تدبير الشكايات ليس مجرد عمل إداري روتيني، بل هو آلية لتجويد عمل المرفق العمومي، والتواصل مع المرتفق. وهو نشاط أصيل في التاريخ الإسلامي الذي عرف منصب قاضي المظالم ومنصب قاضي القضاة منذ العهد العباسي؛ حيث كان قاضي القضاة هو من يتولى شؤون القضاة وهو من يعينهم ويعزلهم وينظر في شكايات المواطنين في مواجهتهم. وإذا كان المغرب لم يعرف منصب قاضي القضاة وأخذ بدلا منه بمنصب قاضي الجماعة، فإن نظام الحكم في المغرب كان دائما يولي أهمية كبرى للمظالم وشكايات المواطنين، حتى سجل التاريخ أن المغرب عرف منصب وزير الشكايات، كما سجل التاريخ أن من سلاطين المغرب من كان يخصص يومي الثلاثاء والأحد لسماع المظالم؛ حيث تقدم لحضرته جريدة بأسماء أصحاب الشكايات واسم العامل المولى عليهم، فيقضي السلطان بما يراه العدل. وظل الإنصات والاستماع لشكاوى المواطنين والتفاعل معها نهجا راسخا في نظام الحكم بالمغرب، وفق ما تأكد في خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله حول المفهوم الجديد للسلطة، الذي حث المسؤولين على الاحتكاك المباشر بالمواطنين والملامسة الميدانية لمشاكلهم وإشراكهم في إيجاد الحلول المناسبة والملائمة، ووفق ما تضمنه خطاب جلالة الملك بمناسبة الدورة الخريفية للبرلمان بتاريخ 14 أكتوبر 2016، من تفاعل مع انتظارات المواطنين، وتشريح دقيق لأعطاب المرافق العمومية وتظلمات المواطنين بشأن نشاطها. إن هذه الممارسة المتجذرة في تاريخ المغرب والمتجددة عبر محطاته، نضجت لتتم بلورتها في إطار مؤسساتي وفقا لما أكدته ديباجة الظهير الشريف المؤرخ في 17 مارس 2011 بشأن الأسباب الموجبة لإحداث مؤسسة الوسيط، والتي جاء في نصها: "وحرصا على ترسيخ مكاسب بلادنا في مجال حماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات، بجعل رعاية مطالب المواطن وصون حقوقه، والتواصل معه، قوام مفهومنا المتجدد للسلطة"، بل إن هذه الفلسفة أصبحت مبدأ دستوريا تضمنته المادة 156 من الدستور التي نصت على أن: "تتلقى المرافق العمومية ملاحظات مرتفقيها، واقتراحاتهم وتظلماتهم، وتؤمن تتبعها (...)". وفي هذا السياق العام وعلاقة بشكايات وتظلمات المواطنين من عمل القضاء، فقد نصت المادة 86 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على أن الرئيس المنتدب للسلطة القضائية يتلقى ما قد ينسب إلى القاضي من إخلال يمكن أن يكون محل متابعة تأديبية، كما أحالت المادة نفسها على النظام الداخلي للمجلس بشأن كيفية تدبير ومعالجة التظلمات والشكايات. ويقتضي إعداد النظام الداخلي سالف الذكر في الشق المتعلق بشكايات وتظلمات المتقاضين، استحضار ضرورة الإنصات للمتقاضي والتواصل معه وإنصافه مع العمل في الوقت نفسه على إرساء ضمانات لصون حياد القاضي واستقلاليته وحسن سير العدالة، وهو ما يقتضي تقديم أجوبة مناسبة لأسئلة أولوية، على رأسها تحديد شروط قبول شكايات المتقاضين ومدى إمكانية معالجة الشكايات المتعلقة بقضايا لا زالت رائجة أمام القاضي المشتكى به؟ ومدى قبول الشكايات مجهولة المصدر؟ وتحديد مضمون الشكايات التي تدخل في نطاق اختصاص المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووضع الهيكلة المناسبة لبنية معالجة الشكايات. الشكايات المتعلقة بقضايا لا زالت رائجة أمام القضاء إذا كانت الشكايات التي يقدمها المتقاضي في مواجهة القاضي بعد أن يكون هذا الأخير قد فصل في القضية، لا تثير أي مشكل بل هي مطلوبة لتقويم أي انحراف أو خطأ أو إهمال لم يعد بالإمكان إصلاحه من خلال الإجراءات القضائية، فإن الشكايات الموجهة ضد القضاة بشأن قضايا لا زالت معروضة عليهم تثير مشكلة تتعلق بصعوبة التوفيق بين حق المتقاضي في التظلم وبين ضمان عدم التأثير على حياد القضاء واستقلاله وعدم إرباك السير السليم للعدالة. علاقة بهذا الإشكال، سبق للمشرع الفرنسي أن أصدر قانونا تنظيميا بشأن تطبيق المادة 65 من الدستور الفرنسي، نصت على حق المتقاضي في التظلم من القاضي أمام المجلس الأعلى للقضاء، وبموجب هذا القانون لا يجوز للمتقاضي تقديم شكايته بشأن الإخلال المنسوب للقاضي إلا بعد إصدار هذا الأخير آخر قرار له في القضية، ويملك المتقاضي أجل سنة من تاريخ صدور القرار المذكور لتقديم شكايته، غير أن القانون سالف الذكر أدرج استثناءين على هذه القاعدة؛ حيث سمح بتقديم الشكاية في مواجهة القاضي حتى وإن كانت القضية لا زالت رائجة أمامه متى تعلق الأمر بأفعال خطيرة منسوبة للقاضي، أو تعلق الأمر بقضايا أو مساطر تتطلب أمدا طويلا قبل البت فيها. وقد تم الطعن أمام المجلس الدستوري الفرنسي في هذا المقتضى القانوني، فصرح في قراره عدد 611-2010 المؤرخ في 19 يوليوز 2010 بأنه "وإن كان لا يوجد في الدستور الفرنسي ما يمنع من تلقي الشكايات بخصوص قضايا لا زالت رائجة أمام القضاة المشتكى بهم، فإن القانون عندما سمح بالاستماع للقاضي بشأن شكاية تتعلق بقضية لا زالت معروضة عليه، فإنه لم يقدم ضمانات موازية كافية لعدم المساس بحياد القاضي واستقلاليته وعدم التأثير على حسن سير العدالة"؛ لذلك اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي أن هذا المقتضى غير دستوري. وهو ما أيده الفقه في معرض تعليقه على القرار؛ حيث اعتبر أن حياد القاضي سيتأثر لا محالة وهو يعرف أن أحد طرفي القضية خصما له في موضوع الشكاية، وأن استقلاله بدوره يتأثر ما دام القاضي سيبت في القضية وهو تحت تأثير جهاز التفتيش وضغط المسطرة التأديبية. وفي السياق نفسه، أعطت المادة 11 من النظام الصادر بتاريخ 29/07/2015 بشأن إجراءات معالجة الشكايات في مواجهة القضاة الفدراليين بكندا، الخيار لرئيس المجلس الأعلى للقضاء بين إحالة الشكاية على أحد أعضاء المجلس المرتب في درجة عليا ليقدر مدى ملاءمة إشعار القاضي بالشكاية، وبين تأجيل مباشرة إجراءات الاستماع للقاضي حول موضوع الشكاية إلى حين إصدار قراره في القضية. أما المشرع العراقي فقد سمح بالاستماع للقاضي بشأن موضوع الشكاية حتى وإن كانت تتعلق بقضية لازالت رائجة أمامه، وعليه في هذه الحالة أن يتوقف عن البت في القضية إلى حين الفصل في الشكاية، وإذا قدمت الشكاية للمرة الثانية حول الموضوع نفسه، فإن القاضي لا يتوقف عن البت في النزاع حتى يتم التصريح من الجهة المختصة بصحة الشكاية. يتضح من خلال التجارب سالفة الذكر أن حسن سير العدالة والحفاظ على حياد القاضي واستقلاله يقتضيان عدم مباشرة الإجراءات الاعتيادية، وخاصة ما يتعلق بالاستماع للقاضي وإيفاد هيئة للتفتيش بشأن موضوع الشكاية متى كانت تتعلق بقضية لازالت معروضة على أنظار القاضي، مالم يتعلق الأمر بإخلال جسيم؛ حيث يمكن في هذه الحالة الاستماع للقاضي مادام أن الأخطاء الجسيمة تسمح بتوقيف القاضي وفقا للمادة 96 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو ما يستتبع توقفه عن البت في القضية موضوع الشكاية. ومع ذلك وحتى في هذه الحالة، لا بد من توفير ضمانات لعدم المساس بحياد القاضي واستقلاله وحسن سير العدالة. من جهة أخرى، قد يحدث أن يتقدم المتقاضي بشكايته في مواجهة القاضي بخصوص إخلال معين، ويلجأ في الوقت نفسه إلى القضاء الجنائي أو القضاء المدني أو القضاء الإداري بشأن الموضوع ذاته، فهل يستمر المجلس الأعلى للسلطة القضائية في معالجة الشكاية، أم عليه أن يوقف النظر فيها إلى حين صدور قرار قضائي في الموضوع؟ لقد أجابت المادة 97 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى لسلطة القضائية في الشق المتعلق بالمادة الجنائية؛ إذ يستفاد من أحكامها أنه لا يتم البت في المسطرة التأديبية إلا بعد صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضى به عن القضاء الجنائي، بينما لم يقدم القانون سالف الذكر أي جواب بشأن الحالة التي يكون فيها موضوع الشكاية معروضا في الوقت نفسه على القضاء المدني أو القضاء الإداري. وإن كنا نعتقد أن عدم التأثير على القضاء وصون حقوق القاضي وضماناته واكتمال الصورة حول موضوع الإخلال، كل ذلك يقتضي انتظار الفصل في النزاع من قبل القضاء المدني أو الإداري قبل البت في موضوع الشكاية. الشكايات مجهولة المصدر يضعنا موضوع الشكايات مجهولة المصدر أمام مشكلة التوفيق بين حق المتقاضي في التظلم وتشجيع الإبلاغ عن الأفعال المخالفة للقانون، وبين وضع حد للشكايات الكيدية التي يكون الغرض منها في الغالب هو التشويش على القضاء. وإذا كان الإبلاغ عن بعض الأفعال الخطيرة، كجرائم الفساد المالي والإداري، يبرر قبول التبليغات المجهولة انسجاما مع المواثيق الدولية، ولاسيما اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، واستحضارا لأحكام قانون المسطرة الجنائية بشأن حماية المبلغين والشهود والضحايا والخبراء التي تجعل إخفاء الهوية من بين تدابير الحماية المكفولة للمبلغ، فإنه عندما يتعلق الأمر بالتظلم من عمل المحاكم، فإن المنطق يقتضي ممن يقدم شكايته أن يقدمها بوجه مكشوف. وهذه الفلسفة نجدها راسخة في التجارب المقارنة؛ إذ يميل الاتجاه الغالب إلى رفض الشكايات المجهولة كما هو الشأن بالنسبة للقانونين الفرنسي والبلجيكي اللذين ينصان على أن الشكايات المجهولة غير مقبولة أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وإن كانت هناك تجارب أخرى تسمح برفع الشكايات المجهولة في مواجهة القضاة، كما هو الشأن بالنسبة للقانون الكندي الذي ينص صراحة على أن الشكاية مجهولة المصدر تعامل معاملة الشكاية معلومة المصدر. وبالرجوع إلى بعض النصوص المؤطرة للتظلمات والشكايات في التشريع المغربي نجدها جميعها تجمع على اشتراط أن تكون الشكاية مكتوبة أو شفوية، وتضمن في هذه الحالة في سجل خاص من قبل الموظف المختص، وأن تقدم الشكاية من المعني بالأمر أو نائبه، وأن تتضمن كافة بياناته، وخاصة اسمه وتوقيعه، وبيان أسباب التظلم. ومن أمثلة القوانين في هذا الباب، نذكر الظهير المنظم لمؤسسة الوسيط (المادة 9)، وقانون الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومكافحتها (المادة 19)، والظهير الشريف المتعلق بالنظام الداخلي للجنة الوطنية للبت في شكايات وتظلمات القيمين الدينيين (المادة 28)، والمرسوم المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية (المادة 31). يمكن القول من خلال ما سبق إن الاتجاه العام في التجارب المقارنة والتشريع المغربي يميل إلى عدم قبول الشكايات مجهولة المصدر، وهو الاتجاه الذي يجب اعتماده من باب أولى بشأن الشكايات المتعلقة بعمل القضاة، صونا لحسن سير العدالة وقطعا للطريق على كل ممارسة تهدف إلى التشويش على القضاء، وإن كان الأمر يقتضي مع ذلك التنصيص على استثناء بهذا الشأن عندما يتعلق الأمر بوشايات تتضمن وقائع خطيرة ومدعمة بإثبات ومعطيات ملموسة؛ حيث يمكن إحالتها على المفتشية العامة للشؤون القضائية لإجراء الأبحاث اللازمة بشأنها. مضمون الشكايات المقبولة أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية يتضح من خلال الاطلاع على التجارب المقارنة أنها نصت صراحة على عدم قبول بعض أنواع الشكايات، إما لكونها تدخل في اختصاص هيئات أخرى أو لأنها تخضع لإجراءات قضائية خاصة؛ حيث لا تقبل الشكايات المتعلقة بالمواضيع التالية: تجريح القضاء، التظلم من قرار القاضي في الشق المتعلق بتفسير القانون، الأمور التي يمكن أن تكون موضوعا لطرق الطعن العادية وطرق الطعن غير العادية، التظلم المتعلق بعمل هيئات أخرى (الشرطة القضائية، المحامون، ...)، الشكايات التي سبق البت فيها دون أن تأتي بجديد. وإذا كانت هذه الأمور تخرج، منطقيا وقانونيا، عن نطاق الشكايات والتظلمات المقبولة أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فما هو مضمون الشكايات المقبولة أمام المجلس المذكور؟ بالرجوع إلى الشتريعات المقارنة في هذا الباب نجد بعضها نص على أن الشكايات المقبولة هي الشكايات المتعلقة بسير العدالة كالتشريع البلجيكي، أو المتعلقة بسلوك القاضي كالتشريع الكندي، أو المتعلقة بإخلال مهني منسوب للقاضي كالتشريع الفرنسي، أو الشكايات المتعلقة بالامتناع عن إحقاق الحق وفق التعبير الذي استعمله المشرع العراقي. أمام في المغرب، فبالرجوع إلى المادة 85 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، نجدها تنص على أن المجلس المذكور يختص بالنظر في ما ينسب للقاضي من إخلال مهني، كما هو منصوص عليه في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة. وبالرجوع إلى المادة 96 من النظام الأساسي المحال عليه، نجدها تنص على أنه يكون كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو بالشرف أو الوقار أو الكرامة، خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية. ويمكن القول إنه استنادا إلى مضمون المادتين 85 و96 سالفتي الذكر، فإن موضوع الشكايات المقبولة أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية يجب أن يتعلق بإخلال القاضي بواجباته المهنية، ولاسيما في ما يتعلق بإجراءات القضية وسلوكه بمناسبة إدارتها والتقرير فيها. أما ما يتعلق بالشرف والوقار والكرامة، فإنها أمور تخرج عن نطاق شكايات المتقاضين؛ لأنه من شروط تقديم التظلم أو الشكاية أن يكون للمتقاضي الصفة والمصلحة في التظلم من الإخلال المنسوب للقاضي. وتجدر الإشارة إلى أن أغلب التجارب المقارنة نصت على عدم تضمين الشكايات والتظلمات لعبارة السب والقذف، تحت طائلة المتابعة طبقا للقانون، وهو ما يكيف في القانون المغربي بجنحة إهانة رجال القضاء وفقا لأحكام الفقرة 1 من الفصل 263 من القانون الجنائي، ما دام أن الفقرة المذكورة تعاقب عن جنحة إهانة رجال القضاء والموظفين العموميين ولو كانت الإهانة بواسطة كتابة غير علنية. بنية الهيئة المختصة بالبت في شكايات المتقاضين تنص المادة 86 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على أن الرئيس المنتدب للسلطة القضائية يتلقى ما ينسب للقاضي من إخلال، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول بنية الهيئة التي ستبت في شكايات المتقاضين، هل يتعلق الأمر بمصلحة إدارية تساعد الرئيس المنتدب في دراسة الشكايات، أم يتعلق الأمر بلجنة مكونة من أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية؟ بالنظر إلى ارتباط شكايات المتقاضين عادة بالإخلال المنسوب للقضاة بمناسبة دعوى قضائية، الأمر الذي يجعل مسألة معالجة شكايات المتقاضين تتقاطع في الغالب مع إجراءات المسطرة التأديبية والضمانات الممنوحة للقضاة، فإن معظم التجارب المقارنة تسند معالجة الشكايات للجنة مكونة من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا (لجنة الشكايات) وبلجيكا (لجنة البحث وإبداء الرأي مكونة من 4 أعضاء قضاة و4 أعضاء غير قضاة)، كما أحدثت كندا مصلحة إدارية يرأسها الأمين العام للمجلس الأعلى للقضاء ويسمى مديرا تنفيذيا للمصلحة، وتكون مهمتها دراسة الشكاية وتجميع المعطيات المتعلقة بها، ثم إحالتها بعد ذلك على رئيس المجلس الذي يملك بدوره إجراء أبحاث إضافية بشأن موضوع الشكاية قبل إحالتها على لجنة الافتحاص المكونة من القضاة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء. ونعتقد أن هذا النهج الذي اتبعته كندا ملائم للواقع المغربي؛ ذلك أن كثرة شكايات المتقاضين، كما أثبتت التجربة في السابق، تقتضي وجود جهاز إداري لفرز الشكايات ومراقبة شكلياتها وتدبيرها إداريا، يكون تابعا للرئيس المنتدب للسلطة القضائية، إعمالا للمادة 86 من القانون التنظيمي سالف الذكر، مع العمل في الوقت نفسه على إحداث لجنة للشكايات مكونة من أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وفقا لأحكام المادة 52 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ما دام أن كل ما يتعلق بتدبير الوضعية الفردية للقاضي، يجب أن يباشر من قبل المجلس المذكور. ختاما، لا بد من التأكيد على أن خصوصية المرحلة وما تعرفه من تحولات دستورية ومؤسساتية وما يوازيها من تحولات على مستوى البنيات الاجتماعية ووعي المتقاضي، تستوجب أن يستحضر النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في موضوع تدبير شكايات المتقاضين، الغاية من الشكايات كآلية من آليات تجويد العمل القضائي ورصد مكامن الخلل في منظومة العدالة، مع وضع أحكام كفيلة بتحقيق التوازن بين الحق في التظلم وعدم التأثير على القضاء. *دكتور في الحقوق