نغمات يتعالى إيقاعها، دردشة ونقاش يحتدم، أو حتى تشخيص مشهد فني مسرحي، الأمر لا يتعلق بأحد المسارح أو المعارض أو دور الثقافة، بل هي المقاهي الثقافية والأدبية التي باتت ذائعة الصيت بالمغرب، لتصير نافذة تنفتح على عوالم الإبداع الفني والأدبي، وفضاء لمد جسور التواصل بين المبدعين وبين جماهيرهم. وتعود تجربة المقاهي الثقافية والأدبية بالمغرب إلى سنوات الثمانينيات، إلا أنها شهدت انتشارا واسعا مع توالي مبادرات من مثقفين وأدباء للمّ شمل النخبة الثقافية، واطلاع الجمهور حتى من لا يملك منهم دربة القراءة والأدب على جديد الإصدارات الفنية والأدبية. ويرى يونس، أحد رواد المقاهي الأدبية، أن هذه الأخيرة تشكل فرصة بالنسبة إلى الشباب للاحتكاك بذوي الخبرة والتجربة الفنية والثقافية، كما أنها لا تتقيد بزمن أو برمجة، ناهيك عن إخراج العمل أو العرض الفني من ردهات الفضاءات التقليدية المغلقة التي لم يعد الجمهور متحمسا للإقبال عليها. وأضاف أن تنظيمها بالتزامن مع شهر رمضان يضاعف الإقبال على المقاهي، لتصير محجا لفئات واسعة من المجتمع؛ وهو ما قد يسهم في خلق نواة ثقافية وفنية وفتح نقاش أدبي على غرار النقاشات السياسية والرياضية، إذا ما أخذ بعين الاعتبار شيوع ثقافة المقاهي بالمجتمع المغربي. وأكدت مريم، الطالبة والعضو بإحدى الفرق المسرحية الشابة، أن البادرة تمثل دفعة للفنانين والمبدعين الشباب للظهور أمام جمهور معظمه منه من المثقفين والفنانين والأدباء، وحافزا أيضا لغير المهتمين للإقبال والانخراط في الحركة الفنية والثقافية. وقالت، في تصريح صحافي، إن هذه الفكرة انزاحت بالمقاهي عن دورها التقليدي الذي لا يخرج عن إطار الدردشة وتزجية الوقت، وجعلته مجالا يعج بالأبداع والنقاش الرصين. وبالنسبة إلى مطربة الملحون الفنانة ماجدة اليحياوي، فإن المبادرة تعد خطوة إيجابية لمد جسور التواصل الثقافي والفني بين شريحة في المجتمع المغربي التي ترتاد المقاهي، وحافزا لتخصيص حيز من أجندتنا ووقتنا للثيمات والأحداث الثقافية والأدبية قياسا بباقي الاهتمامات. وأضافت اليحياوي، التي حلت ضيفة على إحدى المقاهي الأدبية بالعاصمة الرباط، في تصريح مماثل، أن استضافة فنانين ومثقفين للمقاهي تغيير لملامح هذا الفضاء وفرصة لترسيخ تواصل حميمي بين فئة من المبدعين في السينما والمسرح والموسيقى وبين الجمهور. وقالت إن هذه التجربة يمكن جني ثمارها بتوالي المبادرات التي تسير في هذا المنحى، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفن والثقافة المغربيين، معتبرة أن "استقطاب 5 أو 10 مهتمين جدد في كل مرة يعد ربحا كبيرا"، خاصة إذا كان التواصل بعيدا عن الإعلام والأماكن التقليدية كالسينما أو الجامعة. وفي هذا السياق، قال نور الدين اقشاني، رئيس شبكة المقاهي الأدبية بالمغرب، إن التجربة، الرامية إلى مد جسور التواصل بين الفنانين وبين الجمهور سواء المهتمين أو غير المهتمين، ليست وليدة اللحظة؛ بل إنها تعود إلى سنوات الثمانينيات مع اتحاد كتّاب المغرب، وتلتها تجارب أخرى من تنظيم بعض الجمعيات حرصت على تقديم مواد ثقافية تتسم بالفرجة والمتعة في بعض المقاهي. ومنذ تأسيس الشبكة، يضيف اقشاني، يوجد حوالي 28 مقهى ثقافيا وأدبيا بعدة مدن مغربية، تنظم بشكل دوري وتستضيف مبدعين ومثقفين من مختلف المشارب. وأشار رئيس شبكة المقاهي الأدبية بالمغرب إلى إن هناك برنامجا وطنيا ينطلق في اليوم العالمي للشعر ويستمر طوال السنة، مضيفا أن الإقبال الذي تشهده المقاهي خلال شهر رمضان يزيد من تفاعل الجمهور مع هذه الحركة الثقافية، ومن الرقي بالذوق الفني، فضلا عن استقطاب النخب التواقة إلى الفعل الفني والثقافي الجاد. *و.م.ع