صدر التقرير الأخير للتنمية الإنسانية العربية لسنة 2016 عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، تحت عنوان "الشباب وآفاق التنمية الإنسانية في واقع متغير". ويأتي صدور هذا التقرير بعد مرور خمس سنوات على إحداث الربيع العربي، وهي فترة شهدت جدلا واسعا حول ما حدث من تحولات، وخصوصا حول علاقة الشباب بها؛ فقد اعتبر بعضهم دور الشباب في عمليات التحول بارقة أمل لنهضة جديدة تقود المنطقة العربية نحو مستقبل افضل، بينما اعتبره آخرون تمردا يجر المنطقة الى فوضى تعرض مستقبلها للخطر. وانطلاقا من دراسة التحديات والفرص التي تواجه الشباب في المنطقة العربية منذ سنة 2011، حاول التقرير إعطاء لمحة عامة عن الشباب في المنطقة بناء على معطيات دقيقة حول كتلة الشباب داخل البناء السكاني في البلدان العربية، وتطلعاتهم ووضعهم وكذا الأدوار التي من شأنهم الاضطلاع بها بالنسبة إلى مستقبل التنمية في المنطقة. ويشير التقرير إلى أن الشباب العربي، في وقتنا الحالي، يعتبر أكثر تعليما ودينامية وارتباطا بالعالم الخارجي؛ وهو ما ينعكس على مستوى وعيهم بواقعهم وتطلعاتهم إلى مستقبل افضل، إلا أن وعي الشباب بقدراتهم وحقوقهم يصطدم بواقع يهمشهم ويحرمهم من قنوات لتصريف آرائهم وإبداء وجهات نظرهم، والمشاركة الفاعلة في بناء السياسات العمومية؛ وهو ما قد يتسبب في دفعهم إلى التحول من طاقة هائلة للبناء إلى قوة كاسحة للهدم. ويبرز التقرير معطى مهما يتمثل في كون أن جيل الشباب العربي الحالي يمثل أكبر كتلة شبابية تشهدها المنطقة على مدى السنوات الخمسين الماضية، إذ إنهم يشكلون 30 في المائة من سكانها الذين يبلغ عددهم 370 مليون نسمة؛ وهو عامل مهم بإمكانه في حالة استغلاله بشكل جيد من قبل البلدان العربية أن يمكنها من تحقيق طفرة حقيقية ومكاسب كبيرة في مجالي التنمية وتعزيز الاستقرار، وتأمين هذه المكاسب على نحو مستدام في حالة استثمار الدول العربية في شبابها وتشجيعهم على الانخراط في عمليات التنمية. وسيساعد ذلك في تمكين الشباب من المساهمة والمشاركة في التنمية، وإيلاء الاهتمام بمشاكلهم وطموحاتهم، كأولوية حاسمة وملحة في حد ذاتها، وكشرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة. وقد أبانت أحداث الربيع العربي لسنة 2011 والحراك الاجتماعي الذي تلاها عن قدرة الشباب على المبادرة بالفعل وعلى تحفيز التغيير، وأظهرت وعيهم بما تطرحه الأوضاع العامة القائمة من تحديات خطيرة للتنمية وقدرتهم على التعبير عن عدم رضا المجتمعات العربية ككل عنها والمطالبة بتغييرها. كما أظهرت تلك الأحداث أن هناك تغييرا مجتمعيا تقوده فئات عمرية شابة، مع حضور مكثف بشكل غير مسبوق للعنصر النسوي، غير مقتنعة بنتائج الإصلاحات السياسية ولا حتى بكفاءة الفاعلين السياسيين. كما كشفت الأحداث عن عمق التهميش الذي يعاني منه الشباب، وعن عدم امتلاكهم لأدوات التغيير السياسي المنظم التي يمكنها ضمان سلمية التغيير واستدامته. كما أثبتت هذه الأحداث، حسب التقرير، أن حصر الاستجابة لمطالب التغيير بالتعامل الأمني دون التصدي لمعالجة أسبابها يحقق استقرارا مؤقتا يؤجل دورات الاحتجاج؛ لكنه لا يقلل من إمكانية تكرارها، بل قد يؤدي إلى تراكمها لتعود إلى الظهور بأشكال وطرق أكثر عنفا وتطرفا؛ فالأرقام الواردة في التقرير تدق ناقوس الخطر حول طبيعة التحديات التي قد تواجهها الدول العربية. لقد أدت الأزمة السياسية إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، كما أن تحويلات المهاجرين تقلصت بشكل كبير جراء الأزمة الاقتصادية في العالم الغربي، بالإضافة إلى أن السياحة ما زالت متأثرة بالوضع الأمني في الدول العربية. كل ذلك في ظل مطالب ملحة من قبل الشباب بالشغل وبمزيد من حرية الراي والدمقراطية. وبناء على ما جاء في التقرير، فإن العرب، وإن كانوا لا يشكلون سوى 5 في المائة من سكان العالم؛ إلا أنهم يشكلون نسبة 45 في المائة من العدد الإجمالي للإرهابيين، و68 في المائة من ضحايا الحروب، و47 في المائة من النازحين داخليا، و58 في المائة من عدد اللاجئين عبر العالم. كما يشير التقرير إلى أن إجمالي الشباب العربي الذين تتراوح أعمارهم ما بين (15 و29 سنة) يتجاوز 105 ملايين شخص، 30 في المائة منهم يعانون البطالة أي ضعف المعدل العالمي. كما أن نصف الشابات العربيات الباحثات عن العمل لا يتوفقن في الظفر بمنصب شغل، أي بنسبة أربعة أضعاف المعدل العالمي. أكثر من ذلك، ففي أفق سنة 2020، فإن واحدا من أربعة من العرب سيجد نفسه مقيما في بلد أكثر هشاشة أمنيا، وأكثر عرضة للحروب. كل ذلك في ظل تطوير الأنظمة العربية الحاكمة لآليات للمقاومة الشديدة للحق في الاختلاف، ومن ثمة عدم الانتباه إلى أسبابه، وكذا في ظل سيطرة فئة قليلة من هذه المجتمعات على أغلب المقدرات الاقتصادية لبلدانها، في حين تعاني الأغلبية العظمى من شعوبها الفقر والجهل والبطالة وانسداد آفاق مستقبلية؛ وهو ما يدفع الشباب إلى الإحساس بكونهم سجناء ومحاصرين في أوطانهم، وبأنهم يعانون الإقصاء والتمييز، مما يؤدي إلى ضعف إحساسهم بالانتماء إلى أوطانهم، وضعف التزامهم بإمكانية الحفاظ على مؤسسات الدولة وممتلكاتها. لذلك، يضيف التقرير، بأن الشباب العربي في ظل عدم الإحساس بالمواطنة يتماهون بشكل أكبر مع الدين أو مع طوائفهم أو قبائلهم. لذلك، تتساءل جريدة لوفيغارو الفرنسية، ومعها هذا التقرير، إن كنا أمام "موجة جديدة من الثورات العربية!"، والتي ستكون أقوى وأعنف من الموجة الأولى؛ لأن آمال الناس قد أحبطت، وأصيبوا بخيبة أمل. كما أن المتطرفين يمكنهم الاستفادة من الوضع، ولما لا استغلال سخط الأغلبية. فالدول العربية تعيش على فوهة بركان قد ينفجر في أية لحظة؛ فدروس الربيع العربي لسنة 2011 لم يتم استيعابها من قبل الأنظمة السياسية الحاكمة في المنطقة، فالتغيير قادم ومطلوب بشدة من قبل الشباب، ويمكنهم إحراق كل شيء لتحقيقه، خصوصا في ظل قناعتهم بأن آليات المشاركة والمسؤولية الموجودة حاليا غير ذات جدوى.