أعتقد، بناء على ملاحظاتي الخاصة في مجال الأنتروبولوجيا وفي الموروث الديني الإسلامي واليهودي _والله أعلم_، أن النبي آدم عليه السلام يمكن أن يكون هو مؤسس الحضارة السومارية منذ قرابة 6000 سنة، أو قد يكون ولد قبل ظهورها بقليل. كما أعتقد أن النبي نوح عليه السلام عندما أنقذ قومه من الطوفان قد يكون هو صلة الوصل بين الحضارة السومرية باعتبارها أقدم الحضارات الإنسانية التي اختفت من الوجود أو انقرضت، والحضارات الإنسانية التالية؛ أي تلك التي ظهرت بعدها بقرون وعمرت في مناطق أخرى، كاليونان ومصر وشمال إفريقيا والصين وأمريكا الوسطى والجنوبية والشرق الأوسط، قبل أن تتطور الحياة أكثر في ما بعد لنعيش ما نعيشه اليوم من عصر حضاري جديد. لكن المميّز في الحضارة السومرية التي استوطنت في منطقة ما بين الرافدين (دجلة والفرات) المعروفة اليوم بتسمية العراق_وهي الحضارة الإنسانية الأولى أو المؤسسة كما قلنا_ هو أنها كانت سبّاقة لاختراع اللغة واختراع الكتابة (الحروف المسمارية)، واختراع تقنيات الري والزراعة واكتشاف الفضاء بكواكبه العشر؛ ناهيك عن مجموعة كبيرة أخرى من العلوم المنقولة التي فتحت الباب الأوسع لاستمرار حياة الإنسان العاقل في هذه الأرض وازدهارها وتوسّعها الجغرافي. وقد تحقق ذلك أيضا بفضل اختراع السفن، ومن ضمنها ربما السفينة الكبرى التي نقلت نوحا وقومه إلى عوالم أخرى أوسع وأرحب وأكثر تنوعا ونزوعا إلى السيادة بمنطق التوفيق بين المصلحة العامة للجنس البشري والمصالح الخاصة لبني آدم و نوح وإبراهيم عليهم السلام، ومن تلاهم من الأجيال المتعاقبة.. وحتى من منطلق الأدبيات الإسلامية عندنا يعتبر الدين المستنبط من القرآن الكريم ومن الدعوة المحمدية امتدادا للرسالة السماوية التوحيدية التي انطلقت منذ اختيار الله سبحانه وتعالى لآدم لحملها وتبليغها لعامة الناس. ولم تخرج تلك الدعوة المتجددة على يد الأنبياء من بعد آدم عن ميزة التوحيد والاستمرارية الموروثة من أصل واحد مكتوب يؤكده الخطاب الإلهي القرآني بعبارة "اللوح المحفوظ"، أي الكتاب الأول والأصلي، والذي جاء القرآن في ما بعد لينقل مضامينه ومغازيه لعامة الناس بلسان عربي... باختصار، عندما نحاول المقاربة بينما نعتقد وجوده في الدين وما نكتشفه وندركه في العلم سنجد أن المجالين لا يتناقضان، وإن كانا مختلفين في المبدأ، بل إن البحث في مواطن التلاقي بينهما قد يفضي إلى آفاق مدهشة، كما أنه قد يفضي إلى اصطدامات... ومع ذلك فلا مانع من المجازفة....