قد يبدو علم الفلَك في غاية التعقيد لغير المتخصصين، وقد يصعب استيعاب المعلومات المتعلقة بالاكتشافات العلمية التي توصّل إليها العقل البشري بعد غزوه الفضاء، لكنّ جمعية الفَلك بالرباط استطاعت تقريب هذه المعلومات إلى العامَّة، من خلال مهرجان لعلم الفلك تنظمه كل سنة بالعاصمة. مساء أمس السبت كانت قاعة الندوات بمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية غاصة عن آخرها بجمهور من مختلف الأعمار، جاء لمتابعة آخر ما توصّل إليه علم الفَلك في أوَّل أيام الدورة الرابعة من مهرجان الرباط لعلم الفلك، الذي يستمر إلى غاية 8 أبريل الجاري. وتهدف جمعية الرباط لعلم الفلك من خلال أنشطة المهرجان الموجّهة إلى العموم، والتي تحتضنها فضاءات مختلفة في العاصمة، إلى تقريب العلوم إلى الناس بطريقة بسيطة، بعيدا عن المعادلات والتعقيدات الأكاديمية، حسب رئيس الجمعية عبد الحفيظ باني. ويُرجع باني سبب "تخوّف" المغاربة من الاقتراب من مجال العلوم إلى رسوخ اعتقاد في أذهانهم مفاده أنّ هذه العلوم من اختصاص الغرب، وأنّ الغربيين وحدهم مؤهلون للخوض فيها، مضيفا: "ربما يعود ذلك إلى طريقة التعليم، إذ نغرق في المعادلات ونحن صغار، لذلك نخاف من العلوم ويكبر معنا هذا الخوف". ويبدو أنّ جهود جمعية الرباط لعلم الفلك بدأت تكسر هذا الحاجز النفسي، إذ تفاعل الحاضرون مع العرضين اللذين قدمهما كل من عبد الحفيظ باني، وسمير القادري، وهو أكاديمي متخصص في علم الفلك. وكان لافتا أنّ الجمهور، وخاصة الأطفال، ظلوا ملازمين القاعة رغم أن العرضين استغرقا أكثر من ساعتين. ويقول عبد الحفيظ باني: "الملاحظة العامَّة التي يمكن استنتاجها من خلال الدورات الثلاث من مهرجان الرباط لعلم الفلك هو أنّ هناك تزايدا لإقبال الناس على المهرجان دورة بعد أخرى، وأن هناك اهتماما كبيرا بعلم الفلك"؛ هذا الاهتمام سيزداد أكثر بعد الاكتشافات الفضائية الأخيرة التي ساهم فيها المغرب. فقبْل بضعة أسابيع أُعلن اكتشاف سبعة كواكب شبيهة بكوكب الأرض، تبعد عن الأرض بأربعين سنة ضوئية، وكان من بين العلماء الذين توصلوا إلى هذا الاكتشاف العلمي المبهر باحثون مغاربة من مرصد أوكايمدن للفضاء، الواقع قرب مدينة مراكش. هذا الاكتشاف، يقول عبد الحفيظ باني، "له مزيتان؛ الأولى أننا نزعنا ذلك الوهم الذي يجعلنا نعتقد أنّ مساهمتنا في الاكتشافات العلمية يفرض علينا أن يقوم بها أجنبي، أو نذهب عنده إلى الخارج لكي نتمكّن من اكتشافها، إذ إنّ اكتشاف الكواكب السبعة كان بمشاركة فريق علمي اشتغل في المغرب بتعاون مع فرق علمية أخرى". المزية الثانية للاكتشاف العلمي سالف الذكر، والذي جعل اسم المغرب يسطع في سماء الاكتشافات العلمية المتعلقة بالفضاء، يردف باني، "هو أننا حين ننزع وهْم التبعيّة للأجنبي من أذهاننا فإننا نجعل الشباب المغربي يتحمسون ويقولون إنّ بإمكاننا، نحن أيضا، أن نقوم بأبحاث علمية وننجح فيها". وتتضمن الأيام العلمية لمهرجان الرباط لعلم الفلك مجموعة من الأنشطة؛ ففضلا عن العروض المتعلقة بجديد الاكتشافات العلمية، سيكون الجمهور على موعد مع مشاهدة الكواكب عبر مناظير غدا الأحد ويومي الاثنين والثلاثاء في كورنيش أبي رقراق، وفي ساحة "باب الحد"؛ أيام الأربعاء والخميس والجمعة. إضافة إلى ذلك، ستُنظم طيلة أيام المهرجان ورشات خاصة بالأطفال في المكتبة الوسائطية بالرباط، وعروض متنوعة متعلقة بالفلك في كلية العلوم، ثم نشاطا يسمى "محاكاة القبّة السماوية"، عن طريق منطاد كبير تتوسطه أضواء تضفي عليه شكل السماء؛ على أن يُسدل الستار على المهرجان بمحاضرة سيلقيها الخبير المختص في علم النيازك عبد الرحيم أبهي، يوم 8 أبريل في المدرسة العليا للمعادن بالرباط. ورغم الإمكانيات المادية التي يتطلبها الاشتغال في مجال علم الفلك، فإنّ أعضاء جمعية الرباط لعلم الفلك يشتغلون بإمكاناتهم الذاتية، وينفقون من جيوبهم من أجل اقتناء الآلات المستعملة في رصد مكونات الفضاء، والتي يضعونها رهن إشارة المواطنين طيلة أيام مهرجان الرباط لعلم الفلك، وفي مناسبات أخرى، مثل مراقبة الكسوف والخسوف.