الاحتفال بمولد الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ وإن لم يفعله كما يُرِْوَى، السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم، أو التابعين، أو تابعي التابعين، إلا أنني أراه – والله أعلم - كما ذهب إلى ذلك كثير من علماء الأمّة وجمهورهم؛ من السلوكات المستحسنة التي لا مسوغ لحض الناس على الامتناع عنها؛ أو "تبديعها" (جعلها بدعة)؛ واستنكارها من لدن من أُقْبَل عليها بحسن نية، وصفاء طوية، ونقاء سريرة، وبفرح وسرور وابتهاج؛ من أجل زرع محبته (صلى الله عليه وسلم)؛ في قلوب الناس أجمعين، وفي وجدان ناشئتنا وشبابنا المسلم؛ ولغاية طرد الحزن والتعاسة والهمّ والغمّ والكرب واليأس، من النفوس التي استولى عليها الألم والإحباط وضاق عليها العيش؛ لكن لا بد من استثمار هذه المناسبة الدينية المجيدة والمباركة؛ من أجل استحضار المغازي العميقة، والدروس البعيدة المدى؛ من خلال مقارنة أحوال العرب قبل مبعثه (صلى الله عليه وسلم)؛ وما تحقق بعد مجيء رسالته السماوية إثر تلقيه(صلى الله عليه وسلم)؛ الوحي من جبريل عليه السلام... بقد بعث الرسول الأمين محمد(صلى الله عليه وسلم)؛ للناس أجمعين؛ مصداقا لقوله عز وجل: (مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) ورسالته تتجاوز زمان الهبوط ومكانه، وهي صالحة لكل الأحياز والفضاءات مادامت السماوات والأرض لله رب العالمين، لقد أتى رحمة للناس كافة؛ ليخرجهم من قساوة الجهل؛ وظلمات التخلف الفكري والمذهبي، وسجن الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ؛ والفصيلة؛ ليشركهم في لواء توحيد الله الواحد الفرد الصمد...بعدما كانوا يشركون مع الله أصناما؛ بدعوى أنهم وجدوا آباءهم وأجدادهم لها عاكفين !!! إن العبر الكبرى؛ والسنن والآيات المُبِينَة والبالغة؛ من مبعثه عليه (صلى الله عليه وسلم)؛ يجب؛ والعرب والمسلمون؛ في شقاق ونفاق، ونزاعات من أجل الرياسة والحكم والنفوذ والزعامة؛ أن تدفعنا اليوم إلى مساءلة عقولنا وقلوبنا، وسلوكاتنا، هل نحن نسير على هديه المحمدي، وعلى محجته البيضاء؛ ليلها كنهارها؛ لا يزيغ عنها إلا هالك؟؟؟؟ هل نَسْتَنُّ بسنته، في كل حقائر الأمور وكبائرها؟ هل نتسامح مع من ظلمنا أو اعتدى علينا؟ هل نحتكم بمنهج الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حَلِّ نزاعاتنا واختلافاتنا؟ هل معيار الفرق والتفاضل بين المسلمين وغير المسلمين هو التقوى؟ إن عيد المولد النبوي الشريف؛ يجب في نظري أن يكون فرصة سانحة، ومرحلة حاسمة، ومنعطفا مصيريا؛ لتقويم الأهداف، والغايات، والمرامي الكبرى؛ التي من أجلها بُعِث محمد (صلى الله عليه وسلم) بالرسالة السماوية .. علينا أن نسقط المقاصد الكبرى للدعوة المحمّدية على أحوالنا اليوم؛ ونتساءل بموضوعية وتجرد، لماذا كانت الرسالة المحمدية السماوية ذات غايات بعيدة في الارتقاء بالإنسان، والفكر البشري، بلا حدود ولا لون ولا عرق ولا جنس؟ لماذا لازلنا نعاني التدهور والاضمحلال، والانحلال والضمور، على مستوى التنمية الداخلية والترتيب العالمي ؟؟ مع الأسف الشديد، لقد اختزل بعضنا – دون تعميم -؛ الاحتفال بمولده (صلى الله عليه وسلم)؛ في صنع مأكولات ومشروبات مناسباتية؛ وشراء لعب للأطفال؛ وإشعال الشموع، وإطلاق المفرقعات، والمزامير، والتهليل والتكبير والصلاة والسلام فقط! فقط! فقط! فهل سندرك أبعاد الاحتفاء بمولده (صلى الله عليه وسلم)، بهذه الأفعال فقط؟