من دوار لشهب المحاذي للمحطة الحرارية التابعة للمكتب الوطني للكهرباء، أبت إلا أن تشارك وتصرخ في وقفة احتجاجية بالمحمدية "خنقتونا خنقتونا.. وبالغبار قتلتونا". تحملت هذه السيدة الستينية عناء التنقل من هناك إلى مركز المدينة، لتندد بدورها بانتشار الغبار الأسود والسموم المنبعثة من المصانع. الغبار الأسود.. دمار شامل لا حديث بمدينة الزهور سوى عن الغبار الأسود الذي بات يقض مضجع الساكنة، صغارا وكبارا. بالمقاهي والبيوت وبمواقع التواصل الاجتماعي، يحضر الغبار الصادر عن المحطة الحرارية، التابعة للمكتب الوطني للكهرباء، أكثر من باقي الملفات الاجتماعية والمشاكل التي تعرفها المحمدية. لم يجعل توقف شركة سامير لتكرير البترول بال ساكنة المدينة يهدأ؛ وقفات احتجاجية عدة هنا وهناك، لكن المسؤولين يضعون قطنا في آذانهم ويستمرون في تجاهل هذه الصرخات المدوية. تروي إحدى النساء بدوار لشهب الأكثر تضررا من الغازات السامة التي تنفثها هذه الشركات، وهي تتحدث إلى هسبريس، أن جميع أبناء الدوار مرضى ومصابون بالربو والحساسية، وغيرها، بسبب هذا الغبار، مضيفة أنهم يلجؤون إلى الدارالبيضاء للتداوي من هذه الأمراض. هذه السيدة الستينية، كما روت لهسبريس، لم تعد تفكر في شيء بعدما قضت سنين عمرها في الدوار وسط هذه الروائح السامة، غير مستقبل الأطفال والجيل الجديد الذي سينشأ في المنطقة وبالقرب من الغازات. معظم أسطح البنايات بالمحمدية باتت مطلية بالسواد؛ إذ تصل انبعاثات المحطة الحرارية التي تستعمل مادة "الشاربون" بدل "الفيول" إلى وسط المدينة، أما السيارات التي يتم ركنها أمام المنازل فتصير سوداء كل صباح. لا يقتصر الأمر فقط على مدينة المحمدية، بل يتجاوزها إلى الجماعات المجاورة كجماعة الشلالات؛ إذ يؤكد الفاعل الجمعوي مصطفى كوهيل، في تصريح لهسبريس، أن المنطقة "تعاني بشكل كبير من الأضرار الناتجة عن التلوث الذي تنثره مجموعة من الشركات على مستوى الجماعة، وبشكل خاص مدخلها باتجاه المحمدية وعين حرودة حيث توجد وحدتان صناعيتان تعتبران مصدرا رئيسيا له". وقال المتحدث إن "هذا الأمر تسبب في أمراض خطيرة؛ إذ لم يعد الأمر يتعلق بالربو والحساسية، بل تعدى ذلك إلى أمراض القلب والشرايين والسرطان". كمال لعزير، عضو الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، عبر عن أسفه لكون "المحمدية كانت في الماضي القريب تسمى مدينة الزهور وتمتاز بنخيلها وأزهارها المتنوعة، لكن سرعان ما اندثر كل ذلك وتلاشى هذا الاسم، وخصوصا عندما أصبحت قطبا صناعيا في محور البرنوصي-عين السبع، وباتت في نظر الجميع مجرد مدينة ترمز إلى الهلاك والدمار والموت المحقق". وأضاف: "عند دخولك المدينة تستقبلك سحابة سوداء عبارة عن خليط من الزئبق والرصاص وثاني أوكسيد الكاربون والعديد من المواد المسرطنة، سببها مختبرات الموت التي جعلت منا فئرانا لتجاربها"، وتساءل ما إن كان مسيرو الشأن المحلي قادرون على مقاضاة هذه الشركات القاتلة التي تبث سموما للساكنة. احترام صحة المواطنين في ظل هذه المعاناة التي تعيشها الساكنة، وبالرغم من كون البعض يطالب بتوقف المحطة الحرارية، إلا أن المحامي والناشط السياسي سهيل ماهر لا يتفق مع هذا التصور، ويؤكد، في المقابل، على ضرورة احترام المواثيق الدولية الخاصة بالبيئة. سهيل قال في تصريح لهسبريس: "نحن لسنا ضد عمل المحطة، ولكن يجب أن يتم احترام دفتر التحملات واحترام شروط السلامة والحفاظ على صحة المواطنين". وأشار عضو المكتب السياسي لحزب البيئة والتنمية المستدامة إلى أنه "وجب إيجاد بديل لهذا الوضع حفاظا على صحة المواطنين، خصوصا وأن الساكنة تعاني الكثير من الأمراض المزمنة، منها الحساسية". ويطالب النشطاء بالمدينة بتفعيل الميثاق الوطني والدولي للتنمية المستدامة لحماية محيطهم البيئي من التلوث الهوائي، ومن الغبار الأسود المنبعث من كبريات الشركات المتواجدة بالمدينة وضواحيها. ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد عمل المواطنون على مراسلة جميع الجهات المعنية من أجل وقف إنشاء محطة كيماوية جديدة بميناء المحمدية، تنضاف إلى الشركات الأخرى، التي لا محالة ستؤثر على صحة الساكنة وتساهم في تدهور المجال البيئي، بحسبهم. الشموع عوض الغبار الأسود بينما تعبر الجمعيات بالمدينة عن تخوفها الكبير من هذا التلوث، خاصة الغبار الأسود، فإن البعض الآخر يعتبر أن الأمر يلزمه فقط تطوير القوانين الخاصة بالمجال لتتلاءم مع ما هو دولي حفاظا على البيئة، وبالتالي على صحة المواطن. مصدر من داخل شركة سامير لتكرير البترول، تحدث لهسبريس، اعتبر أن هذا الغبار سيظل بالمدينة طالما أن المحطة الحرارية للكهرباء تعتمد على "الشاربون" وليس "الفيول"، كما كان في وقت سابق قبيل توقف شركة سامير عن العمل. وأوضح المتحدث نفسه أن الاعتماد على "الشاربون" بدل "الفيول" يأتي لكون شركة "سامير التي كانت تزود المحطة الحرارية عن طريق أنبوب يربطها بها بمادة الفيول تعيش حاليا فترة عطالة، وبالتالي فإن المكتب يلجأ إلى مادة الشاربون عبر شاحنات تقوم بنقله يوميا". وشدد مصدر الجريدة، الذي رفض ذكر اسمه، على أن الجمعيات التي تحتج وتطالب بتوقيف ذلك "دخلت في معركة خاطئة، على اعتبار أن توقف المكتب عن استعمال مادة الشاربون سيؤدي لا محالة إلى ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء في حال ما لجأ إلى استعمال مادة الفيول بالنظر إلى تكلفته المالية في ظل الأزمة المالية التي يتخبط فيها المكتب". وقال مصدرنا: "المطالبون بتوقف المحطة الحرارية، الذين تحرك بعضهم لوبيات العقار الطامحة إلى بيع منتوجها، مخطئون، لأن ذلك يعني أن المدينة ستبقى بدون إنارة. وإذا كانوا مستعدين للعيش بإنارة الشموع، فإن المكتب سيوقف ذلك".