هذه توقعات الأرصاد الجوية اليوم الأحد بالمغرب    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم..فضاء للتعايش والتسامح
نشر في هسبريس يوم 03 - 10 - 2017

هناك رؤى فسيحة وبدائل مختلفة لتقسيم جديد للعالم، بدلا من "دار كفر" ودار إسلام، فهناك من قال بإمكانية تقسيم العالم إلى دار عدل ودار جور، فأينما تمكن المسلم وغيره من إقامة الشعائر الدينية، وحرية الاعتقاد والرأي، سواء في الدول الإسلامية أو الدول الغربية فهي دار عدل، وأينما حورب المسلم وغيره من الحرية الدينية، سواء في الدول الإسلامية أو الدول الغربية، فهي دار جور.
وإلى جانب هذا هناك من قسم العالم إلى دار خوف ودار أمن، وتعليقا على ما سبق يقول ابن بيه: "... لكن لا يمكن أن تعطي العدل والجور متغيران، وبالتالي لو قلت دار عدل أو دار جور، هذه دار عدل قد تصبح دار جور ودار الجور قد تصبح دار عدل، نقول حاكم عادل وحاكم جائر، حكومة عادلة حكومة جائرة، أحزاب عادلة أحزاب جائرة، دعنا نصف السكان ولا نصف المكان ونترك علاقة الإنسان بالمكان هي علاقة مفتوحة، أي أنه إذا وجد عدلا واستطاع أن يظهر دينه، فلماذا الاستناد إلى التقسيم القديم؟ ونرجع إلى مسألة الأمان هل المسلم آمن أو ليس آمنا، هل هو قادر على إظهار دينه أو غير قادر؟ هل الأحكام الشرعية مطبقة أم لا؟ ...و أفضل ما قاله الكاساني بأنها الدار التي توفر الأمان، مع أنني لا أتفق معه في قسمة الأمان والخوف، الأمن للمسلم والخوف لغيره فلا ضرورة، إذا وفرت الأمن للجميع فهذا هو المطلوب وبالتالي فقد بنى دار الإسلام على الأمن، بينما بناها بعض الشافعية كالنووي والماوردي على أن يكون المسلم فيها قادرا على إظهار دينه، وإن كان بيتا واحدا يقدر أهله على إظهار الدين، فلا يجوز لأهل البيت الهجرة، لأن وجودهم وجود لدار إسلام"[1].
وقد ذهب الأستاذ مالك بن نبي إلى طرح ما سماه "دار الشهود"[2] بدلا عن الدار التي يسكنها غير المسلمين و التي اصطُلح عليها قديما ب "دار الحرب" انطلاقا من دور المسلم في الحياة الذي جاء في قوله تعالى "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"[3].
فالشهادة في ظاهرها هي الإخبار عن أمر وقع العلم به لإقامة حق يتوقف عليه ذلك الإخبار ، وهو ما يقوم على أربعة عناصر أساسية: العلم الذي هو أساس الشهادة، والبيان والإظهار لذلك العلم، ثم تبليغ ذلك العلم بحيث يصير واصلاً إلى الآخرين على الوجه المقنع، ثم العدل في كل ذلك حتى تكون الشهادة مفضية إلى نفع المشهود عليهم. تلك هي الشهادة على الناس التي يقوم عليها التحضر الإسلامي تأسيساً في مبادئ الدين ، وتطبيقاً في السيرة العملية للحضارة الإسلامية. إنها شهادة تنطلق من تصور عقدي للإنسان الذي خلق للنعمة ، وكرم تكريماً ، وحمل الأمانة تعظيماً ، وبناء على ذلك فإن التحضر الإسلامي يشهد على الناس بشهادة العلم بحقائق الدين والكون والناس، ثم شهادة على الناس بتبليغ تلك الحقائق تبليغ إنقاذ وإصلاح ونشر للخير ، شهادة عدل في الموقع الوسطي بين المتطرفات في الأفكار والسلوك ، ليكون ذلك الموقع مثوبة لمن ترهق فطرته مسالك التطرف، وشهادة عدل في الحكم بين الناس بالتعامل المتساوي معهم، وبرد جائرهم عن مظلومهم، ونصرة المستضعفين والمقهورين. هذه هي شهادة التحضر الإسلامي على الناس، وهي شهادة لا يضيرها خروقات الأفراد والحالات الجزئية المعزولة إذا ما ظلت قائمة في عمومها زمن التحضر"[4]، و هذا الفهم للشهود الحضاري لا يمكن تصور القيام به في ظل تقسيم العالم إلى دار إسلام أو دار حرب.
وقد طرح المعهد العالمي للفكر الإسلامي بأمريكا في مشروع العلاقات الدولية في الإسلام مصطلح دار الإسلام حكماً وحقيقة ودار الإسلام حكماً لا حقيقة، ودار الحرب وأشار إلى أن دار الإسلام حقيقة هي ما أشار إليه الفقهاء قديما ، وأما دار الإسلام حكما لا حقيقة فهي البلاد التي يعيش فيها المسلمون ويمارسون شعائر دينهم و لا يقع عليهم ظلم أو عدوان بسبب دينهم و يتمتعون بكافة الحقوق التي يتمتع بها غيرهم من سكان تلك البلاد، لكن الحكم السائد فيها ليس حكما إسلاميا ، أما دار الحرب فهي التي بينها و بين المسلمين حربا معلنة، وتمارس العمليات الحربية ضدهم ، كما أن تأثير هذه الحرب لا يمتد إلى غير المحاربين من أهل تلك الدولة و إنما يقتصر على من يمارس العمليات الحربية[5] .
كما نجد الدكتور طه جابر العلواني في طرحه للرؤى الجديدة للتقسيم، قد تبنى تقسيم الرازي للدار حيث قسمها إلى دار دعوة ودار إجابة فقال: " كان الإمام فخر الدين الرازي موفقا غاية التوفيق حين استند إلى ما نقله الشاشي، وبنى عليه توجهه إلى تقديم بديل ممتاز عن تقسيم المعمورة ، حيث قسم الأرض كلها إلى دار دعوة بدلا من "دار حرب"، ودار إجابة بدلا من دار الإسلام، كما قسم الناس إلى صنفين : أمة الدعوة وهم غير المسلمين وأمة الإجابة وهم المسلمون"[6]. ويؤكد عبد الله بن بيه هذا الطرح، انطلاقا من الرسالة النبوية التي هي رسالة شاملة كاملة للعالم كله، " فمعمورة العالم هي إما أن تكون من أمة الإجابة وإما أن تكون من أمة الدعوة، وكل أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على اختلاف في من استجاب لهذه الدعوة ومن لم يستجب لها، ثم إن هناك أحاديث تؤيد هذا فيما يتعلق بالهجرة في حديث فديك، وفديك هذا رجل أسلم ولكن قومه قالوا له: "دن بما شئت وابق معنا"، فلما توفرت له الحرية الدينية بقي مع قومه حتى وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وفد إليه في سنة ست قال: يا رسول الله يقال إن المهاجر.. قال النبي صلى الله عليه وسلم "يا فديك أقم الصلاة وآت الزكاة واهجر السوء واسكن من أرض قومك حيث شئت"[7]، لاحظ أنه قال من أرض قومك، ولم يقل من دار قومك، فالدار هي لغة تقال للأرض التي يسكنها الناس، تقال للمنزل، تقال للمسكن، لكن الفقهاء أخذوها كمصطلح، فهو اختيار فقهي"[8]، إلا أن هذا التقسيم غير دقيق ولا يعبر عن مستوى الدولة أو القانون الدولي والجغرافية السياسية، كما يقول عمر عبيد حسنة: لوجود أقليات مسلمة في مجتمعات غير مسلمة من أمة الدعوة هي من أمة الإجابة، فكيف يمتد إليهم سلطان الدولة المسلمة جغرافيا"[9]، كما أنه إذا سلمنا بمصطلح دار الدعوة، فهل هذا يصدق على الدول التي تجاهر بعدائها للإسلام وأهله، وتحاربه سرا وعلانية، أم تتحول إلى "دار حرب"، ثم إن هذا المصطلح عام وواسع وغير منضبط ، وبتعبير آخر ليس بجامع مانع"[10]، كما لا يكفي الاعتماد على تقسيم الرازي للمعمورة إلى دار إسلام ودار دعوة،لأن مفهوم دار العهد هو الذي يضع الأساس القانوني لعلاقات سلمية يمكن أن تمارس من خلالها الدعوة وغيرها من المصالح كالعلم والتجارة والعمل ...[11]
وتبقى المراجعات التي خرج بها مؤتمر قمة السلام (ماردين.. دار السلام)[12]، الذي درس أهم أسس العلاقات بين المسلمين وغيرهم في الإنسانية، وهي تصنيف الديار في التصور الإسلامي و ما يرتبط به من المفاهيم في تأصيل التعايش السلمي والتعاون على الخير والعدل مع الجميع، كالهجرة والمواطنة والولاء والبراء... حيث هدف المؤتمر في المقام الأول إلى إيجاد وصف جديد للعلاقات بين دول العالم، يتوافق مع المستجدات العالمية، بدل التقسيمات الفقهية الواردة في التراث الفقهي، سمي هذا الوصف بفضاء التسامح، أو فضاء سلام، فقلما نجد دولة لا يعيش فيها المسلمون ويتمتعون فيها بحقوق المواطنة، وقد استثني من هذا الوصف الكيانات الغاصبة التي تخوض حروبا ضد المسلمين، كالكيان الصهيوني، يقول ابن بيه في هذا الشأن: "هذه الرؤية نحن سميناها فضاء تسامح، المجلس الأوروبي كان سباقا عندما قال: دار متعددة الأعراق والديانات، يعني لا يوجد مكان اليوم في العالم خالصا للمسلمين فقط أو لليهود فقط أو للنصارى فقط... ففضاء التسامح الذي اقترحناه بدلا من الدار، حتى لا نصادم اللفظ الذي اعتاده الفقهاء، قلنا يوجد فضاء تسامح، وهو عبارة عن فضاء تحترم فيه الحقوق والحريات، ولا يعتدى فيه على الإنسان، فهذا إذا تم في أي مكان فهو فضاء تسامح، وإن لم يتم وكان العدوان هو القائم، فشرعة الأمم المتحدة التي يشرعها إنسانية، تقول إنها ضد العدوان وضد الاعتداء، أما الشريعة الإسلامية فإنها تقدم التدابير العملية لمواجهة العدوان، فالمسلمون عليهم أن يظلوا متمسكين بشريعتهم، وأن يروا أن شريعتهم لا تناقض المواثيق الدولية التي جاءت لمصالح الإنسان"[13].
ومن هنا لم يعد هناك مجال لتطبيق فتاوى تعود إلى القرون الوسطى ، التي تدعو إلى العنف المتشدد، وتقسيم العالم إلى دار إسلام و"دار كفر"، ومن هذه الفتاوى فتوى الفقيه بن تيمية، الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي ، تدعو إلى القتال التي يستند إليها اليوم بعض الإسلاميين المتشددين لتبرير قتل المسلمين وغير المسلمين. و عليه فمن أخذ بمثل هذه الفتاوى، فقد ضل في التفسير ، ولهذا ينبغي إبراز ما يرجى تحقيقه من الفهم الصحيح للتراث الفقهي، وذلك بدعوة علماء الدين إلى إجراء بحوث عميقة لتفسير سياق الفتاوى القديمة على القضايا العامة، التي طالها الخلل على مستوى التأويل والتعليل والتنزيل، يقول عبد الله بن بيه: " ... كيف أولوا كلمة الدار التي وردت في الحديث ولم يسموها أرضا أو بلدا؟ هذا التأويل قد يكون صالحا في ذلك الزمان، وهو صالح وجهد الفقهاء مقدر، ويجب ألا يفهم من هذا أننا نقلل من أهمية التراث الكبير الذي قدمه الفقهاء في ذلك الوقت، والذي أصلوا به لتقسيم المعمورة، ولكن هناك أشياء تحتاج إلى أن نؤولها من جديد، التعليل هل هو معلل بالظهور والغلبة أم معلل بالأمان؟ نحن نميل إلى أن التعليل بالأمان، الذي ذكره الكاساني في "بدائع الصنائع"، أنه التعليل الأول وبالتالي هناك خلل في التعليل، هناك خلل في التنزيل، أي عندما تريد تنزيل هذه النصوص على واقعك فإن عليك أن تعرف تضاريس هذا الواقع، فلم يكن أحد يظن أن مسجدا يبنى في روما بالقرب من الفاتيكان، هذا واقع جديد، لم يكن أحد يظن أن عشرين مليونا من المسلمين تكون في أوروبا الغربية، هذا واقع جديد... علينا أن نراجع النصوص، وأن نحقق حتى النصوص الموجودة التي فيها خلل، كما جاء في فتوى ابن تيمية، "يقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه"[14] بدل يعامل، بينما جاء في كتاب"الآداب الشرعية"[15] لتلميذه ابن مفلح، يعامل بدل يقاتل نقلا عن شيخه. إذاً علينا أن نراجع هذه النصوص وأن نتعامل معها من جديد، وأن نحققها وأن نقدم رؤيتنا للعالم...فالجهاد سببه العدوان، فإذا وقع العدوان يرد عليه بالمقاومة المشروعة، هذا أمر لا يمكن لأحد أن يغفله، وحتى وصف الدار لن يؤثر على هذا، لكن تصف كل دار أنها غير معصومة، كما قال نيكسون في كتابه "الفرصة السانحة" قال: المسلمون يرون وجود دارين فقط دار إسلام "ودار حرب"، ودار الإسلام يجب أن تتغلب على "دار الحرب". هذا الانطباع الذي أعطيناه للآخر، الذي شجعنا به الآخر أن يحاربنا، هو انطباع غير صحيح، يجب علينا أن نقدم الإسلام الذي يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم"[16].
إن الرأي الذي يرجحه الفقه المعاصر أن اجتهادات الفقهاء القديمة في تقسيم العالم قد ولى زمنه، ويجب على الفقهاء المعاصرين التوجه صوب واقع العلاقات الدولية المعاصرة والاجتهاد في توضيح الممنوع والجائز فيها مما يحقق مصالح العباد، ولذلك "إن واجب فقه العصر أن ييمم وجهه شطر تلك العلة نفسها: المصلحة الراجحة للمسلمين ويقيم بناء اجتهاده في العلاقات الدولية على أساسها. ولا يجوز أن يبقى الفقه المعاصر أسيرا لاجتهاد قديم لم يعد محققا للغاية، التي استهدفها أصحابه، ولم تعد الأسباب التي سوغته قائمة...وفي تقديرنا أن العالم كله الآن دار واحدة هي دار عهد وموادعة. وأن أحكام الإسلام تنطبق على المسلمين أينما كانوا، سواء أكانوا في دار يغلب الإسلام على أهلها أم كانوا أقلية أو أفرادا في دار غالبية أهلها غير مسلمين. ولا يجوز لأحد أن يقبل أو يعمل بالفتوى التي تذهب إلى انحسار بعض أحكام الإسلام العملية على الأفراد، ماداموا يعيشون في دار لا يغلب عليها الإسلام. لأن هذا القول هدم للدين كله بتسويغ إهمال بعضه...ولا يجوز لأحد أن يستحل أموال غير المسلمين في دارهم بزعم أنها "دار حرب". ومن كان هذا رأيه فلا يحل له العيش فيها لأن ما أدى إلى الحرام حرام"[17].
الهوامش:
1- الفقهاء وتقسيم العالم،عبد الله بن بيه، قناة الجزيرة، برنامج: الشريعة والحياة، 13/04/2010، http://www.aljazera.net، بتصرف.
2 - في مهب المعركة، مالك بن نبي، في مهب المعركة، مالك بن نبي، دار الفكر ، المطبعة العلمية، دمشق، سوريا، 2002م، ص 137.
3 - سورة البقرة، الآية 143
4 - فقه التحضر الإسلامي، عبد المجيد النجار، دار الغرب الإسلامي ، السلسلة: الشهود الحضاري للأمة الإسلامية، ط.2، 2006م، ص24.
5 - ينظر: مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، إشراف نادية مصطفى، وشارك فيه عدد من الباحثين.
6 - التفسير الكبير،أبو بكر الرازي، طهران ، دار الكتب العلمية، ط2، بدون تاريخ، ج8، ص 179.
ينظر أيضا : في فقه الأقليات المسلمة، طه جابر العلواني، مرجع سابق، 43، 44، وكتابه مقاصد الشريعة، بيروت، دار الهادي، ط1، 2001م، ص 56-57.
7 - رواه البخاري في التاريخ الكبير، باب فديك رقم 612، ج7، ص 135، ورواه ابن حبان، كتاب السير، باب الهجرة، رقم: 4861، ج11، ص 202، والبيهقي، كتاب السير، باب الرخصة في الإقامة بدار الشرك، ج9، ص 17، الطبراني في المعجم الأوسط، رقم 2297، ج3، ص6.
8 - الفقهاء وتقسيم العالم، عبد الله بن بيه، قناة الجزيرة،برنامج الشريعة والحياة، 13-04-2010http://www.aljazera.net
9- الاجتهاد للتجديد سبيل الوراثة الحضارية، عمر عبيد حسنة، المكتب الإسلامي، بيروت، ط.1، 2002م، ص 62.
10 - فقه الأقليات المسلمة، خالد عبد القادر، دار الإيمان، طرابلس، الشرق، ط.1، 1998م، ص 118.
11 - حقوق المواطنة، حقوق غير المسلم في المجتمع الإسلامي، راشد الغنوشي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط2، 1993م، ص 21.
12 - مؤتمر ماردين ، عقد يومي 27-28 مارس 2010 ، بماردين بتركيا، برعاية المركز العالمي للتجديد والترشيد بلندن، وبالتعاون مع كانوبوس للاستشارات بلندن، وجامعة ماردين، وبمشاركة ثلة من علماء الأمة الإسلامية من مختلف التخصصات والبلدان، موقع بن بيه، http://www.binbayyah.net.
13 - نفسه، مؤتمر ماردين، http://www.binbayyah.net.
14 - يقول بن بيه : يقاتل فيها خطورة كبيرة جدا، أثرت في بداية السبعينات، خاصة في بعض الكتابات التي تتحدث عن الدار، ككتابات محمد خير هيكل الذي يتحدث عن الدار ويقول: إن دور الإسلام الآن هي كلها كفر وليست دور إسلام...ففتوى ابن تيمية تم إسقاطاتها ماديا على التاريخ المعاصر، فترجمت كلمة" يقاتل" إلى الإنجليزية والفرنسيةcombat، فأثرت على الكتاب، كالكاتب البلجيكي المسلم يحيى ميشو، ناهيك عن بعض الشباب الذين يقرؤونها ويصرون قتال الآخر، إن الصياغة والسياق لا يقتضيان القتال، إنما يقاتل هذه هي يعامل، فالقتال ليس فيه درجات ، ثم إن السياق يدل على وجود مصانعة ومعايشة بين الطرفين. عبد الله بن بيه، الفقهاء وتقسيم العالم، مرجع سابق.
15 - ينظر الآداب الشرعية ،ابن مفلح المقدسي، الطبعة الثالثة، مؤسسة الرسالة، 1999م، ص 213.
16 - الفقهاء وتقسيم العالم، عبد الله بن بيه، قناة الجزيرة، مرجع سابق، بتصرف.
17- الفقه الإسلامي في طريق التجديد، محمد سليم العوا، سلسلة شرفات 22، منشورات الزمن، المغرب، 2008، ص 301-302 .
*رئيس المنتدى الأوربي للوسطية ببلجيكا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.