يستغل الموريتانيون العشر الأواخر من شهر رمضان لتدارك ما فاتهم من فضل التعبد والتفرغ لقيام الليل والعمل الصالح في شهر التوبة والغفران، ويحرصون على إحياء هذه الليالي التي تعدّ من أفضل عشر ليال للعبادة والتقرب إلى الله، اتباعا لسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام. وتحظى الدروس الدينية التي يقيمها الشيوخ والعلماء في المساجد والمنازل بإقبال كبير من لدن الموريتانيين، وخاصة الشباب الذين يتنقلون بين المساجد والدور التي تستضيف العلماء للالتقاء بهم والاستفادة من علمهم والاستفسار منهم عن مسائل الدين. وتحرص النساء في العشر الأواخر على إعداد موائد الإفطار للفقراء والمحتاجين ودعوة الأهل والأقارب للفوز بأجر صلة الرحم والاجتماع في العشر الأواخر. ولا تكتمل فرحة الموريتانيين بهذه الليالي المباركة دون استقبال الضيوف، وخاصة المهاجرين الذين يأتون لتمضية ما تبقى من أيام الشهر الفضيل في أجواء عائلية خالصة. وتشكل ليلة السابع والعشرين مناسبة لإحياء العديد من الطقوس والعادات المرتبطة أساسا بمساعدة المحتاجين والتصدق وصلة الرحم وتقديم الهدايا للأقارب المحتاجين لمساعدتهم في تغطية تكاليف العيد. وينتظر الفقراء والمحتاجون بفراغ الصبر الأيام الأخيرة من رمضان للفوز بالعطايا والهبات التي تقدم بكثرة في هذه الأيام، حيث يتم إطلاق حملات التبرع ودعم الصائمين من قبل الجمعيات الخيرية والهيئات الدولية والسفارات الأجنبية. ومع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية في موريتانيا، أطلقت الجمعيات الخيرية والشبابية حملات ضخمة لمساعدة المعوزين والمحتاجين على أداء فريضة الصوم، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني "أزمة عطش" حادة. ويقول سيدي ولد أحمدو، الناشط في إحدى حملات، إن الهدف منها هو مساعدة المحتاجين وتقديم ما يحتاجون إليها من ماء وطعام، خاصة في المناطق النائية التي لا يصلها الدعم الحكومي والدولي الذي تقدمه السفارات الخليجية. ويضيف المتحدث أن الحملات التطوعية أسهمت إلى حد كبير في إرواء عطش الصائمين في فصل الصيف، بتوزيع كميات من الألبان والعصائر إضافة إلى تزويد بعض التجمعات القروية بصهاريج المياه. ويشير سيدي ولد أحمدو إلى أن إقبال الشباب على الأعمال الخيرية يتضاعف في رمضان، وخاصة في العشر الأواخر، حيث تبدي غالبيتهم استعدادها للعمل التطوعي ومساعدة الفقراء بدل تنظيم مباريات كرة القدم والاستمتاع بالتفحيط بالسيارات خارج المدينة لتزجية الوقت، خاصة أن يوم الصيام طويل نسبيا في موريتانيا. وتحظى المدارس الدينية التي يطرق عليها الموريتانيون "المحاظر" بدعم رسمي وشعبي كبير في شهر رمضان المبارك، حيث تخصص العوائل جزءا من مساعداتها لهذه المدارس التي تخرج حاملي القرآن الكريم والأئمة والدعاة. كما تقدم الدولة مساعدات عينية ومالية للأئمة وطلاب "المحظرة الدينية"، اعترافا منها بأهمية هذه "المحاظر" وقدرتها على تربية النشء وتحصين فكر الشباب من التطرف والانحراف والممارسات الضارة والشاذة وتمكينهم من ولوج الحياة النشطة من أوسع الأبواب.