الشاب جدوان اسم لا يخفى على المغاربة، كيف لا وهو الذي أطربهم في سنوات الثمانينات والتسعينات ، بصوته الشجي وموهبته المتميزة، سيطر على الساحة الغنائية طويلا، وأصبح رائد الاغنية الشعبية بامتياز. قراره بالاعتزال الفني في قمة عطاءاته وتوجهه للاهتمام بالقرآن الكريم حفظا وترتيلا، أثار الكثير من الآراء والملاحظات المختلفة. التقيناه في مهرجان الامام الهبطي للقرآن الكريم بالعرائش، حيث ذكر الجمهور المغربي بصوته الرخيم عبر ترتيله لآيات من القرآن الكريم وأدائه لمواويل دينية، انتهزنا المناسبة لمحاورته التي رحب بها بتواضعه المعهود منه، وارتأينا نشره على حلقات عبر موقع هسبريس في شهر رمضان. الحلقة الاولى: كيف اعتزل الشاب جدوان؟ الغناء في حياة جدوان كان حرفة أم رسالة؟ الغناء في البداية كان موهبة رفقة الاخوان وفي أيام الدراسة. وابتداء من سنة 1989 دخلت عالم الاحتراف، فأخذنا نسافر وننظم العديد من السهرات، وبحكم انني كنت لا أشتغل عملا آخر يمكن اعتبار هذا احترافا ورسالة في نفس الوقت. كيف ذلك؟ لماذا رسالة، لأنني كنت لا أصدر الكثير من الالبومات عكس فرق موسيقية عديدة كانت تصدر ألبومات في السنة. كنا نبحث في المجموعة عن جودة المضمون قبل أن نبحث عن نوعية الشكل. فغالبا كنا نعد حوالي 20 أغنية لكي نصدر في الالبوم 7 أو 8 أغاني ونختار الاجود منها. كنا نبحث عن أغاني مكن أن تستمع إليها في وسطك العائلي، وهذا في حد ذاته رسالة. حتى بعد الاعتزال، كان العديد من الناس يتصلون بي ويتساءلون لماذا اعتزلت، أغانيك لا تحتوي على كلمات بذيئة وساقطة أو تخدش الحياء العام وصالحة للاستماع إليها في الوسط العائلي. وللإشارة وعلى سبيل الذكر أخ خطيب مشهور بمدينة الرباط استمع إلى ألبوماتي وأغاني وهو لا يعرف أنني اعتزلت، بعد علمه بذلك التقيته فقال لي بأن 75% من أغانيك يمكنك غناءها الآن، وهذه شهادة خطيب وعالم وواعظ أفتى في الاغاني من وجهة شرعية، فأجبته مازحا "واش كتحلل لي الاغاني" فرد علي قائلا "أغانيك على حساب ما سمعت نقية". قلت آنذاك الحمد لله على هذا، لم تكن كلماتي تخدش الحيا. حتى لو ندمت فهي ليست بأغاني فاحشة، وهذا هو المهم. وهذه النصيحة تلقيتها من السي عبد الرحمان الراشدي عندما سألته عن لجنة الكلمات داخل الاذاعة الوطنية التي أصبحت عضوا فيها آنذاك فأجابني "لجنة الكلمات هي أنت وأمك وأبوك وإخوانك وولدك وعائلتك، هادشي كامل هو لجنة الكلمات". كنت عضوا في مكتب حقوق التأليف منذ 1983، ونتفحص الاغاني داخل لجنة الكلمات بل أن تمر إلى مكتب حقوق التأليف. يمكن أن تكون بعض الأغاني "للسادات والاولياء" لكن هي على العموم أغاني نقية. كيف جاء اعتزال الغناء؟ هاته القصة حكيتها مرارا في بعص الحوارات الصحفية والجلسات الدينية وبعض المهرجانات القرآنية التي حضرتها، بداية أنا رغم كوني أمارس الغناء فإنني ولله الحمد لم أدخن يوما سيجارة أو أشرب مسكرا، ومواظب على أداء صلواتي، ومنذ 1989 لم تنقطع السهرات ومنذ بلوغي 33 سنة وأنا أواظب على ختم القرآن الكريم. يتنهد ويكمل. هناك آية أتوقف عندها مرارا للتمحيص فيها، وهي الآية 13 من سورة الاحقاف: ووصينا الانسان بوالديه حسنا حملته امه كرها وحمله وفصاله ثُلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل عملا صالحا رضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين. أولئك الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. هذه الآية عندما كنت أقرأها تغرورق عيناي بالدموع، وكنت أتوقف في لحظات للتأمل في معانيها. كنت أدعو الله كثيرا أن يطبقها علي في سن الاربعين. وسن الاربعين له دلالة عظيمة، فهو في سيرة الانبياء والعظماء رمز للكهولة والنضج والمسؤولية الفكرية والفضيلة والتوازن الروحي والذاتي، الحمد لله فعند وصولي لسن الاربعين، وفقني الله لأداء مراسم الحج وهذه كانت نقطة القطيعة خصوصا أنني كنت قد التزمت مع نفسي صادقا بالتوقف عن الغناء في حال أدائي لمناسك الحج، فتم ذلك بحمد الله، وقد كنت قد بشرت برؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل السفر للحج. كنت أحس بنفسي صادقا في الدعاء وملحا عليه، كما جاء في الحديث "إن الله يحب العبد الملحاح"، إذا كنت ملحا في الدعاء سيستجيب لك الله سبحانه وتعالى. يتبع في الحلقة الثالثة جدوان بعد الاعتزال