نادراً ما فتحت شركة "سنطرال دانون" أبواب مصانعها بالمغرب أمام الصحافة طيلة 60 سنة من تواجدها في المملكة، لكن حملة المقاطعة، التي طالتها في الأشهر الماضية وأثرت على نشاطها، دفعتها إلى تبني حملة تواصل غير مسبوقة التزمت من خلالها بالشفافية بخصوص إنتاج الحليب. أول أمس الخميس كانت الحركة تدب، كما العادة، في أحد أكبر مراكز جمع الحليب بالمغرب، الذي يوجد بمدينة الفقيه بنصالح. حضر المدير الصناعي للشركة دينيس هرمون، إضافة إلى مسؤولين محليين، على رأسهم عبد الناصر لغمام مدير المصنع. وخلال تفاعلها مع حملة المقاطعة التي طالتها بسبب الأسعار، ركزت "سنطرال دانون"، التي تملكها "دانون" الفرنسية، بشكل كبير على إبراز احترامها لمعايير الجودة، خصوصاً بعدما أشارت بعض التدوينات التي رافقت حملة المقاطعة إلى ضُعف جودة منتجات الشركة. هذا الأمر أوضحه هرمون بشكل تفصيلي، حيث قال إن وصول المنتوج النهائي إلى محلات البيع تسبقه العديد من العمليات، بدءًا بالجمع وعمليات التبريد والتحاليل التي تجرى بخصوص المضادات الحيوية، إضافة إلى مراقبة جودة واستقرار الحليب، مما يعني أن "سنطرال" تضمن أعلى جودة لمنتجاتها، يضيف المدير الصناعي للشركة. ويشير هرمون، الذي تحمل المسؤولية في المغرب قبل سنوات قليلة بعدما أمضى سنوات طويلة في الشركة الأم وفي أوروبا، إلى أن عملية تصنيع الحليب تتم عبر مراقبة التجانس والبسترة وعملية التبريد قبل التعليب والتخزين والتوزيع في مختلف جهات المغرب. واعترف أن المرحلة الحالية التي تعيشها الشركة "استثنائية"، بفعل المقاطعة. وأوضح أن هذه هي المرة الثانية التي تفتح فيها مجموعة "دانون" الفرنسية أبواب مصانعها للصحافة، مضيفا أنها تراهن على ذلك بشكل كبير لطي صفحة المقاطعة. وأشار دينيس هرمون إلى أنه يتم تنفيذ 7 ملايين اختبار سنوي بخصوص الحليب لضمان شروط السلامة الغذائية بشكل صارم قبل أن ينقل نحو نقط التوزيع بمختلف جهات المغرب. كما أشار إلى أن مسؤولي المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية يزورون بشكل مستمر الوحدات الصناعية للقيام بالمراقبة المفاجئة. ويُعتبر مصنع الفقيه بنصالح إحدى أكبر نقاط تجميع الحليب بالمغرب، حيث يتلقى يومياً قرابة 480 ألف لتر من الفلاحين، وفي موسم الذروة يصل الحجم في بعض الحالات إلى مليون لتر في اليوم، حسب تصريحات استقتها هسبريس من قبل المسؤولين بالمصنع. بالفقيه بنصالح يتم إنتاج الحليب الطري المبستر، إضافة إلى الزبدة ومسحوق الحليب، الذي يستعمل حصرياً في مشتقات الحليب، خاصة في مختلف أنواع "ياغورت"، التي تصنع في الوحدات الصناعية الأخرى. ويؤكد المسؤولون أنهم لا يستعملون المسحوق في الحليب الطري. وبالإضافة إلى مصنع الفقيه بنصالح، تتوفر "سنطرال دانون" على مصانع في مكناس وسلا والجديدة، إضافة إلى 30 مركزاً للتوزيع في أكثر من 75000 نقطة بيع يومياً، بعدما يتم تجميع الحليب من قبل 120 ألف فلاح موزعين عبر 1800 تعاونية فلاحية، وهو أكبر عدد من الفلاحين تتوفر عليه المجموعة الفرنسية في الدول التي تشتغل فيها. كما تتوفر "سنطرال دانون" على مزرعة كبيرة بنواحي القنيطرة بثلاثة آلاف بقرة حلوب، وهي أكبر مزرعة بالمغرب والمنطقة المغاربية، وتتوفر على سلالات فرنسية وهولندية ذات جودة عالية وإنتاجية كبرى. ويقع مصنع الفقيه بنصالح على أكثر من 5 هكتارات، ويشتغل على مدى اليوم والأسبوع بدون توقف من طرف 328 عاملاً، وهو يعتبر شريان الشركة، الذي يضمن توزيع الحليب بشكل يومي في عدد كبير من المدن. وتؤكد "سنطرال دانون" على اهتمامها الكبير بالسلامة داخل مصانعها الأربعة في المغرب، فالإحصائيات التي قدمها المسؤول الفرنسي تشير إلى أن وحدتها في الفقيه بنصالح، مثلاً، لم تسجل أي حادث منذ 458 يوماً. كما تحرص الشركة، حسب المسؤول الفرنسي، على التزود بالحليب الطبيعي من آلاف من مربي البقر الحلوب المغاربة، 80 بالمائة منهم من صغار المربين، موزعين على مناطق الغرب ودكالة والشاوية. ومن أجل ضمان الجودة والسلامة بأعلى درجة، تستثمر الشركة 6 ملايين درهم سنوياً في مصنعها بالفقيه بنصالح منذ سنة 2014، بهدف توفير بيئة عمل جيدة، ومنتوج يحصل على مصادقة السلطات المحلية والدولية. وتعتبر خطوة فتح مصانع لأول مرة أمام وسائل الإعلام تنفيذاً للالتزامات التي تعهد بها إيمانويل فابر، رئيس مجموعة "دانون"، خلال الندوة الصحافية التي عقدها في 26 يونيو الماضي بالدار البيضاء، بعدما أثرت حملة المقاطعة بشكل كبير على أرقام الشركة. وبعد حلول المسؤول الأول على "دانون" في العالم بالمغرب، أطلقت الشركة حملة كبيرة أسمتها "نتواصلو"، وشرعت في الوصول إلى أكبر شريحة من المستهلكين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي لقاءات مباشرة بعدد من المدن، وقالت إنها تتوخى من ذلك الشفافية مع مختلف المتدخلين للوصول إلى توصيات واقتراحات حول أسعار حليب "معقولة". وكانت حملة المقاطعة التي انطلقت في أبريل الماضي قد أثرت بشكل كبير على عمل مصانع "سنطرال دانون"، فقد خُفض الإنتاج بشكل كبير، كما اضطرت الشركة إلى تسريح عدد من العمال المتعاقدين معها لكي تتوافق مع مستوى النشاط الجديد. وأوضح المدير الصناعي لدى "سنطرال دانون المغرب" أن النشاط عاد إلى وضعية أقرب إلى العادية في المرحلة الأخيرة، لكنه اعترف بتأثير الحملة على رقم معاملات الشركة، وأنها اضطرت إلى إطلاق أكبر حملة تواصل في تاريخها رغبة في تبديد سوء الفهم. حملة متواصلة تسعى من خلالها الشركة إلى تبيان مراحل صنع الحليب الذي يعد المنتوج الأكبر استهلاكاً. ومن المرتقب أن تشرع في الإعلان عن تخفيض السعر في الأشهر المقبلة بعد انتهاء فترة مشاورات أطلقتها لدى فئة واسعة من المستهلكين درءاً لخسائر كبرى في المستقبل. قيمة أو نسبة التخفيض لا يرغب مسؤولو الشركة في الإفصاح عنها، لكنهم يؤكدون أن مرحلة المشاورات ستنتهي بقرار من لدن الإدارة العامة للشركة، بناءً على الاقتراحات والتوصيات التي وصلتها.