في صور كتابه الفوتوغرافي الصادر عن مركز الطبع بعمالة مالقا الإسبانية منذ سنوات، نطل على الكثير من الإيحاءات والأفكار والتصورات في ترابطها الإنساني وتكويناتها التاريخية.. هكذا انطلق الفنان الإسباني الراحل فرانسيسكو غارسيا كورطيس بعدسته نحو عوالم التصوير سنة 1939، عندما بدأ تقديم خدماته إلى كل الراغبين في أخذ صورة شخصية أو عائلية بشمال المغرب الذي جاءه لأداء خدمته العسكرية، ليصبح في ما بعد المصور الأكثر شهرة لأجوائه وفضاءاته. ..أعماله تنبني على اللونين الأبيض والأسود اللذين جعل منهما حدائق ضوئية غنية بالتعابير الجمالية والمساحات البصرية، من خلال إبرازه للخصوصيات الثقافية والاجتماعية لبعض مدن الشمال، عاملا على تأريخ حياتها اليومية وأوضاعها الإنسانية.. وكذا أحداثها، عبر رؤى إبداعاته التي افتتح بإيقاعاتها أبواب تأملاته، محيلا إياها على ينابيع من الصور. فليس غريبا أن تكون المشاهد الحياتية لكورطيس الذي اشتغل مراسلا لجريدة "يوميات إفريقيا" ووكالة "إيفي" ومجلة "أفريكا ديبورتيفا"، رحلة مختلفة وشهادة حية على مراحل من تاريخ مدن: تطوان، شفشاون والعرائش، خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، بل الأكثر من ذلك صارت تلك المدن وأمكنتها أفقه المشرع على أهم محطاته ومنعطفاته الفوتوغرافية، والتي حظيت بمعظم إنتاجاته الفنية؛ فمن خلال تصوراته وعمق إحساسه بخصوصياتها، استطاع الفنان محاكاة تمظهراتها، متكئا في ذلك أيضا على جماليات الحارات والأزقة والأقواس وعناوينها الأندلسية.. وأجواء أخرى متنوعة، تُعرّف بالفضاءات وتركيباتها الهندسية، في تعامله مع الألوان الغامقة والرمادية بوعي عميق يوحي بأبعاد دلالاتها..إضافة إلى تركيزه الواضح على ملامح الوجوه التي يرسمها بعدسته، لما تحمله من أسئلة وعادات وتقاليد، ظلت راسخة في وجدان هذا الفوتوغرافي؛ فضلا عن أعمال تؤرخ لنماذج متعددة من العوالم الخضراء.. هكذا تظهر إبداعات الفنان كورطيس، الحاملة لكل هذه التركيبات، عبر أعمال ستظل تعمل على ربطنا بمميزات الماضي وتمظهراته الجمالية، الطافحة بالثراء والتّنوع وصيرورة الذاكرة.