استمرارا لمسلسل التشديد على المعارضين في موريتانيا، رفضت السلطات القضائية إطلاق سراح محمد ولد غده، عضو مجلس الشيوخ، والذي اعتقل منذ أيام إثر تسببه بمقتل شخصين صدمهما بسيارته عن طريق الخطأ. واعتبرت الأحزاب المعارضة أن السلطات لم تحترم الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها الشيخ محمد ولد غده، بل وتقصدت إهانته خلال فترة اعتقاله. وطالبت بإطلاق سراح عضو مجلس الشيوخ وعدم محاكمته على مواقفه السياسية المعارضة للنظام. واحتدم الجدل بين القانونيين بخصوص شرعية محاكمة ولد غده، ففيما أكدت النيابة العامة أن اعتقال ولد غده تم وفق القانون والدستور، وتحديدا المادة ال50 من الدستور التي تنص على أنه لا يرخص في متابعة أو توقيف عضو من أعضاء البرلمان أثناء دوراته لأسباب جنائية أو جنحية، ما عدا التلبس بالجريمة، وهو ما ينطبق على حالة ولد غده، اعتبر عدد من خبراء القانون أن النيابة العامة لم تحترم سلطة مجلس الشيوخ، لأن المادة 50 من الدستور تفرض أن لا يتم اعتقال أيّ عضو من أعضاء البرلمان إلا بإذن من الغرفة التي ينتمي إليها. وكان عدد من الشيوخ قد لوّحوا باللجوء إلى هذه المادة لوقف اعتقال السيناتور محمد ولد غده، وهددوا بخطوات تصعيدية احتجاجاً على توقيف ولد غده، وبدؤوا برفض استقبال وزراء الحكومة لمناقشة مشاريع القوانين. وكان مجلس الشيوخ قد رفض مشروع التعديلات الدستورية التي اقترحتها الحكومة، مما أرغم النظام على طرحها في استفتاء دستوري سينظم يوليوز المقبل، وبعد هذه الحادثة غير المسبوقة أصبحت علاقة النظام بمجلس الشيوخ متشنجة. إلى ذلك، أدان حزب تكتل القوى الديمقراطية "بشدة عدم احترام الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها الشيخ محمد ولد غده، وما تعرض له من إهانة"، وطالب "السلطات بالإفراج الفوري عنه". وأشار الحزب، الذي يرأسه أحمد ولد داداه، في بيان له، إلى أنه "يتابع باهتمام بالغ ما يتعرض له عضو مجلس الشيوخ محمد ولد غده من سوء معاملة وصلت إلى إحالته للسجن المدني بمدينة روصو، على إثر حادث سير راح ضحيته - خطأ - شخصان كما تعرض شخص ثالث لجروح، في حين لم يرفع ذوو الضحايا أي دعوى ضد الشيخ". كما طالب محمد ولد الحسن، زعيم مؤسسة المعارضة، بعدم استخدام الدستور والقضاء كمطية لتصفية الحسابات السياسية، وأدان "انتهاك القانون والمساس بهيبة ومكانة المؤسسة التشريعية". وقال في بيان أصدره إن استمرار اعتقال الشيخ وإحالته إلى السجن ليؤكد بجلاء انعطاف الموضوع نحو المحاسبة السياسية وتوظيف المصالح الأمنية والقضائية لتصفية الخصوم؛ وهو ما تعضده طبيعة المعاملة القاسية واللاقانونية مع الشيخ، حيث تعرض للمضايقة والمنع من زيارة الأهل والمحامين وتفتيش الهواتف والمذكرات والأغراض الخاصة بشكل مهين وسافر، كما تم منع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الموقرين من زيارته والتضامن معه. وكان ذوو الضحايا قد وقعوا على محضر نهائي، يتضمن تنازلهم عن حق الدم وعدم التقدم بأي شكوى ضد السيناتور. وأدى الحادث لوفاة سيدة وطفل صغير، وإصابة سيدة أخرى بجراح، بعد أن صدم النائب محمد ولد غده بسيارته كوخا على بعد 20 كلم من مدينة روصو جنوب البلاد. وقال ولد غده، في بيان أصدره بعد الحادث: "لقد آلمني كثيرا موت طفل بريء بسبعة أشهر وانفطار قلب أمه عليه، وآلمني أكثر موت امرأة شريفة حامل تكسب قوتها بعرق جبينها، وأخضع لمشيئة الله أن جعلني طرفا من أطراف هذا الحادث الأليم". وأضاف: "سأعوض كافة الضحايا طبقا للقانون والشرع وأزيد، وسأتكفل بدراسة الأطفال الخمسة لعشر سنوات كما كانت ستفعل أمهم الشريفة".