ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القراءة والتنمية البشرية.. دراسة تحليلية
نشر في هسبريس يوم 04 - 08 - 2018

القراءة هي مطالعة الكلمات المكتوبة بغرض فهمها، وهي من أدوات التعليم الإسلامية وواحدة من المهارات المهمة في حياتنا اليومية، فنحن نعيش في عالم الكلمة المطبوعة، ومن خلال القراءة نكتسب أفكارا جديدة ونحصل على ما نحتاج إليه من معلومات ونبحث عن دعم لأفكارنا ونضيف شيئا لهواياتنا الشخصية ونوسع دائرة اهتماماتنا.
وتنبع أهمية القراءة من دورها في اكتساب مزيد من المعلومات من أجل المعرفة، وهنالك طرق كثيرة لتنمية هذه المهارة الحيوية على مستويات وبصورة مستمرة لإرضاء الذات، وسواء كنا في المدرسة أو العمل أو بغرض المعرفة أو الترويج والتثقيف تعتمد على مقدرتنا على القراءة وازدياد أهمية القراءة في حياتنا. فالعادات الجدية للقراءة هي مكسب لأي نوع من الأعمال، فكلما زادت معرفة الشخص ازدادت فرصة معرفته بالآخرين وأفكارهم وطرق التعامل معهم.
التعريف بالتنمية البشرية
موضوع التنمية من أكثر الموضوعات التي تهتم بها العلوم الاجتماعية في العصر الحديث وتسعى التنمية البشرية إلى توحيد جهود المواطنين مع جهود السلطات الحكومية في الدولة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية ومساعدة هذه المجتمعات على الاندماج في حياة الدولة والمساهمة الكاملة في تقدمها.
ولقد أجمع المفكرون على أن التنمية البشرية عملية إنسانية هادفة وشاملة وأن نجاح أي عملية تنموية يتوقف على طبيعة أفراد المجتمع أنفسهم من حيث استعدادهم واستجابتهم لقبول أو رفض التغيير، فالإنسان هو المدخل إلى التنمية ومحركها وهو الهدف والوسيلة.
وبما أن الناس هم الثروة الحقيقية لأي أمة، لذا فإن الهدف الأساس من التنمية هو خلق البيئة الملائمة ليتمتعوا بحياة طويلة خالية من العلل. مع الأخذ في الاعتبار أن التوسع في الإنتاج والثروة ما هو إلا وسيلة إلى غاية، وأن الغاية من التنمية يجب أن تكون رفاهية البشر.
وتتمثل تنمية الموارد البشرية، في زيادة أوجه المعرفة والمهارات والإمكانات عند جميع أفراد المجتمع، وتحسين مستوياتهم الصحية وتوفير مشاعر الأمن والطمأنينة لهم.
وسنتطرق في دراستنا لموضوع القراءة والتنمية البشرية في ثلاث محاور على التوالي هي: علاقة القراءة بالتنمية والقراءة وطلب العلم في الإسلام، والجهود الدولية في طلب القراءة.
المحور الأول: علاقة القراءة بالتنمية
ترتبط تنمية القوى البشرية بأهداف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية حتى تحقق العائد الاجتماعي منها، وذلك من خلال الارتباط الوظيفي بين تخطيط التعليم وتخطيط تنمية الموارد البشرية، ورغم وجود أكثر من أسلوب لتحقيق هذا الترابط ولكل منها مزاياه وانتقاداته، إلا أنها تبدأ من نقطة واحدة مضمونها أن إنتاج القوى البشرية هو أهم وظيفة للنظام التعليمي.
ولاشك أن مجتمعا تسود الأمية نسبة كبيرة من أفراده يصعب فيه تكوين إرادة التنمية، كما يصعب فيه توفير عناصر المناخ الاجتماعي الذي يحفز على التنمية ويعمل لها ويستفيد منها. ولقد عزز من ذلك طبيعة العصر الذي اقترن فيه التعليم بالحياة. وتعتبر المعرفة بالقراءة شرطا أساسيا لكي يستطيع الإنسان العيش وسط هذا الانفجار الضخم لنتاج المعرفة عليه أن يتعلم القراءة والكتابة بإتقان.
لقد أضحى من المسلمات أن تحقيق أهداف التنمية وما تتضمنه من أساليب تقنية حديثة يتوقف نجاحها على وجود قوة عمل تستطيع أن تفهم هذه الأساليب وتستعملها بمهارة، كما تستطيع أن تتكيف لمطالبها المتجددة.
لم يكن الاهتمام بالقراءة أن يتم في معزل عن الصورة الكلية للتنمية بشتى أنواعها في البلدان المتقدمة أو الحضارية. بل إن الدروس التاريخية المستلهمة من نهضة بعض الأمم وتقدمها على غيرها تفيد أن تلك الدول قد تملكت ناصية المعرفة التي هي وقود التنمية، ولن تحقق أمة أهداف التنمية حتى يقرأ شعبها. إن مجتمع المعرفة لا ينمو إلا داخل بيئة تؤمن بالمعرفة، والإقبال على القراءة إقبال على المعرفة، والمعرفة هي أساس التنمية الشاملة، بل إنها من متطلبات تنمية الإنسان، وإحدى الوسائل المعينة على تنمية القيم الدينية والثقافية الخيرة، القيم الحافزة للعمل والإنماء والهوية والوعي بضرورة التطوير والتجديد أداة للتقدم والتنمية. والتنمية الحقيقية هي في تنمية الإنسان والرقي باهتماماته ومعارفه وخبراته، وتنمية ميوله واتجاهاته نحو ما ينفعه وينفع أمته.
الإنسان والتنمية
لقد فرض مصطلح التنمية البشرية نفسه في الخطاب الاقتصادي والسياسي على مستوى العالم بأسره وبخاصة منذ التسعينات، كما لعب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقاريره السنوية عن التنمية البشرية دورا بارزا في نشر وترسيخ هذا المصطلح. وتستدعي التنمية البشرية النظر إلى الإنسان هدفا في حد ذاته حين تتضمن كينونته والوفاء بحاجته الإنسانية في النمو والنضج والإعداد للحياة. إن الإنسان هو محرك الحياة في مجتمعه ومنظمها وقائدها ومطورها ومجددها. الإنسان، كما قال حامد عمار هو محور التنمية. " تلك التنمية التي تركز على توفير حقوقه الإنسانية، وصيانة كرامته المستمدة من الوفاء بحاجاته في الطعام والشراب والملبس والصحة والضمان الاجتماعي وحريته في التعبير، ومن خلال المشاركة في حركة مجتمعه وعمرانه. ويقتضي ذلك –بطبيعة الحال- العمل على تنمية مختلف طاقاته البدنية والعقلية والاجتماعية والروحية والمهارية والإبداعية".
من جهة أخرى، يشير تقرير التنمية الإنسانية لعام 2006 – وهو من أكثر التقارير جدلا في الأوساط العلمية والسياسية والاجتماعية – إلا أنه على الرغم من الإنجازات التي حققتها البلدان العربية على أكثر من صعيد في مضمار التنمية الإنسانية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فإن السمة الغالبة على مشهد الواقع العربي الراهن التي تعوق بناء التنمية الإنسانية، هي تغلغل نواقص محددة أشار إليها التقرير "نقص توظيف القدرات الإنسانية، ومنها المعرفة". ولا يجادل اثنان في أهمية المعرفة لبناء قدرات الإنسان المختلفة وتوظيف هذه القدرات في الإنتاج على المجتمعات المتحضرة. كما أن نقص المعرفة وركود تطورها ينعكس بلا شك على ضعف القدرة الإنتاجية وتضاؤل فرص الإبداع والابتكار والتنمية.
ومع تنوع واتساع قنوات المعرفة في العصر الحديث، وما ساهمت به تقنية المعلومات المتطورة من السرعة والسهولة في الوصول إلى المعارف والمعلومات، مع ذلك كله، فإن العامل المشترك في اتصال الإنسان بتلك المعارف هو القراءة، سواء أكانت من كتاب مطبوع أو من كتاب إلكتروني أو من صفحة على الأنترنت، أو من قرص مدمج أو حتى من حاسب محمول أو هاتف جوال.
وإذا كان تقرير التنمية البشرية يعرف التنمية البشرية بأنها "عملية توسيع خيارات الناس" فإن القراءة يمكن أن تكون خير معين على الوصول إلى تلك الخيارات. ومن المتعارف عليه أن الخيارات الأساسية الثلاثة على جميع مستويات التنمية هي :
1. أن يحيا الإنسان حياة طويلة وصحية خالية من الأمراض
2. أن يكتسب المعرفة
3. أن يحصل على الموارد اللازمة لمستوى معيشي كريم.
ولا شك أن القراءة تساعد الإنسان على اكتساب الثقافة الصحية التي تعينه على أن يحيا حياة صحية وخالية من الأمراض، كما تساعده على اكتساب المعارف والخبرات التي تجعل منه إنسانا منتجا وفاعلا في المجتمع ومتفاعلا مع ما حوله، والإنسان من خلال القراءة يستطيع أن يرتقي بمهاراته وخبراته التي تعينه على كسب رزقه والعيش بمستوى كريم.
والقراءة الحرة أحد أبرز مصادر المعرفة والثقافة أيا كان مصدر تلك المعرفة، أو زمانها، أو مكانها. لذا، فلا غرابة أن يلتقي القارئ وهو جالس في بيته بأخيه الإنسان في شتى أصقاع الأرض، وفي شتى العصور، ومن شتى الأعراق والأجناس. إن اللقاءات المعنوية التي تتم من خلال صفحات الكتب تزيد الإنسان ألفة بأخيه الإنسان، وتقربه منه، وتزيل الحواجز النفسية التي مردها الاختلاف الديني أو العرقي أو الطائفي لتشيع ثقافة الحوار وتتلاشى ثقافة الصراع.
وإذا كان للقراءة مثل تلك الأهمية وذلك الدور الذي تؤديه في حياتنا، فيجب الاهتمام بتعليمها في مراحل التعليم العام والجامعي، ومساعدة التلاميذ على التمكن من مهاراتها، وتنمية اتجاههم الإيجابي نحوها، وتوجيههم إلى مصادرها الأصيلة، ومنابعها الراقية. بل إن الآثار السلبية لضعف القدرة على القراءة، أو ضعف الاتجاه نحوها، لا تقف عند الأفراد الذين يعانون منها وحدهم بل تمتد إلى المجتمع كله، فقد دلت الإحصاءات في الولايات المتحدة على أن ذوي المستوى المتدني في القراءة يشكلون معظم العاطلين عن العمل، والمنقطعين عن التعليم، والفقراء، والمدانين بجرائم، وهذه لا شك من أكبر معوقات التنمية، ومن الأسباب التي تضيق خيارات الناس في جميع مستويات التنمية التي أشار إليها التقرير العربي للتنمية البشرية.
المجتمع ودوره في تنمية عادة القراءة : مجتمع المعرفة
عرف التقرير العربي للتنمية البشرية (2003) مجتمع المعرفة بأنه ذلك المجتمع الذي يقوم على نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات نشاط المجتمع (اقتصاد، سياسة، قانون... إلخ) أي إقامة التنمية البشرية.
ووصف مجتمع المعرفة بأنه نموذج مثالي لا يمكن تحقيقه بالمجتمعات العربية الإسلامية إلا من خلال جملة شروط منها :
توطين العلم وتطوير البحث العلمي والابتكار في ميدان التقانة، واستثمار المعرفة في المجالات الاقتصادية، وتأسيس نموذج معرفي مستنير يقوم على تأويل غير متطرف وتحديث اللغة العربية واحترام خصوصيات التنوع الثقافي.
"تقع مسؤولية كبيرة على أفراد المجتمع وخصوصا العلماء والمثقفون منهم نحو غرس هذا التوجه – القراءة – في نفوس أبناء المجتمع صغارا وكبارا"، وذلك عن طريق مختلف الأساليب المتاحة والممكنة، كتنظيم الندوات والمحاضرات والمسابقات الثقافية المشجعة، وقيام المثقفين بإعارة كتبهم لمن يطلبها، والعمل على إهداء ما توافر منها فزكاة العلم تعليمه لمن لا يعلمه.
ولا ننسى ضرورة مشاركة أبناء المجتمع (رسميا وشعبيا) في إنشاء المكتبات العامة والعمل على تطويرها من أجل الترويج لعادة القراءة في المجتمع، وأن تسهم –المكتبات العامة – مع غيرها من أنواع المكتبات في خدمة المواطنين والمقيمين على اختلاف مستوياتهم الثقافية.
الإعلام ودوره في تنمية عادة القراءة
يمارس الإعلام المكتوب المرئي والمسموع دورا هاما في الترويج لعادة القراءة في المجتمع، ومما لا شك فيه أن لوسائل الإعلام قدرة كبيرة في التأثير على سلوكيات المشاهد وتفكيره، فوسائل الإعلام العصرية غيرت الكثير من عاداتنا وتقاليدنا.
فالإعلام بإمكانه أن يقدم لنا جرعات صحية باستطاعتها أن تدفعنا للقراءة والكتابة، من خلال عرضه لكتاب صدر حديثا أو كتاب قديم كان له تأثير على مجتمع من المجتمعات، وكذا عقد لقاءات مع مؤلفين لهم تأثيرهم على أبناء المجتمع، ليتحدثوا من خلال برنامج تلفزيوني (مثلا) عن أحد مؤلفاتهم وبالخصوص الإصدارات الحديثة.
فالبرنامج التلفزيوني (نادى أوبرا للكتاب) الذي تقدمه الإعلامية الأمريكية "أوبرا ونفري" جعل من التلفاز نافذة لمكتبة تبيع الكتب، يطل عليها عشرة ملايين في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وخمسة عشر مليونا خارجها.
نعم، نحن بحاجة لبرامج كهذه يعرضها التلفاز للتشجيع على عادة القراءة ولبيان ما للمكتبة والكتاب من أثر على حياة الأفراد والشعوب، وبالتالي على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
الدولة ودورها في تنمية عادة القراءة
من الأدوار التي يمكن للدولة أن تقوم بها من أجل التشجيع على تكوين عادة القراءة في نفوس المواطنين، قيامها بعمل البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تصب في هذا المضمار – بما أن أغلب إعلامنا رسمي- كقيامها بعمل الندوات والمحاضرات التي تتحدث عن القراءة وأهميتها في الارتقاء بفكر المجتمع وسلوكه وكونها السبيل الذي من خلاله نستطيع أن نعمل على بناء مستقبل أفضل لمجتمعاتنا.
لقد كان الإبداع هو سر التقدم والتفوق في الغرب، وأن ما من شيء يؤمن استمرارية هذا الإبداع سوى تشغيل العقل النقدي بالقراءة الدائمة والمجددة للأفكار. فالمطالعة، من هذا المنطلق عادة حيوية للذهن تحثه على تخطي نفسه باستمرار، وعلى الدولة مسؤولية السهر على عدم تراجع القراءة عند أبناء شعبها، وبخاصة عند شبابها، حيث أنه بذهاب القراءة يذهب الإبداع، ومعه تذهب القدرة على المنافسة والصمود.
إننا ننتظر بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي نرى فيه ببلادنا مزيدا من المكتبات العامة، ولنا قدوة في هارون الرشيد حينما قام بإهداء مكتبته لبيت الحكمة ببغداد، تلك المكتبة التي بلغت شهرتها الآفاق، وكذلك فعل غيره من الأفراد والحكام الذين حكموا البلاد الإسلامية ابان العصر الذهبي للمكتبات الإسلامية.
وتعتبر المكتبات العامة من أهم مراكز الإشعاع الثقافي والتربوي، فها هو وزير الثقافة الفرنسي (1993م) أطلق حملة فريدة في نوعها عندما شعر الفرنسيون حينها بانخفاض في نسبة القراءة، نزل الوزير ومعه كبار المؤلفين والكتاب إلى الشوارع والحدائق العامة والمراكز الثقافية يتحدثون مع الناس من حولهم عن القراءة والكتب في مهرجان عام أسموه مهرجان جنون المطالعة.
ويذكر التاريخ القديم والحديث اهتمام المسلمين بالمكتبات كفضاء للقراءة، وذلك إدراكا منهم لأهمية الدور المناط بالمكتبة والكتاب في حياة الإنسان – الفرد والمجتمع – حتى أن ويل ديورانت في كتابه "قصة الحضارة" يقول : "كان عند بعض الأمراء كالصاحب بن عباد من الكتب بقدر ما في دور الكتب الأوروبية مجتمعة"، وتؤكد المستشرقة الألمانية زيفريد هونكه في كتابها القيم "شمس العرب تسطع على الغرب" نفس الحقيقة إذ تقول : "إن متوسط ما كانت تحتويه مكتبة خاصة لعربي في القرن العاشر، كان أكثر مما تحتويه كل مكتبات الغرب مجتمعة"، أما في عصرنا الحاضر، فإننا نشكو من مشكلة عدم الوعي بأهمية المكتبات في التنمية والتربية والبحث والثقافة، ولا يقتصر عدم الوعي على المواطنين العاديين، ولكنه ينسحب كذلك على المسؤولين الحكوميين أصحاب القرار.
المحور الثاني: القراءة وطلب العلم في الإسلام
ينادي الإسلام بإقامة نظام تربوي يراعي تقوية الجوانب الروحية والمادية معا وتحقيق الانسجام والتجاوب بينهما حتى يتسنى إعداد الإنسان لتأدية رسالته المقدسة في هذه الأرض.
ولم يكتف الإسلام بضمان حق التعليم للجميع، بل جعل التعلم وتحصيل المعارف فريضة على كل مسلم ولا أدل على ذلك من أن أول سورة نزلت من القرآن تشيد بأهمية القراءة والكتابة وتحصيل العلم باعتبارها وسيلة لتطوير ملكات الإنسان الذاتية. وقد جاء في سورة الزمر (قل هي يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) ، وفي سورة المجادلة (... يرفع الله الذين آمنو منكم والذين أتوا العلم درجات) ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة : طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" "أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد"، وعلى هذا النحو، تعتبر التنمية وطلب العلم في الإسلام فريضة من فرائض الدين، وكان الرسول عليه السلام كثير ما يردد في دعائه (رب زدني علما) ، وكان بعد هجرته إلى المدينة أول من بادر إلى تعليم أهل الصفة، وكانوا يجتمعون بجوار المسجد النبوي.
وليس صحيحا ما يعتقده بعض المسلمين في عصرنا هذا من أن التربية في الإسلام منحصرة في شؤون الدين، وخير مثال يفند هذا الاعتقاد هو ما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر، فقد عرض على أسرى المشركين في هذا الواقعة أن يفتدوا أنفسهم بتعليم صبيان المسلمين والنساء القراءة والكتابة، وذكر أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي أعرابيا فقال له: هل تحسن قراءة القرآن، قال الأعرابي: نعم. قال: فاقرأ أم الكتاب (الفاتحة) فظهر عجز الأعرابي عن قراءتها فأسلمه عمر إلى الكتاب ليتعلم القراءة والكتابة . وهذا برهان على الأهمية البالغة التي يوليها الإسلام لتطوير مهارات الإنسان منذ حداثة سنه، بفضل هذه المهارات يستطيع أن يمضي قدما في درب العلم والمعرفة، والعلم هنا وسيلة لبلوغ الغاية المنشودة متى أحسن استعماله، وقد شبه القرآن الذين لا ينفعون ولا ينتفعون بعلمهم بأنهم (كمثل الحمار يحمل أسفارا) سورة الجمعة، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد اعتبر العلم الذي استعمل على وجهه الصحيح "حكمة" يساعد على التمييز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، والهدى والضلال، وروى عنه قوله صلى الله عليه وسلم الحكمة ضالة المؤمن.
الرؤية المنهجية في التربية الإسلامية :
عند النظر في واقع نظمنا التعليمية الحالية لنرى ماهية المناهج التي يعتمد عليها كأسلوب تعليمي نجد:
منهج المواد المفضلة: وهو منهج يكون فيه لكل مادة دراسية ومنها تعلم القراءة معلومات مستقلة تماما عن كل اعتبارات المواد الأخرى ومعلوماتها المستقلة عن المواد الأخرى وهذا المنهج مخالف للفطرة ولطبيعة تكوين المجتمع.
منهج المواد المترابطة : هو شكل من أشكال تعلم القراءة بني على نظرية نفسية ظهرت أواخر القرون الوسطى وتقوم على اعتبار أن عقل الناشئ يتكون من ترابط وتفاعل بين إحساساته ومدركاته الحية ورغم أهمية ذلك إلا أن المنهج ينسى أن الناشئ لابد أن يبدأ من الجزئيات أولا ثم ينتقل إلى الارتباطات وهذا يصلح لتعليم الكبار دون تعليم الناشئة.
المنهج المحوري: يتمركز في تعليم القراءة وهو أشد أشكال المناهج تلاحما واتصالا بين أجزائه ومواده الدراسية، فالمواد والمعلومات التي يراد تدريسها وفق المنهج يجب أن ترتبط بمحور معين أو بموضوع يهتم به الطلاب وهذا الأمر يسمى (محورا) أو (مركز اهتمام) وقادرا على استقطاب جميع المواد الأخرى.
منهج النشاط في القراءة : هو تنظيما لسلسلة أنشطة ومشاريع علمية ومحاضرات وغيرها من جهود مشتقة من حياة الطلاب المدرسية أو الاجتماعية هدفها إنماء المدارك والمعارف وتنمية مداركهم الكلامية والحوارية (محاضرات، صحف) والارتقاء بتفكيرهم الديني وسلوكهم على أساس طاعة الله لإحياء التعليم المساجد.
إن المنهج المدرسي في القراءة الذي تتطلبه التربية الإسلامية ينبغي أن يكون أداة فعالة لتحقيق أهداف الشريعة ويبني على أسسها الفكرية عن الكون والحياة والإنسان.
فالمنهج الإسلامي لتعليم القراءة يمكن أن يوصف بأنه تربية محورية يمكن أن تدور عليه جميع المواد الدراسية والعلمية كما حصل في صدر الإسلام.
فتعلم القراءة والكتابة واللغة وسائر علومها إنما يهيئ الناشئين لطاعة الله وذلك بتفهم كلامه الذي أنزله للعمل به وكلام رسوله الذي أرسله ليطاع بإذنه.
الأسلوب الإسلامي في تعليم القراءة
إن المحدد الأول للعلاقات التبادلية البنائية في المجتمع الإسلامي هو الشريعة وما يتبعها والوحدات البنائية لأي نمط يمكن أن تنتشر ويكون لها تأثيرها في كل الأنماط الأخرى، فالتعليم كوحدة بنائية في المجتمع أساس ضروري لممارسة العلاقات والمعاملات والسلوك الاجتماعي للجماعة المسلمة، فإصلاح أي خط يؤدي إلى إصلاح الكل وفساد أي خط يؤدي بالضرورة إلى فساد الكل.
ويفيدنا ما يسمى بمنهج الكليات والجزئيات أن الأساليب التقليدية في التربية والتعليم كانت ناجعة إلى حد كبير في تعلم القراءة والكتابة بل واللغة بكل علومها.
وإن الطريقة المتبعة في تعليم القراءة بمعظم عالمنا الإسلامي والتي تقوم على إدراك الكليات أولا ثم معرفة الجزئيات تفترض البدء بتدريس الطلاب جملا معينة ثم توضيح ذلك بمجموعة من الصور، دون البدء بالحروف، كادت تقضي على القدرة اللغوية عند الناشئين مما يؤكد فشلها، فقد لاحظ أساتذة الجامعات الأخطاء العديدة التي يقع فيها طلاب الجامعات في كتابة وقراءة اللغة العربية .. والواقع أن هذه الطريقة لا تتفق مع الفطرة والمنطق السليم، ففي مجال تعلم القراءة يبدأ التعلم بإدراك المركز منذ البداية لغرسه بالذهن والوصول إلى الكليات انطلاقا من الجزئيات، حيث على المتعلم البدء بحفظ الحروف الأبجدية والتدريب على كتابتها .. وفي السنوات الأولى لتعلم القراءة يجب الانتقال من الأبجدية إلى الكلمات الثنائية إلى جمل من القرآن الكريم بعد هجاء كل كلمة حرفا حرفا وضبط التشكيل. إن هذه الطريقة التقليدية جاءت عن طريق الخبرة الاجتماعية في التعليم والتي وضعها أجدادنا الذين سادوا العالم وأبدعوا في حضارتهم وجابوا بها الآفاق.
لذلك لابد أن تكون المناهج العلمية في التدريس سواء بالنسبة لتعلم القراءة للمبتدئين أو غيرها من الموضوعات متلائمة تماما مع نوعية البناء الاجتماعي للمجتمع المسلم وطبيعته، إن منهج التعليم للمبتدئين لابد أن يكون متفقا مع روح ووجدان الطفل المسلم والمبتدئ المسلم.
وبما لا يدع مجالا للشك أن سر التقدم الذي أحرزته الدول الصناعية الكبرى يكمن في مواردها البشرية المؤهلة تأهيلا علميا وتقنيا، كما أن التخلف المنتشر في العالم الثالث يرجع إلى قلة الكفاءات العلمية والتقنية، نتيجة عدم الاهتمام بالقراءة وانتشار الأمية، ففي إحدى الدراسات الحديثة تبين أن عدد العلماء المتفرغين لإعداد البحوث وشؤون التنمية بالعالم الإسلامي 45.136 عالما مقابل 400.000 عالم في اليابان وحدها. أما البحوث والدراسات العلمية التي تنشر بالعالم الإسلامي –أقل من 01% من مجموع ما ينشر في بلدان العالم كافة.
فالتربية في الإسلام تقوم على القيم والفضائل، بخلاف التربية العلمانية التي لا تقيم وزنا للقيم، وعن ذلك يقول (ترافيليون Travelion) في معرض حديثة عن التربية المسؤولة أن هذه التربية قد هيأت كثيرا من الناس للقراءة، لكنها لم تمكنهم من معرفة ما ينبغي قراءته، ولذلك نجد جل الآباء في أمريكا ينتظرون من المدرسة تحقيق غرضين اثنين :
1. أن تعلم أبناءهم القراءة والكتابة والحساب وتدربهم على التفكير وأعمال العقل.
2. أن تساعدهم على اكتساب معيار يميزون به الصواب والخطأ، ويهتدون به في حياتهم.
إن التربية الحديثة أو بالأحرى التربية المجردة من القيم، قد أتاحت كثيرا من أسباب الراحة والرخاء المادي ولكنها في الوقت نفسه أدت إلى تزايد وسائل الهدم التي تهدد الإنسانية بالانقراض عن طريق دمار نووي شامل. وعلى النقيض من ذلك، فإن المنهج الإسلامي يقوم على قيم العدل والرفاهية والتعايش السلمي بين الناس. وقد قال رسول الله صلى عليه وسلم في شأن الأراذل الذين يتعاطون المعرفة المذمومة ما معناه : خير الأمور تعلم علم نافع، وشر الأمور تعلم علم ضار مذموم.
فاكتساب العلوم لا يأتي إلا بالقراءة، والعلم الذي يحبذه الإسلام إنما هو العلم النافع الذي يفيد الإنسان ويلهمه التقوى والاعتدال.. ولعل خير ما نختم به هو أن نستذكر مرددين دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم (اللهم أعوذ بك من علم لا ينفع).
المحور الثالث: الجهود الدولية في تنمية القراءة
تتطلب تهيئة البيئات والمجتمعات المتعلمة إيلاء عناية خاصة بالسياسات اللغوية والاهتمام بالسياسات الخاصة بنشر الكتب والسياسات الخاصة بوسائل الإعلام وتسهيل إمكانيات الوصول إلى المعلومات ووضع السياسات الخاصة بتوفير الكتب ومواد القراءة في المدارس والمنازل.
والتحدي الكبير أمام التنمية في البلدان النامية عموما والعالم الإسلامي على وجه الخصوص ينطوي على بعدين، إحداهما مطلق والآخر نسبي، ولهذا التحدي تأثير واضح على الفقراء والنساء والفئات المهمشة، كما أنه أكبر بكثير مما تشير إليه المقاييس التقليدية.
فمن حيث الأرقام المطلقة، فإن الأشخاص الذين لا يملكون مهارة القراءة يعيشون بصورة رئيسية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب وغرب آسيا وشرق آسيا والمحيط الهادي. حيث نجد أن 12 بلدا فقط من بلدان هذه المناطق يعيش 75% من الأشخاص الذين يملكون مهارة القراءة.
ومن حيث الأرقام النسبية نجد أن افريقيا جنوب الصحراء وجنوب وغرب آسيا والدول العربية هي التي توجد فيها أدنى معدلات القراءة.
ولا يخفى على أحد الارتباط الوثيق بين العزوف على القراءة وعدم امتلاك مهارة القراءة وانتشار الأمية التي ترتبط إلى حد كبير بحالة الفقر المدقع.
وعلى المستوى العالمي أوضحت الدراسات والتقارير أن النساء أقل تعلما من الرجال، فهناك 88 امرأة راشدة متعلمة مقابل كل 100 رجل راشد متعلم، وتقل هذه النسبة كثيرا بالبلدان ذلك الدخل المنخفض (في بنغلاديش 62 مقابل 100و في باكستان 57 مقابل 100).
وفي أكثر من 80% من الدراسات الاستراتيجية المستوفاة للحد من الفقر تبدو القراءة ومحاربة الأمية من المؤشرات الداخلية للحد من الفقر. وتعتبر الأمية عاملا هاما لاستدامة الفقر. وجاء في إحدى الدراسات بهذا الصدد أن الأمية صفة ملازمة للفقر في مالي، وفي كمبوديا تعتبر الأمية مقياساً لاستبعاد الناس من مؤشرات التنمية، وترى جيبوتي في الأمية عاملا مفسرا للفقر في الريف.
إن كلمة متعلم literate كانت تعني في اللغة الانجليزية (قديما) أن يكون الشخص مطلعا على الأدب وبصفة أعم أن يكون حسن التعليم أو حسن المعرفة ومنذ أواخر القرن التاسع عشر أشارت في معناها إلى القدرة على قراءة نص وكتابته.
وتتواصل الخلافات بين الباحثين بشأن تحويل أفضل الطرق لتعلم القراءة والكتابة فبعضهم يحبذ الأخذ بالنهج الصوتي، في حين البعض الآخر يفضل نهج القراءة من أجل المعنى مما أفضى إلى ما أطلق عليه في بعض الأحيان حروب القراءة.
ومنذ وقت قريب تم إيلاء اهتمام عالمي علمي لعلم الأصوات، وتمييز الكلمات، وتعليم التهجي ومفردات اللغة، ثم تحول هذا النهج إلى بحوث في مجال العلوم المعرفية فيما يتعلق بالمقومات المهمة للذاكرة البشرية (كيفية قيام المخ بمعالجة أنماط القراءة) والتدريب على التوعية الفونولوجية وإعطاء مهام تقضي بالقراءة على نحو متزايد السرعة.
وقد أسفر اتجاه تعزيز المبادئ العلمية لعلم الأصوات عن آراء مفادها أن الكتابة تتمثل في تدوين الكلام، ويرى بعضهم أن النظام الأبجدي يفوق من الناحية التقنية الأشكال الأخرى للكتابة، باعتبار أنه نظام صوتي أكثر من كونه يعتمد على الصور للدلالة على المعنى.
وتستند آراء أخرى إلى افتراضات متعمقة بشأن النتائج المعرفية لتعلم القراءة والكتابة، وقد ارتبطت الحجج المعرفية بالتنمية الاجتماعية الشاملة نحو تحقيق النمو الاقتصادي وإحراز التقدم والانتقال من الثقافات الشفهية إلى الثقافات المؤدية إلى التعلم والتعليم، وبالتأكيد أن هذا الانتقال يؤثر تأثيرا أساسيا على ملكات الإدراك البشرية عندما يتيح تصوير الكلمات في شكل علامات تميز اتجاه الفكر.
خاتمة
إن الثقافة أساس بناء الإنسان، والبنية الثقافية أساس كل تنمية، ولا يمكن أن تتم أي تنمية اقتصادية أو علمية أو اجتماعية بمعزل عن التنمية الثقافية، ولا سبيل إلى التنمية الثقافية إلا بالقراءة والاطلاع والبحث وتحصيل المعرفة. لذا، فأن القراءة يجب أن تكون أسلوب حياة، ولا سيما أنها وسيلة لتطوير الذات وحل المشكلات، وهي ضرورة لتنمية المجتمع بشكل عام، مما يستدعي تضمين خطط الدولة التنموية نشر الوعي بأهمية القراءة، وبضرورة تنمية مهاراتها. ومن المعلوم أن التنمية والحضارة في أي بلد تعكسان إلى حد كبير نسبة الذين لا يستطيعون القراءة والكتابة فقط، بل يقرؤون ويكتبون، أي ينتجون المعرفة ويقرؤون إنتاج الآخرين. وكلما زادت نسبة المتعلمين الفاعلين في بلد ارتفعت فيه معدلات تطور التنمية الاقتصادية والثقافية والعلمية والتقنية، كما تزداد فيه مظاهر الرقي والتحضر والعيش الكريم. لذا، فلا غرابة أن تقدر معظم المجتمعات القراءة والمعرفة حق قدرها، فالقراء الإيجابيون يساهمون في خلق مجتمع منتج ومزدهر، كما يتمتعون في الوقت ذاته بحياة هانئة وسعيدة.
ومن منطلق التنمية الشاملة التي محورها الإنسان، فإن تنمية الإنسان القارئ يجب أن تكون هدفا أساسيا من أهداف التنمية التي تنشدها الأمم. بمعنى آخر، يجب أن تكون أنشطة وفعاليات القراءة بجميع أشكالها حاضرة في كل أهداف التنمية، الصناعية والتقنية والزراعية والثقافية والاجتماعية وغيرها. كما يجب أن تكون حاجة الإنسان إلى القراءة والاطلاع حاضرة في أذهان الخبراء والمسؤولين والمخططين لأهداف وفعاليات التنمية.
إن القراءة ضرورة وحاجة ملحة لزيادة المعرفة واكتساب المهارات المتقدمة، وفهم العالم بشكل أفضل. ولن تنهض أمة أو تتقدم دون أن تكون القراءة في طليعة أولويات التنمية فيها.
إحالات:
الموسوعة العربية العالمية ج18، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض 1996، ص 99
شريف عبد الفتاح صالح علي، دليل التخطيط التربوي لمحو الأمية، منشورات الإيسيسكو، الرباط 2004، ص28
شريف عبد الفتاح صالح، دليل التخطيط التربوي لمحو الأمية، منشورات الإيسيسكو، الرباط 2004، ص 31
د. النصار صالح بن عبد العزيز، [email protected]
التنمية البشرية: الأسس والأهداف، د. حامد عمار، دار الفكر، بيروت 2000، ص 51
تقرير التنمية البشرية لعام 2006، البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، جنيف، ص 33
التنمية البشرية: الأسس والأهداف، مرجع سابق، ص 107
د. النصار صالح بن عبد العزيز، مرجع سابق
د. النصار صالح بن عبد العزيز، مرجع سابق
سورة العلق، الآيات 1 إلى 5
سورة الزمر، الآية 9
سورة المجادلة، الآية 11
سورة طه، الآية 114
المسجد وتعليم الكبار والتربية المستديمة، صلاح حسين العبيدي، مقال منشور بمجلة الإسلام اليوم العدد: 7، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إيسيسكو 1989، الرباط، ص 91
سورة الجمعة، الآية 5
الأسلوب الإسلامي في تعليم القراءة، د. محمد السيد علوان، مقال منشور بمجلة الإسلام اليوم العدد 03/1985، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، إيسيسكو، الرباط، ص45
الأسلوب الإسلامي في تعليم القراءة، المرجع السابق، ص 54
التقرير العالمي للتعليم للجميع 2006، اليونسكو، باريس ص 17
التقرير العالمي للتعليم للجميع 2006، مرجع سابق، ص 240
Abadzi, H.2003. Improving Adult Literacy Outcomes : Lessons from Cognituve Research for Developing Countries. Washington,DC, World Bank.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.