"هذه مدينة لا تكتفي بقتلك يوماً بعد الآخر, بل تقتل أيضا أحلامك" أحلام مستغانمي لا أعرف تحديدا، ماذا كان سيغني المطرب المغربي نعمان لحلو عن مدينة تشبه سيدي سليمان، فلقد "تغزل" بشفشاون، وتافيلالت، ربما كان سيغني على المدينة "القديمة" سيدي سليمان، منشدا بحزن :"يا المدينة يا المقصية، يا المدينة يا المهمشة"، وغيرها من الكلمات المناسبة لمدينة تتنفس بصعوبة تحت الفوضى، وعلى ذكر الغناء، لا زال سكان مدينة سيدي سليمان يعتزون بأغنية تعود للموسيقار عبد الوهاب الدكالي، ورد فيها ذكر مدينتهم أيام كانت تتوفر على أكبر معمل للسكر قبل سنوات قليلة، أما اليوم فقد ذهب السكر ولم يبق إلا "القالب" الذي تفنن رؤساء المجالس البلدية المتعاقبة في إبداع أشكال متعددة منه، ليجد السليمانيون أنفسهم أمام "قوالب" بدون سكر مع نهاية كل ولاية، وهكذا ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه سكان المدينة تنظيف "الحفرة" -كما يحب أن يهجوها أبناؤها- من مسؤولين يجثمون على أنفاسها، ويستنزفون خيراتها "زنكة زنكة"، تفتقت عبقرية المجلس البلدي الحالي عن فكرة تفويت قطاع النظافة لشركة خاصة، في زمن أثبتت فيه تجربة تفويت قطاعات حيوية لشركات خاصة فشلها الذريع في مدن كبرى، كما قرر المجلس إنشاء مقبرة جديدة في الطريق المؤدي إلى القاعدة الجوية الخامسة، طريق القنيطرة..وعلق احد الظرفاء على هذا " الإنجاز" المهم قائلا :"إنهم يريدون إقبار ملفات فشلهم في تسيير الشأن المحلي خارج المدينة". سيدي سليمان، مدينة تشبه "لقرع فينما ضربتيه تيسيل دمه"، واعذروني، إن أثقلت عليكم بالكتابة للمرة الرابعة عن "سلايمن سيتي" ، ذلك لأنني كلما قررت الكتابة عن موضوع آخر يقف "رجال البلاد" أو "مالين المكان"، في وجهي ملحين علي بأن أوفي مدينة الطفولة حقها في زمن الحديث عن مرحلة جديدة ودستور جديد ونفس جديد، لتكون هي الأخرى مدينة جديدة، عوض أن يطويها النسيان الذي عانت منه –و ما تزال- لسنوات طويلة. أعرف بأن الكتابة عن بعض المدن الصغيرة يجلب الحساسية المزمنة لبعض الجهات التي يزعجها "الحكان على الضبرة"، التي تتمنى أن "تنساها"الصحافة، وتتحدث عن هيفاء وهبي وعن نانسي عجرم، يعني بالعربية تاعرابت يقول كل من في كرشه العجينة في قرارة نفسه:"الخلعة طلقي مني"، ذلك لأن فضح تجاوزات بعض المسؤولين في الأمن والصحة والتعليم والعمران عادة ما يزعج بعض الذين اعتادوا اقتراف "جرائم قتل" في حق مدينة وديعة بمسدسات كاتمة للصوت. تتوفر المدينة على العديد من المؤهلات غير أنها تعاني من وضع اقتصادي متردي نظرا لافتقارها لمؤسسات اقتصادية من معامل ومصانع ووحدات إنتاجية موازية، الشيء الذي دفع الشباب إلى البحث عن الخلاص من الفقر والبؤس الذي يعيشونه، كما أن الدواوير التابعة للإقليم تعيش عزلة تامة بسبب انعدام المسالك الطرقية التي تتسم بوعورتها لدرجة تصبح غير صالحة للاستعمال في فصل الشتاء، كما يوجد بتراب الإقليم مؤسسة صحية واحدة وبضع مستوصفات يشرف عليها عدد قليل من الممرضين وعدد أقل من الأطباء وتفتح أبوابها لساعات قليلة في ظل غياب أبسط مستلزمات التطبيب الضرورية. ويشهد هذا المستشفى المحلي اكتظاظا شديدا بسبب الإقبال الكبير للمواطنين الذين يتوافدون من البوادي المجاورة والتي تبعد بمسافات طويلة، وكذلك بفعل الخصاص الحاد في الكفاءات البشرية والأدوية ورغم توفر هذا المستشفى على قاعة للولادة فمازالت نسبة كبيرة من النساء الحوامل يضعن مواليدهن أحيانا بالطرق، تفاديا للانتظار الذي يطول بقاعات المستشفى دون جدوى. من جانب آخر تعرف المدينة انتشار البناء العشوائي، الشيء الذي تسبب في وجود أحياء سكنية بأزقة ضيقة تنعدم بها شروط السكن حيث تنتشر العديد من النقط السوداء التي تعرف تراكم الأزبال والنفايات. ولكي لا أُتهم لوحدي، برسم صورة "كافكاوية" لمدينة كانت تسمى إلى وقت قريب باريس الصغرى، أسوق إليكم، فيما يلي، مقاطع من مقال منشور بأحد المواقع الإلكترونية، للزميل خالد أوباعمر، أحد أبناء المدينة، جاء فيه:"إقليمسيدي سليمان، من الأقاليم الجديدة التي أخذ منها الفساد أكثر مما أخذته التنمية "، مشيرا بغير قليل من المرارة "إلى أن مراجعة بسيطة لأرصدة المسؤولين الأمنيين، الذين تحملوا المسؤولية الأمنية على صعيد الإقليم، وأرصدة ذويهم وممتلكاتهم العقارية والهدايا الثمينة التي تؤثث فضاءات بيوتهم، فيلة بإعطاء الأجوبة الشافية والكافية عن درجة الفساد والاستغلال في ممارسة الواجب الوطني على صعيد الإقليم"، ويتابع وأحس بان " الغدايد" تعتصر قلبه :"مدينة سيدي سليمان مثلا، أصبحت من المدن، المباح فيها استهلاك الحشيش أمام الملأ بمقاهي ليلية دون حسيب أو رقيب، والسبب في كل ذلك، علاقات المصالح التي تصل إلى حد التسيب والعبث بالصحة العامة للمواطنين". ويمضي قائلا :"معرفة حجم الفساد ودرجة التقصير في أداء الواجب الوطني بالمجال الأمني بإقليمسيدي سليمان، لايستدعي مجهودا كبيرا من طرف لجان البحث، فنفس المدينة يستطيع فيها تجار الخمور بكل أشكالها وأنواعها، بيعها أناء الليل والنهار، وبعلم أصحاب الواجب الوطني، ومع ذلك، يترك للعابثين بسلامة وأمن وصحة المواطنين، الوقت الكافي للاغتناء قبل اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة"، مضيفا بأنه :"في إقليمسيدي سليمان، رجل الأمن الذي يفترض فيه بحكم الأمانة التي أنيطت به مسؤولية حملها، أن يكون قدوة للمواطن في احترام النظام العام والأخلاق العامة، تجده في أحيان كثيرة موضوع تجاوزات أخلاقية وقانونية مؤسفة". أعتقد بأن كل أبناء المدينة يرددون نفس الكلام، لأن ما يقع بمدينتهم، يعتبر معاكسا لإرادتهم، ورغبتهم القوية في التنمية والخروج من سيطرة الأعيان والمفسدين ومسؤولين أمنيين دون المستوى، أوصلوا المدينة إلى مدينة –كما تقول الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي- "لاتكتفي بقتلك يوماً بعد الآخر, بل تقتل أيضا أحلامك"، باختصار شديد، تحولت إلى مدينة ينطبق عليها عنوان الفيلم المغربي مع تحوير بسيط "الملائكة لا تحلق فوق سيدي سليمان".