بالرغم من أن قناة "MBC" كانت سباقة لبث مسلسل "الملك فاروق" خلال شهر رمضان، إلا أنني تمتعت أكثر بمشاهدة هذا العمل التأريخي عبر قناتي "الحكايات ART" و"النيل الدراما" خاصة الندوات التي بثتها القناة المصرية، بالرغم من أن مقص الرقيب ظل مستيقظا يبثر ما يشاء من مكالمات المتدخلين، الذين أشاد أحدهم بحركية الإنتاج الفكري والثقافي في العهد الملكي. "" المهم، التحفة التي أتحفنا بها المخرج العربي "حاتم علي" والممثل "تيم الحسن"، وقبلهما الكاتبة "لميس جابر"، وباقي صناع العمل من صناع ديكور ومصممي أزياء ومنفذي الموسيقى التصويرية للمسلسل، أعادتنا إلى زمن جميل وذهبي من تاريخ أمتنا العربية، بالرغم مما صاحب هذا الزمن من انكسارات أبرزها تضييع فلسطين، ووجود أغلب الأقطار العربية تحت حكم الاستعمار. فشاهدنا كيف كانت الأمور تدبر في ظل حكومات "الطرابيش" المصرية بديموقراطية وشفافية، وكيف كانت الانتخابات تقود الحزب الفائز إلى سدة الحكم، وكيف كان الملك وهو ملك، وليس كرئيس مثلما هو الآن يقف عاجزا أمام رؤساء الوزراء مثل "النحاس باشا"، و"علي ماهر" وغيرهم.. ولا يستطيع تفويت قرار إلا بموافقتهم ... رأينا كيف ينقهر الملك فاروق من مناكفة رؤساء الوزراء خاصة إذا كانوا من طينة "النحاس باشا" دون أن يسترجل على انتهاك حرمة الدستور.. رأينا كيف يتعرض رؤساء الوزراء مثل التلاميذ للمساءلة أمام نواب البرلمان يشرحون سياساتهم، ويفسرون مواقفهم، فإذا أصابوا في عملية إقناعهم، خرجوا منتصرين محمولين على أكتاف النواب، وإن عجزوا فتحت أمامهم أبواب المساءلة القضائية، وطردوا من مسؤولية الحكم... رأينا في مسلسل "الملك فاروق" كيف كانت الصحافة تتابع كل صغيرة وكبيرة تخص الملك وحاشيته، ورئيس الحكومة ووزراءه، دون أن تصدر فتوى من الأزهر تطالب بجلد الصحافيين على غرار "الزناة" ومرتكبي المعاصي على غرار فتوى سيد طنطاوي الأخيرة. خلاصة القول أن مصر أخطأت موعدها مع التاريخ بفعل انقلاب أو ثورة الضباط الأحرار، ومن الأكيد أن "المملكة المصرية" كانت ستكون أحسن حال لو ظلت وفية لنظامها الملكي، وبالتالي كان من المؤكد أن تتحسن الديموقراطية وممارستها مع توالي الزمن على غرار ما شهدته باقي دول العالم، وكان من المنطقي أن تتراجع بعض الممارسات الشاذة التي سجلت على النظام الملكي من قبيل تحكم "الباشوات والبكاوات" في رقاب الشعب المصري خاصة الفلاحين منه، وكان من الطبيعي أن تفتح الجامعات والمعاهد المدنية والحربية في وجه فقراء وبسطاء الشعب المصري، خاصة وأن هذا الأمر قد بدأ مع حكم الملك فاروق كما جاء على لسان "النحاس باشا" في إحدى حلقات المسلسل. من هنا فليس من العدل أن نحاكم فترة حكم "الملك فاروق" بأعين هذا العصر وموازينه، ولنأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي حصلت منذ أربعينيات القرن الماضي وإلى العشرية الأولى من الألفية الثالثة، وبالتغييرات التي حصلت في أرقى الديموقراطيات في العالم، ونتذكر أن العبودية مثلا كنظام لم يختفي من الولاياتالمتحدةالأمريكية إلا في ستينيات القرن الماضي أي بعد ما يقارب 15 سنة من الإنقلاب الذي أطاح بالديموقراطية المصرية. وأمام التغييرات التي تعرفها "جمهورية" مصر العربية حاليا، ومحاولات توريث جمال مبارك الحكم في حالة رحيل والده حسني مبارك وريث مدرسة الضباط الأحرار التي أطاحت بالشرعية المصرية ممثلة في العرش، نتساءل، هل تعود الملكية من النافذة بعد أن طردت من الباب؟ وإذا كان المصريون يرحبون بعودة الملكية، فلما لا يتم إعادة الاعتبار للمؤسسة الملكية الشرعية؟ خاصة وأن الملك فؤاد الثاني ابن الملك فاروق الأول ما زال على قيد الحياة حيث يعيش حاليا في باريس، والذي سبق له أن حكم مصر وهو تحت الوصاية لصغر سنه، لكن "الضباط الاحرار" أخلفوا وعدهم. فهل تعود أسرة محمد علي باشا إلى الحكم، على غرار عودة أسرة "ذي بوربون" إلى الحكم في إسبانيا العام 1975، عندما عين الجنرال فرانسيسكو فرانكو الأمير خوان كارلوس وليا للعهد. لكن هل مصر تتوفر حاليا على شخصية في حجم الجنرال فرانكو؟ في الأخير، لا بد من التذكير، بأنه وبالرغم من الظلم الذي أصاب الملك فاروق والذي أعاد له مسلسل المخرج حاتم علي والممثل تيم الحسن جزءا مهما من بريقه، إلا أن هذا المسلسل لم يدفع الكثيرين إلى التحامل على الزعيم العربي جمال عبد الناصر الذي ما زال حيا في وجدان المواطنين العرب باعتباره بطلا قوميا. عن يومية الراية القطرية المصطفى العسري [email protected]