غداة الاستقلال، فتحت المملكة المغربية أوراشا كبيرة في سعي إلى بناء الدولة الحديثة، وكان التفكير مبكراً في إحداث مصفاة بترول تؤمن احتياجات البلاد من المحروقات، وتحقق ذلك سنة 1959 في عهد حكومة عبد الله إبراهيم بتأسيس سامير، وهي اختصار لاسم "الشركة مجهولة الاسم المغربية والإيطالية لتكرير النفط" بالفرنسية. كانت هذه الشركة ممثلا فيها مكتب الدراسات والممتلكات الصناعية والمكتب الإيطالي للهيدروكربونات بشراكة مع شركة النفط الإيطالية العامة، حيث جرى تأسيس أول وحدة لتصفية النفط الخام في المحمدية بطاقة استيعابية تصل إلى 1.25 مليون طن سنوياً. كانت مدينة المحمدية آنذاك تحمل اسم فضالة، وقرر الملك محمد الخامس تسميتها بالمحمدية خلال وضع الحجر الأساس لبناء المصفاة، في الخامس والعشرين من سنة 1960، ومنذ تلك اللحظة عرفت المدينة تطوراً صناعياً وعمرانياً سريعاً. وبعد سنوات، قرّرت الدولة سنة 1973 مغربة شركة "سامير" بشراء حصص الإيطاليين. وفي سنة 1978، تم تأسيس المركب الجديد للمصفاة بطاقة تصل إلى 4 ملايين طن سنوياً، لتصل الطاقة الإجمالية للمصفاة إلى 6.25 ملايين طن. خوصصة المصفاة ومع توالي السنوات، عرفت المصفاة تطورات متسارعة، حيث أدرجت في بورصة الدارالبيضاء سنة 1996. وبعد سنة من هذا الدخول، تقرر خوصصتها في عهد حكومة عبد اللطيف الفيلالي بتحويل 67.27 في المائة من رأسمالها إلى مجموعة كورال السويدية، المملوكة لرجل الأعمال السعودي من أصل إثيوبي الحسين العامودي. في سنة 2004، وقّعت الحكومة المغربية اتفاقية استثمار مع المجموعة السويدية، بهدف تحديث المصفاة وتطوير اشتغالها باستعمال التكنولوجيات الحديثة في مجال تكرير البترول، إضافة إلى توسيع أنشطتها في التوزيع والتخزين. في آخر إحصائيات الشركة، تبلغ طاقة المصفاة 10 ملايين طن سنوياً، وطاقة تخزينية تصل إلى مليونيْ متر مربع من البترول الخام والصافي، كما كانت تصدر ما بين 20 و25 في المائة من الإنتاج. أما التشغيل فيصل إلى 1200 منصب شغل مباشر، و3000 منصب شغل غير مباشر، إضافة إلى تعاملها مع أكبر من 200 مقاولة مغربية في إطار المناولة، كما عملت على بناء أكثر من ألف سكن لفائدة عمالها. تراكم الديون إلى نهاية سنة 2015، وصلت الشركة إلى وضعية غير متوقعة، تراكمت ديونها لفائدة الجمارك والأبناك المغربية، ووصلت إلى 40 مليار درهم؛ وهو ما جعلها تدخل المسطرة القضائية في المحكمة التجارية في الدارالبيضاء، حيث قضت بتصفيتها في 21 من مارس عام 2016 في مسطرة صعوبة المقاولة. وإلى جانب هذه الحكم، أَذِنت المحكمة باستمرار النشاط، ويعني ذلك عدم إلغاء عقود الشغل والحفاظ على أجراء الشركة؛ فهم إلى حد الساعة يحضرون إلى المقر يومياً، ويقضون الساعات القانونية في مقر العمل ويتلقون أجورهم لكن دون إنتاج. وفي الثامن من فبراير من عام 2017، صدر بلاغ باسم السانديك المُكلف بالتصفية القضائية لشركة "سامير" حول طلب إبداء اهتمام لشراء إجمالي أصول الشركة، وهو موجه إلى الأغيار بهدف الحفاظ على المصفاة بآلياتها وعمالها. ومنذ تلك الفترة، لم تنجح المسطرة في تفويت الشركة إلى مشتر جديد؛ فقد تقدمت شركات دولية عدة أبدت اهتمامها، لكن لم تنتهِ إلى الاقتناء، إذ يتوجب على المشتري المحتمل أن يقدم ملفاً يضمن ديون الشركة واستمرار عمالها. قيمة مصفاة سامير كانت سامير قبل توقفها تنتج خمس مواد بترولية أساسية، وهي: البنزين والكازوال والفيول والجيت والبيتوم، وكانت توفرها بنسبة مائة في المائة للسوق المغربية وتصدر نسبة أخرى، باستثناء الكازوال الذي كان توفرها بنسبة 50 في المائة. وفي الوقت الذي يستورد المغرب حالياً المواد البترولية بشكل مجزأ، كانت شركة سامير تستورد النفط الخام عبر سفن بطاقة تصل إلى 120 ألف طن، وكان تستخرج منه جميع المواد الصافية التي يحتاجها الاقتصاد الوطني. وبالإضافة إلى إنتاجها، كانت سامير مروجةً للميناء البترولي بالمحمدية، والذي لا تتجاوز طاقته الاستغلالية حالياً 45 في المائة، كما أنها تمثل حوالي 1 مليار درهم على شكل أجور كانت تروج داخل المدينة. وبالنسبة إلى الحسين يماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، فإن قيمة سامير كبيرة جداً؛ فهي التي أسهمت في بناء أكثر من 2500 سكن للأجراء، وبالتالي المساهمة في التنمية العمرانية للمحمدية، إضافة إلى دورها المحوري في التنشيط الرياضي والثقافي والبيئي للمدينة. كما أنها كانت تقتصد الكلفة المضافة لتكرير النفط التي تؤدى بالعملة الصعبة للاستيراد. نهاية سامير، في نظر اليماني، تعني خسارة أكثر من 40 مليار درهم من المديونية، نصفها لفائدة الدولة، ويقول بخلاصة: "سامير هي التاريخ والوجدان والاقتصاد والتنمية المجالية والاجتماعية؛ فهي كانت تستوعب 2000 طالب سنوياً من مختلف المعاهد والكليات، من أجل التدريب والتكوين وتلقي الخبرة، قبل ولوج سوق الشغل". ويعتبر الحسين اليماني أن الرأسمال اللامادي لمصفاة المحمدية، والذي يتجاوز أكثر من 50 سنة من الخبرة والتجربة في مجال تكرير البترول بالغ الأهمية، لا يقدر بثمن أمام ملايير الدراهم من الديون. ويشدد المتحدث على أن اشتغال سامير بالظروف الحالية قادرة على المساهمة في تخفيض أسعار الكازوال بما نسبة 1.20 درهم إلى 1.70 درهم في اللتر، والذي يصل ثمنه حالياً إلى عشرة دارهم، وهو محط انتقاد المواطنين بعد سنوات من تحرير الأسعار. تجاهل الحكومة مصفاة بهذا الحجم والتاريخ والقيمة الاقتصادية الكبيرة كان ولا بد أن تكون محط اهتمام الحكومة، بالرغم من أن الأمر يتعلق بشركة خاصة؛ لكن لم تول الحكومة السابقة والحكومة الحالية اهتماماً كبيراً بالأمر، وكانت دائماً ما تتهرب من الخوض في تفاصيل الملف. وكان المسؤولون الحكوميون يردون دائماً بأن الملف في يد القضاء، ولا يجب أن تتدخل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية؛ وهو مبرر يرد عليه نقابيو شركة سامير بالقول إن القضاء قال كلمته بالحكم بالتصفية وأن على الحكومة اليوم أن توفر الشروط الضرورية وتدفع بكل إيجابية إلى شرائها من طرف الأغيار. بعد ثلاث سنوات من توقف المصفاة عن الاشتغال كليا، بدأ يسود في أوساط العمال تخوف كبير بسبب تأخر شرائها من لدن مستثمر، ومع مرور الزمن تتدهور الآليات الإنتاجية مع عدم استبعاد تأثرها بشكل كبير. أمام هذا الوضع، يؤكد الحسين اليماني أن وضع الشركة يحتاج إلى حسم السلطة العمومية، ويشدد على أن المسؤولية خارج المحكمة التجارية بالدارالبيضاء. اليماني، وهو من المشتغلين في مصفاة سامير، يرى أن على الدولة المغربية أن توفر الشروط التي تشجع المستثمرين في صناعة البترول، وقال إنه مجال يتطلب استثمارات ثقيلة وطويلة المدى ولا يزال في المغرب في حاجة إلى ذلك. حلول للخروج من الأزمة أمام استمرار مسطرة التفويت دون نتيجة إيجابية، يبادر عمال سامير من حين إلى آخر إلى إطلاق مبادرات للخروج من الأزمة، وآخر مبادرة قدموها كانت عبر ملتمس إلى رئاسة الحكومة من أجل التسيير الحر للشركة، إنقاذاً للوحدة الإنتاجية "من الدمار الشامل"، حسب تعبير اليماني. وإلى جانب هذا المخرج، توجد طرق أخرى؛ لكن الحل الأول بالنسبة إلى نقابة عمال سامير يمكن في تفويتها للأغيار، والحل الثاني يقترح تحويل ديون الشركة إلى رأسمال، باعتبار أن الدولة هي الدائن الرئيسي متمثلة في الجمارك بحوالي 20 مليار درهم. ويوضح اليماني، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن حل تحويل الديون يتمثل في تأسيس شركة اقتصاد مختلط بين الدولة والدائنين. أما الحل الثالث فهو التسيير الحر من لدن العمال. والحل الرابع هو تأميم الشركة من جديد. تأميم الشركة يعني عودة الدولة إلى رأسمال "سامير" بشكل كامل لتصبح من جديد استثماراً عمومياً؛ وهو حل يؤيده الكثيرون، على اعتبار أن تأمين حاجيات المغرب من المحروقات أمر بالغ الأهمية للاقتصاد المغربي ووجب على الحكومة أن تبقيه ضمن القطاعات الاستراتيجية.