تشكّل مبادئ الصحة والسلامة في مقرات العمل، لا سيما بالمصانع والمعامل والأوراش المهنية الكبرى، هاجسا يستأثر باهتمام الأجراء والعمال على حدّ سواء، نظرا للمخاطر التي يمكن أن تتهدّدهم كلّما تهاونوا في التعامل مع الموضوع بالجدية المطلوبة، فلا يظهر حجم المشاكل ودرجة التقصير إلا حين يشهد مقر العمل وقوع حادثة شغل ذات خسائر مادية أو بشرية. وإذا كان توفير شروط السلامة والصحة في العمل أمرا مطلوبا ومرغوبا فيه من طرف المعنيين به، لما له من أهمية في حفظ سلامة العمال ووقايتهم من المخاطر المهنية المحتملة، فإن واقع الحال يشير إلى أن عددا من المشغّلين لا يوفّرون ظروف وشروط العمل في مستويات عالية من السلامة؛ وهو ما يتسببّ بين الفينة والأخرى في وقوع حوادث تختلف خسائرها بحسب طبيعة العمل ونوع الحادث. إكراهات.. وفاقد الشيء لا يُعطيه وعن أسباب غياب شروط السلامة والصحة في مقرات العمل، قال محمد أمغار، الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين بخريبكة، إن "بعض المقرات تتوفر على قدر من الشروط المطلوبة، لكن ينبغي التساؤل عن المانع الذي يحول دون تمكن أرباب العمل من توفير كلّ الشروط الكفيلة بحمايتهم وحماية باقي العمال". وفي جوابه عن "سؤال المانع"، أكّد المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن "الأمر مرتبط بالإكراهات التي يعاني منها الصناع والحرفيون؛ لأن الدولة لم توفّر شروط الممارسة المهنية الصحيحة، ولا تُعطي للمقاولات حقوقها من أجل مساعدتها على الاشتغال في ظروف جيدة، ما تسبّب ويتسبّب في إفلاس عدد كبير من المقاولات عوض أن تنجح وتطور ظروف عملها". وأضاف أمغار أن "المقاولة التي من المفروض أن توفر شروط السلامة والصحة يصدق فيها القول "فاقد الشيء لا يعطيه"؛ لأنها تعيش إكراهات ضريبية مجحفة، ومشاكل في منظومة التشغيل أسوة بالشركات المتعددة الجنسيات"، مشيرا إلى أن "المقاولين أصبحوا يجدون صعوبة في كسب قوتهم اليومي، بالأحرى أن يلتفتوا إلى شروط السلامة والصحة، انطلاقا من الخوذة والبذلة". وشدّد أمغار على أن "الدولة مطالبة بعدم الكيل بمكيال واحد تجاه جميع المقاولات، لأنه من غير المقبول أن تتساوى شركة متعددة الجنسيات بحرفيّ بسيط"، مضيفا أن "هناك خللا، ولا أحد يقوم بواجبه سواء كان صانعا بسيطا أو مقاولا كبيرا. كما أن الإدارات لا تتحمل مسؤولياتها، خاصة وزارتي التجارة والداخلية"، خاتما تصريحه بالقول "نحن نسير نحو الهاوية، ونتدافع نحوها بسرعة". أخطاء ومسؤوليات تقصيرية وعن الجانب القانوني الذي يؤطّر حوادث الشغل الناتجة عن غياب شروط السلامة والصحة في العمل، أوضح الأستاذ عبد الصمد خشيع، محام بهيئة خريبكة، أن "حوادث الشغل المرتبطة بغياب شروط السلامة والصحة في العمل تحيلها على مسألة أساسية، تتمثل في قيام المسؤولية العقدية أو التقصيرية، من أجل تحديد المسؤوليات من منطلق ثنائية الخطأ وجَزاء المترتب عنه". وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "حين تقع حادثة شغل معيّنة فلا بد من تحديد ما إذا كانت ناتجة عن خطأ يعزى إلى الأجير ومدى رعونته في التعامل مع أدوات العمل المحيطة به، أو يعزى إلى المؤاجر الذي يُفترض أنه تخلى أو تهاون في تتبع الصيانة المطلوبة وفق الشروط المنصوص عليها في المرسوم الوزاري". وأوضح الأستاذ عبد الصمد خشيع أنه "مع وقوع أي حادثة شغل، خاصة الناتجة عن غياب شروط السلامة والصحة في العمل، يبقى الأمر المثير أو الجدل القائم هو الجواب عن التساؤل: من المسؤول عن الحادث في إطار قانون الالتزامات والعقود، وفي إطار علاقة الشغل والمسؤولية التقصيرية بين الطرفين، أي الأجير والمؤاجر". إستراتيجية وزارية وتنزيل إقليمي إبراهيم وجعدان، المدير الإقليمي لوزارة الشغل والإدماج المهني بخريبكة، أكّد أنه "في إطار النهوض بالصحة والسلامة المهنية داخل أماكن العمل والوقاية من المخاطر المهنية، قامت الوزارة بوضع برنامج عمل يرتكز على تأهيل الإطار القانوني المنظم للصحة والسلامة المهنية، وتعزيز وتطوير المراقبة في المجال ذاته، والنهوض بثقافة الوقاية من المخاطر المهنية، والنهوض بالحوار الاجتماعي في المجال". وأورد المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن "الوزارة تقوم بتنظيم حملات قطاعية للمراقبة، من أجل الوقوف على مدى احترام معايير الصحة والسلامة المهنية، كما تنظم سنويا أياما وطنية وجهوية حول الوقاية من المخاطر المهنية لفائدة الفرقاء الاجتماعيين والمقاولات والجمعيات المهنية والإدارات العمومية المعنية"، مضيفا أنه "تمّ إعداد تقرير متلق بتشخيص وضعية الصحة والسلامة المهنية في المغرب من لدن لجنة منبثقة عن مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر". وعن واقع الحال بالإقليم الذي يُشرف على تدبير قطاع الشغل فيه، أوضح إبراهيم وجعدان أن "المديرية الإقليمية تعمل على تنزيل استراتيجية الوزارة. وفي هذا الصدد، جرى توجيه 337 ملاحظة إلى الأجراء في مجال الصحة والسلامة، أغلبها في قطاع الأشغال العامة، وفي قطاع الصناعة بنسبة أقلّ"، مشيرا إلى أن "من بين ما تشتغل عليه المديرية تعزيز ثقافة الوقاية من المخاطر المهنية لدى المشغلين، عبر تنظيم التكوينات والورشات الكفيلة بتمكينهم من أنجع الطرق والوسائل لحماية العمّال من المخاطر المهنية".