يُسمُّونه « عِلْمَ التّجهيل».. ونُسمّيه: «عِلْمَ التّكليخ».. هو أكبرُ سلاح تستخدمهُ حكوماتٌ مُتخلّفة، ومنها حكومتُنا، لتضليلِ الناس، وإبعادِهم عن المعرفة.. والمعرفةُ التي تُقيمُ الحكومةُ حولَها حواجز، هي: الحقائق التي هي تُخفيها وراءَ الأخبار المعلَنَة للعُموم.. وهذا الأسلوب ليس جديدا.. أَنتَجه، بصيغته الحالية، في تسعينات القرن الماضي، الباحثُ الأمريكي روبيرت بروكتور، وأسماه: علم الجهل Agnotolgy، وصارَ هذا يُدرَّس، بطريقةٍ علمية، لصناعةِ ونشرِ الجهل.. والأمرُ يتعلقُ بمعلومات لأجل التأثير على تفكير الجمهور، والحصول على نتائج يستفيد منها أصحاب المصالح! وهذا يعني نشرَ معلومات خاطئة، أو محرّفة، أو هي صحيحة ولكن في مجال آخر، أو مكان آخر.. أو ببساطة، لا تتوفرُ فيها مقوماتُ المعلومات والأخبارِ الحقيقية.. وفي هذا ما يُسميه البعضُ جريمةً ضدّ الإنسانية، وما يسميه آخرون خدمةً تستهدفُ الكشفَ عن أساس سياسي ونفسي واجتماعي، لنشرِ الجهلِ بين مواطنين.. وبسُرعة، تطوّرَ «علمُ الجهل»، وأصبحت له قواعد، وتفرُّعات.. وبدأت حكوماتٌ من مختلفِ أرجاء العالم، وخاصة منها ذاتُ التوجُّه اللاإنساني، أي التي تستغلُّ الدين والسياسة والجهل، لإحكام السيطرة على مواطنيها.. وعندها، انفتحت شهيةُ ما أصبح يُسمَّى بالإسلام السياسي عندنا، كما في دول أخرى، وصارت حكومتُنا تتعلمُ كيف تربطُ العشوائية بعلم الجهل الذي يسعى بعضُ مسؤولينا لنشره في التعليم والتربية والثقافة والإعلام والسياسة، لجعل الناس يستمرون في الهروب من الحاضر، مع تشويهِ سمعةِ المثقفين المتطلعين إلى العقل، والانفتاحِ على العالم، وعلى المستقبل المعرفي.. وصارت نُخبتُنا السياسية، هي الأخرى، تُفَبْرِكُ أحداثا، لإشغالِ اهتمامِ الرأي العام، وتوجيهِ المواطنين إلى تضليل اجتماعي يحظى بالأكثرية، لتكون الأقليةُ المثقفةُ وحدها، بعيدا عن أغلبيةٍ مُنقادةٍ بالعاطفةِ والجهل.. ومن يجهل، هو لا يعرف.. وهذا ما تُريده النخبُ الحزبية التي لا يهمُّها إلا الخلود على الكراسي.. وهذا أيضًا ما يُفسرُ تدميرَ التعليم في بلدنا، وتخريب البحث العلمي، وتهجير الكفاءات إلى ما وراءَ البحار.. سياسةٌ مُبرمَجة، مقصودة، لم يساهم في إعدادِها فقط مُتسيّسون، أو انتهازيون، أو شبكات المال والأعمال، بل أيضا «فُقهاء» في الصحافة والإعلام، و«مُثقفون»، وتوابعُ تمت زراعتُهم في بعض مراكز القرار، هنا وهناك، ومنهم نفسانيون، واجتماعيون، واقتصاديون، وتجار الدين، وكل من لا تهمُّهم إلا المصالح الذاتية.. ويتم الاسترشادُ بالتجارب الغربية في «علمِ التّجهيل»، على أساس مختبرات متحركة أقامتها هذه الدول المتطورة في بلدانٍ فقيرة.. ونحنُ أيضا ما زلنا نُشكلُ مختبرات اجتماعية لتغذيةِ مؤسسات «علم التّجهيل» بالمعلومات، في إطار «تبادل الخبراتِ والمعلومات» حول تأثيراتِ «سياسة التّجهيل» على مختلف شرائح بلادنا، في خضمّ السياسة التجهيلية لحكومتِنا التي يقودُها خبيرٌ نفساني بمعية ما يُسمَّى «الأغلبية الحكومية».. وهذه الكوكبةُ الحاكمة لا تَقبلُ إلا «سياسة الزيادات»: الزيادة في الضرائب، في الأسعار، البطالة، المرَض، اللاعلاج، اللاتعليم، اللاوعي، وغيرِ هذه من أوجاعِ الرأس... وهي مهتمة جدا بمزيد من المعرفة في «التّكليخ»، وما زالت تعتبرُنا مجردَ أكباش هي تقودها في أيّ اتجاه، وهي أيضا متأكدة أن كل الحِراكات والمسيراتِ، حتى وهي سلمية وذاتُ مطالب اجتماعية مشروعة، لن تجعلَها تُغيّرُ سياستَها اللاإنسانية.. وهي تتعمّدُ هذا، حتى وبلادُنا لها دستور ينصُّ على حقوق الإنسان، ولها التزامات أمام القانون الدولي، وهي أيضا التزاماتٌ حقوقية.. حكومتُنا تحسبُ أن حُلفاءَنا الغربيين لا تهمُّهم إلا مصالحُهم، ومن أجل مصالحهم سيخرقون معها كلَّ قوانينِها المحلية، وحتى القوانين الدولية.. هكذا تُفكر حكومتُنا.. وتعتقدُ أيضا أن ابتساماتِها لأوربا وأمريكا والصين وروسيا وغيرِها، سيجعلُها فوق كل القوانين الكونية.. وقد كان عليها أن تختار الطريقَ الصحيح، فتعملَ بجدّ ومنطقٍ ومسؤولية، وعدالة اجتماعية حقيقية.. وأن تشتغل في مشاريعِ الإنتاج الوطني، وفي اقتصاد المعرفة.. لكنها لا تريد.. ونحنُ من جانبِنا لا نُريدُها.. هي عندنا مرفوضة.. إنها أولُ واقعٍ في فخ «علم الجهل».. «حكومةُ التجهيل» تَجهل، أو تتجاهل، أن بلدَنا قد تَغيّر.. وهي على هواها، ما زالت تتصوّر أن ابتساماتِها ستَشفعُ لها في زراعة مُقرّبين بمراكز القرار، وفي تَعَمُّدِ «سياسةِ التكليخ» في بلاد لها تاريخ، وأمامها أُفُق.. إنَّ بلادَنا لها من يحكمُها.. أما «الفُلكلور التجهيلي»، فلا يُجدِي.. لا مع الداخل.. ولا مع الخارج.. ولا ينفعُ إلا الجدّ! [email protected]