بعد التكهنات والأقاويل، ها هو خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، يحل ضيفاً كبيراً على المغرب، في عطلته السنوية مثلما اعتاد. وما من شك أن الظروف الحرجة التي تعيشها المنطقة تجعل من أي خطوة إيجابية مهما كانت عادية مثار فرح وتوقف؛ ذلك أن المفرح في عالمنا غدا هو الأقل، وكأن الأصل في أزمان خلت أصبح الاستثناء أيامنا هذه. إن العلاقات المغربية السعودية تتجاوز المصالح الاعتيادية بين الدول إلى مقام الأخوة و"وحدة المصير" على مر العقود الماضية، مثلما عبر عن ذلك مرات عدة مسؤولو البلدين. برهنت على ذلك الأحداث والتحولات الكبرى في المنطقة؛ فدائماً نرى العدو الذي يستهدف المملكتين واحدا، وحلفاءهما من طراز واحد؛ كما أنهما معاً مهمومين بوضع محيطهما العربي والاسلامي، وصون رسالة الاسلام من التشويه، إن كان على مستوى الداخل الإسلامي أو خارجه. حتى الألقاب الرمزية تغرف من معين واحد، فهذا خادم الحرمين الشريفين، وذاك أمير المؤمنين. وبين الأمثلة على ذلك، وهي كثيرة، أن المد الشيوعي والناصري والإسلاموي، كلها حينما أرادت الاستحواذ على المشهد، كل على طريقته، كان استهدافها القاسي للنظام السياسي في كلا البلدين على وتيرة واحدة، وإن بصيغ مختلفة؛ فبينما تعرضت المملكة المغربية لمحاولتي انقلاب، هددت بصلافة رأس الكيان، كانت السعودية هي الأخرى تعرضت لامتحان عسير في ما عرف يومئذ بثورة الضباط الأحرار، والخلايا النائمة التي استهدفت النظام. ومعروفة أيضاً محاولات القذافي المستميتة في اغتيال الملك السعودي الراحل عبدالله، واستثماره الكبير في البوليساريو، مهدداً بذلك وحدة المغرب واستقراره. ولما جاء عصر الإرهاب، وجدت الدولتان نفسيهما بعد أحداث 11 سبتمبر في حالة حرب مفتوحة مع الإرهاب، لم تنقطع حتى اليوم. مفردات العلاقة برزت بألوان شتى، انسانياً واجتماعياً ودينيا وسياسياً، وبالتضحيات والشهداء، لذلك دائماً ينتاب المغاربة وكذلك السعوديين شعور مر كلما أحسوا بأن تلك العلاقة تتعرض للتجريح، حتى وإن كان بأبسط الأشياء.. شعور وصفه أحدهم بإحساس الأبناء حين يظهر الخلاف بين الوالدين إلى السطح. المؤمل والحال كذلك أن تُصان تلك العلاقة الخاصة مما يزري بنظيراتها العربية، إن لم يكن حفاظاً على المصالح، فعلى الأقل، مراعاة لأبناء البلدين، الذين ألفوا البلدين أخوين؛ يساعد في ذلك بعد المسافة بينهما، فلا يحل أحدهما على الآخر إلا ضيفاً، وللضيف مقامه وحقه؛ ناهيك عن الروابط الدينية والتاريخية والثقافية الشجية. مرحباً بالملك سلمان، بين أهله وإخوته. *كاتب صحافي