على بعد أيام قليلة على انعقاد أشغال المجلس الوطني "الحاسم" لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي سيُحدِّدُ مصير الأمين العام المستقيل، إلياس العماري، أقر القيادي في "حزب الجرار" عبد اللطيف وهبي بأن "الحزب يعيش حالة من الانسداد منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي وضعته في المرتبة الثانية"، واصفا هذه الحالة ب"الغثيان"، بسبب "فقدان البوصلة". واعتبر وهبي، في هذا الحوار مع هسبريس، أن "أشغال المجلس الوطني ل 26 ماي ستكون نقطة مفصلية في تاريخ الحزب، وقال: "إذا اجتمع ذوو النوايا والإرادات الحسنة سنتجاوز هذه الأزمة وسننتخب أمينا عاما جديدا وسنخلق فرصة جديدة للحزب، إذ يجتمع الظرف السياسي والمعطيات السياسية كعنصر إيجابي من أجل أن يلعب دوراً أفضل في المستقبل". وكشف وهبي، باعتباره أحد أشد "المعارضين" للأمين العام الحالي ل"البام"، أن "إلياس العماري شخص عنيد ومشاكس، له القدرة على التحرك، لكنه في الوقت نفسه مسؤول ويعرف مصلحة الحزب ويَفْهَمُ الإشارات"، وزاد: "أنا متأكد أنه سيتخذ قرارات مؤلمة من أجل وحدة الحزب". وعن أداء الحكومة الحالية التي يقودها سعد الدين العثماني قال وهبي: "من اليوم الأول الذي جاء فيه العثماني وهذه الحكومة تقدّم مهازل في مهازل، وليس لها أيّ سند، لا من طرف الحزب الأول في الأغلبية، ولا من طرف باقي أحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي"، متوقعا "انهيارها حتى قبل انتخابات 2021". إليكم نص الحوار مرّت سنة على تنصيب حكومة "العثماني"، كيف تقرأ أداءها وحصيلتها؟ الحديث عن الحصيلة يجب أن يتِّم عبر مستويين؛ المستوى الأول اقتصادي، يتمثل في فشل الحكومة في تدبير عدد من الملفات. اليوم هناك ارتفاع في الأسعار، وفشل في الحوار الاجتماعي، كما أن هناك ردود فعل داخل وسائل التواصل الاجتماعي، بمعنى أن هناك عجزا اقتصاديا ونوعا من التملص من مجموعة من التزامات الحكومة التي ضمنتها في تصريحها الحكومي.. ليس هناك مشروع تنموي، والنتيجة وصلنا إليها، نحن في أزمة ونسير إلى أزمة أفظع. وعلى المستوى السياسي هناك غياب تام للحكومة.. العثماني بصفته رئيس الحكومة لا يُكلم الناس، في حين أنه مُلزم بأن يتحدث..لا يمكن لرئيس الحكومة ألا يعطي رأيه كلما وقع حدث كبير في المغرب. طبعاً السياسي يجب أن يفكر كثيرا، لكن يجب أن يتكلم. المشكل أنه لا الوزراء ولا رئيس الحكومة لهم القدرة على الحديث مع الناس، بسبب غياب التناسق داخل الأغلبية الحكومية.. كل له توجّهه ويصارع الآخر داخل الحكومة، لذلك هناك نوع من العواصف المستمرة داخل فنجانها، ما سيؤدي إلى عدم وجود أي خطاب سياسي يمكن أن يكون وسيلة للتواصل مع المجتمع، من أجل على الأقل فهم ما يجري داخل الحكومة. أما على المستوى المؤسساتي فهذه الحكومة قامت بتهميش المؤسسات الدستورية، خاصة البرلمان. الآن هناك مشاكل بين الفرق البرلمانية الأغلبية، ما هي إلا انعكاس للخلافات الداخلية..ثم إنهم يتعاملون مع البرلمان بنوع من الاستهزاء والتحقير..حينما يأتي قانون تجاري يهمُّ الرأسمال الوطني ويمرر بتلك السرعة فهذا يعني أن هؤلاء ليسوا جديين ولا يسيرون الشأن العام بشكل جدي. يشتكي عدد من المغاربة من ارتفاع الأسعار؟ كيف تتابع هذا النقاش؟ رد فعل المغاربة على غلاء الأسعار الذي هو واقع، وأمام الأزمة الإيرانية الأمريكية الخليجية التي كلما زادت كلما ارتفعت الأسعار، سيزيد الثقل على اقتصاد المغرب. في حقيقة الأمر ما أثارني هو رد الفعل الشعبي داخل مواقع التواصل الاجتماعي الذي يعبر عن نضج عال من قبل الشعب المغربي، ويعبر عن نوع من الحوار، لأن المواطن من حقه أن يرفض بضاعة معينة، وأن يعتبرها غالية الثمن، والحكومة تلعب دور الوسيط بين هذين الفصيلين، أي الرأسمال والمواطنين، فيما غيابها يزيد من الأزمة. هل تعتقد أن الحكومة الحالية ستستمر إلى غاية انتخابات 2021؟ لا أتمنى ذلك، لأن الحكومة التي يقودها العثماني عبَّرت عن فشلها لأكثر من مرة؛ أولاً من خلال الغضبة الملكية التي حمَّلتها المسؤولية عما وقع في الحسيمة؛ ثم نتيجة الدورة الاستثنائية للبرلمان التي كانت فاشلة بكل المقاييس، بالإضافة إلى "اللخبطة" التي دخلت فيها في إطار الصراع مع وسائل التواصل الاجتماعي، والآن أصبحت مرفوضة من طرف المجتمع ولا أعتقد أنها ستستمر إلى غاية انتخابات 2021.. لا تتوفر لا على خطاب ولا على نسق سياسي. من اليوم الأول الذي جاء فيه العثماني وهذه الحكومة تقدّم مهازل في مهازل وليس لها أيّ سند لا من طرف الحزب الأول في الأغلبية ولا من طرف باقي أحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، لذلك لا أعتقد أنها ستستمر، إلا إذ كانت استثناء من المجال السياسي العام. هل يعني هذا أن الحزب الذي يقود الحكومة انتهى كمشروع سياسي؟ لا لم ينته..هذا حزب وطني يعرف مخاضاً سياسياً داخلياً، لكنه لم ينته ولا أتمنى أن ينتهي لأنه يعبّر عن شريحة اجتماعية وسياسيةٍ في هذا البلد.. يجب أن يستمر وأن يبقى وأن تعطى له الفرصة وهو تحمل مسؤوليته السياسية داخل الحكومة ومن حقنا أن ننتقده، لكنه كمكون وكمشروع من حقه أن يبقى وأن يتم التعامل معه باحترام وأن تعطى له الفرصة مثله مثل باقي الأحزاب..وقد أعطيت له، فإما أن نكون ديمقراطيين ونقبل الآخر وإما أن نكون غير ديمقراطيين ونرفض الآخر..الآخر موجود لأننا ديمقراطيون..والآخر موجود لأننا قبلنا كلنا باللعبة الديمقراطية. قرّبنا من الوضع الداخلي لحزب الأصالة والمعاصرة؟ هناك حالة من "الغثيان" داخل الحزب، ونوع من الانفعال إلى درجة قصوى..فقدنا فهم مسارنا السياسي، ونعيش مشاكل يومية. أعضاء الحزب يتساءلون عن مصيره..هناك نقاش داخلي حاد في تقييم تجربتنا السياسية التي فشلنا فيها.. وجهت انتقادات للأمين العام المستقيل، لكننا الآن نسير في الطريق الصحيح، لأننا نعيد النظر في كل شيء، ولأن هناك حوارا داخليا منذ مدة، وأعتقد أن المجلس الوطني ل 26 ماي سيكون نقطة مفصلية في تاريخ هذا الحزب. وإذا اجتمع ذوو النوايا والإرادات الحسنة داخل الحزب سنتجاوز هذه الأزمة وسننتخب أمينا عاما جديدا وسنخلق فرصة جديدة للحزب، إذ يجتمع الظرف السياسي والمعطيات السياسية كعنصر إيجابي من أجل أن يلعب دورا أفضل في المستقبل. هل هذا يعني أن المشكل يكمن في الأمين العام إلياس العماري؟ أنا كنت دائماً أقول إن المشكل هو الأمين العام، لكن جزءا من هذا المشكل الكبير هو مسار هذا الحزب وطريقة التعامل بين القيادات والمنخرطين وكثير من النقاط الأخرى التي فتحنا فيها النقاش وسنعمل على تجاوزها.. المهم أن لنا الجرأة على فتح هذه المشاكل.. نريد أن نتجاوز هذه الأزمة بنوع من الأخوة، وسنغض الطرف..لن نقوم بمحاسبة أي كان لبناء المستقبل، بل سنحمي كل أصدقائنا.. لن نقبل أن يُمسَّ أي شخص داخل الحزب.. المهم أن نعترف بأخطائنا، وأنا أعتقد أن الأمين العام الحالي وأعضاء المكتب السياسي لهم من المسؤولية السياسية ومن الإحساس بدورهم التاريخي ما يعطيهم الجرأة والشجاعة لاتخاذ بعض القرارات "المؤلمة" من أجل إنقاذ الحزب في المستقبل. هل هناك اتصالات مع حزب الاستقلال في المعارضة؟ أولاً أنا أهنئ هذا الحزب، ويشرِّفني ليس أن يكون بجانبي، لأنه يحمل شرعية ووجودا تاريخيا قبلنا، ولكن أن أكون بجانبه، وأن أتعاون وأنسق معه، بناء على شرطين؛ الاحترام المتبادل واحترام استقلالية كل حزب على حدة، حينما نلتقي نلتقي، وحينما نختلف كل واحد يعبر عن رأيه. سنعمل من أجل التنسيق المشترك، لأن له تجربة ليست عندنا، ربَّما لنا إرادات وحضور أقوى في البرلمان من حيث العدد يجب تثمينه وتوظيفه أكثر. ونتمنى من حزب الاستقلال أن يتعاون معنا من أجل بناء معارضة قوية وللمساهمة في تقوية بعض القرارات الحكومية التي هي في صالح المواطنين وليس التي تؤدي إلى مقاطعتهم للعمل السياسي. إذا تشبث إلياس العماري بكرسي الأمانة العامة هل ستبقى في "البام"؟ على الأقل تجاه نفسي سأرحل..كلّمني كثير من أعضاء الحزب حول القرار الذي سيتخذونه؛ منهم من سيتخذ القرار نفسه، لكني أعرف إلياس العماري؛ شخص عنيد ومشاكس، له القدرة على التحرك، لكنه في الوقت نفسه مسؤول ويعرف مصلحة الحزب ويَفْهَمُ الإشارات، وأنا متأكد أنه سيتخذ قرارات مؤلمة من أجل الحزب..أنا أعْرِفُهُ منذ أكثر من ثلاثين سنة، انتقدت تدبيره للعمل الحزبي في يوم من الأيام، لكن لم أقلل الاحترام تجاهه أو طعنت في ذمته..أنا أعرفه، يتميز بذكاء خارقٍ وستكون له الجرأة على اتخاذ قرار تاريخي حتى تمرَّ أشغال المجلس الوطني بهدوء وحتى تبقى وحدة الحزب، وستكون خدمة كبيرة يقدمها للحزب مثل باقي الخدمات التي قدَّمها سابقاً. كيف تقرأ عزلة رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران؟ هذا الشخص لا يعزل أبداً، ولا يمكن عزله، بنكيران له قدرة على التواصل بالسّليقة، لم يدرس الإعلام ووسائل التواصل الصحفي ولكن له هذه الإمكانية..أنا أنتظره في 2020، سيعود بطلب من أعدائه، لأن هذه الحكومة لن تريد أن تخرج فاشلةً في الانتخابات المقبلة، وستحاول توظيفه. الآن دخل بنكيران في مخطط لإعادة بناء الحزب من الداخل، وبدأ يُهيمن على فصائل التنظيم الحزبي، وبالتالي في 2020 هل ستكون معركة معه؟ أم ستكون رسائل إيجابية معه؟..بنكيران سيعود سياسياً إلا إذا قرر ألا يعود..العنصر الوحيد الذي عند بنكيران هو إحساس وطني كبير، يهمه الاستقرار ويحترم كثيراً الملكية ويعبر عن ولائه لها، ولكن حينما يكون أمام الناس ويخطب يفقد السيطرة على لسانه..هو يتحدث بذكاء، وبالتالي ستكون معركة الأمين العام المقبل للحزب إذا دخلنا إلى الانتخابات قوية، لذلك فالذي سيأتي إلى "البام" يجب أن يعرف أنه سيكون في مواجهة مع بنكيران. برحيل إلياس العماري..هل يتحالف "البام" مع "البيجدي" في المستقبل؟ نحن حزبٌ يُمارس السياسة، وليس هناك مستحيلٌ في السياسة، الكل ممكن، المهم البرامج والتصورات، وبنكيران نفسه الذي يَرفضُ التحالف مع حزب الأصالة المعاصرة حيوانٌ سياسيٌّ، له فهمٌ خاص للمعطيات، وهو ليس شخصية جامدة. العثماني أكثر جموداً منه، وأكثر صلابة، عكْسَ بنكيران الذي هو سياسي منفتح ويقبل بالنقاش. العثماني فقيه، ويبدو أن بنخلدون من قال إذا دخل الفقيه السياسة أفسدته وأفسدها!