بني عليها الفكر الأندلسي وانطلاقته في الشرق والغرب، مذكرا بالمراحل التي قطعها العصر الأندلسي منذ دخول طارق بن زياد بمنطقة الشرافات بإقليم شفشاون إلى غاية سقوط غرناطة، وقيام الفكر الأندلسي على الثنائية بين المشرق والمغرب. واعتبر الدكتور محمد مفتاح، المدير السابق لمركز الدراسات والأبحاث الأندلسية لشفشاون، أن الفكر في الأندلس بدأ مشرقيا، حيث حمل المسلمون الأولون الذين وصلوا إلى الأندلس معهم كتبا في مجالات مختلفة، موضحا أن "الحضارة الأندلسية لم تكن تضاهيها أية حضارة". وأكد الباحث، الذي صدرت له العديد من المؤلفات، "أن من مظاهر نشأة الفكر الأندلسي هو التحول الذي عرفته الأندلس التي رحل إليها عدد من العلماء والمفكرين، الذين ساهموا في الحركة العلمية وازدهارها، مشيرا إلى أن الأندلس عرفت "هامشا كبيرا من الحرية، ساعد ذلك على الانفتاح على الثقافات والحضارات من خلال ترجمة العديد من الكتب التي كانت تجد تشجيعا من طرف الحكام". وأضاف المحاضر أن امتزاج الأجناس وتعدد العرقيات من عرب ومسلمين ونصارى ويهود (..) كان له أثر كبير في ازدهار وتطور الفكر الأندلسي. وسجل أن الأندلسيون اهتموا بتراث المشارقة وفاقوه، مما جعلهم يخلفون كتبا نفيسة في الشعر والأدب والأزجال والموشحات الأندلسية، معربا عن الأسف لضياع هذا التراث بعد سقوط غرناطة، وإحراق الإسبان للعديد من الكتب والدواوين، ما تسبب في تراجع الفكر الأندلسي. وأكد أن الفكر الأندلسي، خلال تداعيات هذه النكبة، "لم يندثر نهائيا، ولكنه اختفى بحروفه العربية، فبدأ الأندلسيون يهربون فكرهم عن طريق كتابته باللغة اللاتينية، يعني الفكر العربي بحروف لاتينية وهو ما يعرف بالمورسكيين الذين طردوا من الأندلس وشرعوا في كتابة ثقافتهم بحروف لاتينية. وأضاف أن "الفكر الأندلسي، المبني على التعايش، اختفى من الأندلس، لكنه ظل مشعا في الغرب عن طريق ابن رشد، وابن باجة، و ابن طفيل، وعن طريق فلاسفة الأندلس، معتبرا أن "النهضة الغربية كانت ثمرة لهؤلاء المفكرين الذين اعتنى بهم الغربيون، إلى جانب الثقافة الهيلينية أو الثقافة اليونانية التي عرفت في الغرب عن طريق المسلمين الأندلسيين". من جانبه، اعتبر مدير مركز الدراسات والأبحاث الأندلسية لشفشاون، زيد العابدين بن الطاهر، أن تنظيم هذه الندوة الافتتاحية، تدخل ضمن سعي المركز، التابع لوزارة الثقافة والاتصال، إلى التأسيس لمرحلة استرجاع الإشعاع الثقافي وتنشيط المشهد الفكري بمدينة شفشاون. وأوضح زيد العابدين بن الطاهر في كلمته بالمناسبة، أن المركز سيعمل على تنظيم سلسلة من المحاضرات في مجال تخصصه، كما ذكر أنه بصدد استئناف الدورات التي كان يقيمها المركز من خلال استضافة مفكرين وباحثين في مجالات متعددة.