بعيدا عن الفضاءات المكيفة والمنظمة التي تخصصها الأسواق الممتازة الكبرى بالدارالبيضاء، لأضاح يجعلك مظهرها تظن أنها قد استحمت عشرات المرات، لتستقبلك في ''كامل أناقتها''، وتغريك بشرائها مهما كان السعر بعد تعلق من أول نظرة، هنا نحن بسوق مديونة الشعبي. سوق مديونة تعد إحدى أهم الأسواق التي تعرض بها رؤوس أغنام مختلفة ''المركد'' بجهة الدارالبيضاءسطات، وقبلة البيضاويين المتشبثين بشراء الأضحية على طريقة الأجداد. بالرغم من أن جيوب البيضاويين، كما باقي المغاربة، أنهكتها مصاريف المناسبات المتتالية، من شهر رمضان الكريم وعيد الفطر والعطلة الصيفية؛ فإن هذه السوق، وبعد إغلاق أسواق أخرى معروفة، باتت وجهة للباحثين على اقتناء أضحية ''مليحة''، بكل ما في طاقتهم، بل وحتى بما يفوقها. وفرة القطيع وأثمنة مناسبة الجولة بسوق مديونة لها طعم خاص، فالخليط المكون من الزبناء المنتمين إلى طبقات اجتماعية مختلفة والتجار المنشغلين بسعر البيع أكثر من أي شيء آخر يفتح شهيتك لاكتشاف كل زاوية وجانب منه. وسط هذه السوق التي جرى تنظيمها بعدما كانت عشوائية، يتباهى كل "كساب" من الفلاحين القادمين من مختلف نواحي العاصمة الاقتصادية وحتى من جماعات بعيدة بنوعية الأكباش التي يعرضها وجودة الأعلاف التي يقدمها، طامعا في جلب زبناء لاقتنائها. وبالرغم من كون السوق لا تزال في بدايات انطلاقته، فإن الفلاحين الذين يعرضون الأضاحي للبيع يستبشرون خيرا في ظل الإجراءات الجديدة التي اعتمدتها وزارة الفلاحة المتعلقة ب"ترقيم الأضاحي"، كما سجلنا من خلال هذه الجولة التي قمنا بها عبر جنبات هذه السوق. يؤكد أحد الفلاحين، في حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الثمن مزيان، مقارنة مع السنة الماضية، حيث أسهم في ذلك العلف الذي كان موجودا إلى جانب الرعي، خلافا لما كانت عليه الأوضاع في السنة الماضية". ويرى هذا الفلاح أن الكسابة يقدمون أثمنة جيدة تناسب قدرة المواطن البيضاوي وتراعي طاقات كل فئة: "جهد كل واحد كاين هنا، والسوق تايجي ليه لي عندو ولي معندوش، ولي مكتابة ليه شي حاجة راه تايديها". وبينما يعيب البعض من زوار هذه الأسواق ارتفاع الأثمان مع انطلاقة عملية البيع، لفت متحدثنا إلى أن "الزبون يشتكي ولا يراعي المصاريف الخاصة التي نتكبدها في الكسيبة". داخل هذه السوق، لم يعد الأمر يقتصر فقط على البيع عن طريق المعاينة التقليدية، بل تطور ذلك، إذ بات هؤلاء الكسابة يعتمدون أيضا على عملية البيع بالكيلوغرام على غرار ما تقوم به الأسواق التجارية الكبرى. وحسب ما أكده أحد الفلاحين، في حديثه للجريدة، فإن هذه السوق "الثمن فيه يتم إما عبر المعاينة التقليدية للأضحية إذا كان الزبون يعرف تقنيات شراء الأكباش، أو عن طريق وزنه إذا ما تبين له أنه لا يجيد ذلك، مع العلم أن جميع رؤوس الأغنام الموجودة تبقى من النوع الجيد". جدل حول الترقيم داخل هذا الفضاء المخصص لبيع الأضاحي، كانت قضية الحلقة والترقيم حديث الجميع، فلاحة وزبناء. مسألة الترقيم، التي جاءت بها وزارة الفلاحة، أبانت عن ردود أفعال متباينة بين الطرفين داخل هذه السوق. أحد المواطنين، الذين عاينتهم الجريدة وهو يتفحص الأضاحي بحثا عن خروف يرضي رغبته ويجاري الميزانية التي خصصها لهذه المناسبة، اعتبر أن الحلقة التي وضعت في القطيع "أسهمت في الرفع من الثمن.." هذا الرجل، الذي لفحته أشعة الشمس وهو يجول الخيمات، شدد على أن "أهم شيء هو الجودة، وهذه الحلقة لا يمكن أن تضمن ذلك. هناك بعض الفلاحين الذين يقومون بوضعها؛ لكن العلف الذي يقدم للماشية يتسبب في كوارث، على غرار السنة الماضية". هذا الرأي يعارضه كساب في حديثه إلينا، إذ قال إن "الحلقة ضمانة للجودة مقارنة مع العام الماضي، حيث تضمن العلاقة ما بين الفلاح والمستهلك، وتبين أن هذا الخروف تمت مراقبته ومعاينته من قبل اللجان". واعتبر هذا الرجل، الذي خبر الكسيبة لسنين عديدة، أن هذه الحلقة ستسهم في تجنيب المواطنين المعاناة التي تكبدوها السنة الماضية، بعدما تعرّضت الأضاحي للتلف وفسدت، مشيرا إلى أن العلف الذي قُدّم لتلك المواشي كان سببا في ذلك. إغلاق الكراجات يغضب المواطنين لم يخف عدد من الذين تحدّثنا إليهم تذمرهم من قرار عدم السماح لأصحاب "الكراجات" بكراء محلاتهم لفائدة الكسابة وسط الأحياء لاستغلالها في عملية البيع، إذ عبّروا عن استيائهم من ذلك، وما تسبب لهم في ضرورة التنقل إلى سوق مديونة وغيره بحثا عن أضحية العيد. يقول أحد المواطنين، في حديثه للجريدة، متذمرا من العملية التي جعلته يتنقل من سباتة إلى مديونة بحثا عن الخروف: "كاين لي ساكن في معاريف أو ولفة ولا يعرف كيف يتصرف مع الحولي، واش يدخلوا للبيت تاعو"، مضيفا: "الكراجات كانت تساعد الناس، لأنهم يتركونها بها إلى صباح العيد دون معاناة". مواطن آخر ذهب في الاتجاه نفسه: "الكراجات أفضل من هذه الأسواق، لأننا لا نتوفر على أمكنة لوضعها، ناهيك عن أن هؤلاء الكسابة استغلوا الوضع ورفعوا في الأثمنة؛ لأنهم يعرفون أنه لا حل أمامنا سوى القدوم إلى السوق"، مضيفا: "تايطلعوا للجبل، وناس تكرفسوا بهذا الأمر". ولم يخف أحد المواطنين تذمره من منع فتح المحلات في الأحياء، إذ قال: "تعداو على المواطنين، وهناك مواطنون خاصة الكبار في السن الذين لن يستطيعوا التنقل إلى هذه الأسواق، ولن يجدوا من سيقوم بعملية اقتناء الأضاحي لهم، راهم عذبونا وكرفسونا".