لم أكن أتوقع وأنا أبحث في مدى تشابه الأحداث السياسية المغربية مع مثيلتها الفرنسية، رغم وجود الفارق، من منطلق الاكتشاف والفضول، أنه سيأتي يوم سأجد فيه تشابها غريبا بين حدثين مهمين في المجال السياسي المغربي والفرنسي، حدثان لم يحظيا للأسف باهتمام المتتبعين، على الأقل فيما اطلعت عليه من مقالات صحافية مختصة منذ شهور، وهو التشابه بين نشأة وأهداف ومقاصد جمعية "من أجل تجديد الحياة السياسية" الفرنسية، التي صارت تعرف فيما بعد ب"إلى الأمام"، بقيادة إيمانويل ماكرون، وجمعية "حركة لكل الديمقراطيين"، التي انبثق عنها حزب الأصالة والمعاصرة بقيادة السيد فؤاد عالي الهمة في وقت سابق. وبالرجوع إلى النشأة، نجد أن كلا الحركتين فضلا القائمون عليهما تأسيس جمعية أولا، ثم تحويلها في ما بعد إلى حزب سياسي له من القوة والعزم ما لم يؤت لغيره من الأحزاب، بالنظر إلى الإمكانيات المادية واللوجستيكية المسخرة لهما مسبقا، حسب رأي غالبية الملاحظين، وكذلك أعداد المنخرطين فيهما في وقت وجيز حتى قبل الانطلاق. فالمطلع على القانون التأسيسي لجمعية إلى الأمام "En marche"، سينتبه إلى ما جاء في ديباجته، وهي الديباجة التي سميت ميثاقا من أجل التقدم معا؛ حيث تم التأكيد فيها على كون "إلى الأمام" تنطلق من قناعة: أن الفرنسيين يجب أن يكونوا في قلب الحياة السياسية وليس ديكورا لها، وهو ما تمت الإشارة إليه كذلك في البيان التأسيسي لحركة لكل الديمقراطيين، ولو بشكل مختلف، والذي سمي ب "مبادرة من أجل حركة لكل الديمقراطيين"؛ حيث نجد المعنى نفسه، عبر القول في البيان التأسيسي للحركة: "وشعورا منهم – أي المؤسسيين للحركة – بتراجع مساهمة النخب الوطنية بمختلف مشاربها ومواقعها إزاء مهمات تأطير المواطنين وتعبئتهم وإشراكهم في صياغة حاضرهم ومستقبلهم". والإشراك هنا جاء بمثابة فعل وكناية لتجاوز حالة الديكور الملتصقة بالمواطن المغربي. كما يلاحظ كذلك أن حركة لكل الديمقراطيين لم تشترط مبدأ استقلالية منخرطيها عن باقي الأحزاب للحصول على العضوية وما يترتب عنها، بل أكدت في البيان ذاته أنها ستنخرط في تعبئة كل الديمقراطيين مهما اختلفت انتماءاتهم ومشاربهم السياسية، وهو أيضا ما ذهبت إليه "إلى الأمام" بقبولها انخراط فاعلين سياسيين من أحزاب أخرى، أو أولئك الذين لهم خلفيات سياسية متناقضة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر الكاتب العام ل "إلى الأمام"، ريشار فيرون، عضو الحزب الاشتراكي المنتخب لولايتين سابقتين. وبما أنني طرحت بعض أوجه التشابه، فسألخص أوجه الفرق في سؤال وحيد وواحد: لماذا نجحت "إلى الأمام" الفرنسية وما ترتب عنها، فيما فشلت – على الأقل نظريا – حركة لكل الديمقراطيين وما تمخض عنها؟ للجواب عن هذا السؤال، سنبحث قليلا في السياق. أثناء تأسيس جمعية "من أجل تجديد الحياة السياسية"، عبّر ايمانويل ماكرون عن رغبته صراحة في الترشح للرئاسة الفرنسية، دون لف ولا دوران، كان واضحا مع نفسه ومع خصومه، مستفيدا من إخفاقات الرئيس فرنسوا هولاند في تخفيف الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطن الفرنسي، كما استفاد من تداعيات الفضائح التي لحقت بالمرشح فرنسوا فيون، واندحار اليمين المتطرف بقيادة لوبين، التي أعادت شعارات والدها نفسها، وهي الشعارات التي تجد لها صدى فقط في بعض قلوب الشيوخ التواقين إلى أيام فرنسا الاستعمارية. أما بالنسبة لحركة لكل الديمقراطيين، فقد لفها الغموض منذ البداية، ولم تكن صريحة بما يكفي لتقول للمواطن علانية أنها حركة تسعى إلى قيادة الحكومة المقبلة؛ حيث ساهم اللبس الذي أحاط بها في التشكيك في مقاصدها وأهدافها، بالإضافة إلى خطيئة النشأة، وأعني بذلك، خطيئة أن يتم تأسيس جمعية/حزب بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2007 في الوقت الذي كانت تعرف فيه الساحة السياسية المغربية بروز قوة سياسية صاعدة ألا وهي حزب العدالة والتنمية؟ إن طالبا بسيطا في شعبة الاقتصاد بالجامعة، يعرف قاعدة ذهبية ومهمة في "الماركوتينغ "، مفادها: لا تطلق في السوق منتوجا جديدا في فترة ازدهار منتوج موجود سلفا. ومهما يكن من الأمر، فإن التجربتين بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة، غابة الداعمين لهما. ملاحظة: هذه ليست مقالة سياسية بالمعنى العلمي للمقالة السياسية، بل هي مجموعة ملاحظات دونتها في مذكرتي وصغتها على شكل مقال لتكون منطلقا للدراسة والتحليل من طرف المختصين في ظاهرة تأسيس جمعية وتحويلها إلى حزب.