احتضنت قاعة احمد بلافريج بمقر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ندوة حول موضوع "دبلوماسية المجتمع المدني والفاعل الاقتصادي في مواجهة التحديات"، نظمها النادي الدبلوماسي المغربي بمناسبة الذكرى الثانية والستين لليوم الوطني للدبلوماسية المغربية. وشارك في هذا اللقاء الذي ألقى كلمته الافتتاحية وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، عدد من الدبلوماسيين المغاربة وسفراء الدول الأجنبية بالمغرب، رفقة أعضاء النادي الدبلوماسي المغربي، وسفراء مغاربة سابقين في مجموعة من الدول. وفي كلمة له خلال هذا اللقاء، ركز الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عبد الله بوصوف، على الدور الذي يمكن أن يلعبه مغاربة العالم في الدبلوماسية الثقافية والدينية للمملكة، بالنظر إلى المكانة التي أصبح يضطلع بها الفرد في العلاقات الدولية، "حتى أصبح تأثيره يتعدى في بعض الأحيان تأثير الدول والحكومات؛ لذلك لم يكن من الصدفة أن تمنح مجلة "تايمز" البريطانية العريقة لقب شخصية سنة 2006 إلى "الفرد"، لأنه أصبح وسيلة تأثير في العالم"، وفق تعبيره. وتطرق بوصوف في كلمته إلى أهمية التاريخ والمعرفة التاريخية في المجال الدبلوماسي، وقدم نماذج لشخصيات تاريخية مغربية طبعت علاقات المغرب بالخارج، وساهمت في نقل معارفه وثقافته إلى ما وراء حدوده الجغرافية والدفاع عن مصالحه، مثل السفير بنحدو محمد العطار الاسفي في بريطانيا، الذي استطاع تحرير مدينة طنجة من دون نقطة دم برسالة إلى ملك بريطانيا شارل الثاني، ومازالت بريطانيا تحتفظ بلوحة تشكيلية عنه وفق ما نقل عبد الهادي التازي؛ وكذا شخصية الشريف الإدريسي، الذي رسم خارطة العالم في بلاط ملوك النرمان في صقلية خدمة للإنسانية؛ وكذا ما نقلته رحلة ابن بطوطة عن المغاربة الذين استطاعوا التأثير في مجتمعات كثيرة عبر التصوف والعلم، وهي الأدوار التي يجب أن يلعبها الإنسان المغربي في الدبلوماسية الموازية كعنصر أمن ونماء للمجتمعات التي يقيم فيها. كما أكد الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج أن الفرد لا يمكنه التحرك بشكل منفرد ليحقق التأثير في المجتمع الذي يعيش فيه إلا إذا تم الاشتغال في مسار جماعي والتحرك بشكل مشترك وفق مرجعية موحدة وأهداف موحدة، وهو ما انتبهت له العديد من الدول التي جعلت من تعزيز الهوية الوطنية لجالياتها في الخارج، وربطها بثقافتها الأصلية وتعبئتها في إطارات قوية لتكون قوة ناعمة موازية سياساتها الخارجية، أساسا لدبلوماسيتها الموازية. وفي هذا الإطار استعرض بوصوف تجربة الهجرة الإيطالية في بداية القرن العشرين وسياسة ربط الإيطاليين بالخارج بهويتهم الإيطالية من خلال بعثات الأساتذة وعبر الكنائس وتقوية فكرة المواطنة الثقافية المتمحورة حول "الانتماء الإيطالي Italienneté"؛ بالإضافة إلى تجربة الجاليات اليونانية في الولاياتالمتحدة وارتباطها بالذاكرة للحفاظ على روابطها الثقافية مع وطنها الأم بالاعتماد على التكنولوجيات الحديثة؛ ثم تجربة الجاليات الهندية في الدفاع عن سياسة بلدها في الخارج، خصوصا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتعبئة التي خاضتها هذه الجاليات في إطار مجموعات الضغط لفرض اللغة الهندية كلغة رسمية في الأممالمتحدة. ودعا بوصوف إلى ضرورة تأطير الجالية المغربية بالخارج وتأهيلها ثقافيا ومعرفيا لتكون في مستوى خوض هذا الرهان، وتساعد في إشعاع الثقافة المغربية في الخارج وإيصال مظاهر التعدد والتنوع التي طبعت الثقافة والمجتمع المغربيين، وطرح صورة ناصعة تعطي إجابة شاملة على الإشكاليات التي يطرحها السياق الدولي الحالي. كما شدد الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج على ضرورة إنتاج سياسة عمومية واضحة في ما يتعلق بالجالية المغربية بالخارج وتنزيل المضامين الواردة في مختلف الخطابات الملكية في هذا السياق، وتطوير أداء الدبلوماسية المغربية الموجهة إلى مغاربة العالم وفق الفرص التي يتيحها التطور التكنولوجي، والعمل على إنشاء وكالة ثقافية مغربية في الخارج لتقديم التعدد الثقافي المغربي والنموذج الديني المغربي الذي أصبح مرجعا لعدد من الدول الإفريقية والأوروبية.