قرر الملك محمد السادس، فور عودته من جولة في أفريقيا، عبر بلاغ صادر عن الديوان الملكي، ليل أمس الأربعاء، إنهاء تكليف عبد الإله بنكيران وإعفائه من مهمة تشكيل الحكومة، وتعيين شخصية سياسية من حزب العدالة والتنمية نفسه بديلا لبنكيران الذي استنفذ ما يربو عن خمسة أشهر بعد تعيينه لتشكيل الحكومة ولم يستطع إلى ذلك طلبا. فمن يا ترى يكون الشخص المقبل؟ وهل سيقبل حزب العدالة والتنمية بديلا عن بنكيران من الداخل؟ وهل خليفة بنكيران سيمشي على خطى هذا الأخير أم سيغير شروط التحالفات في اتجاه تسهيل إدماج أحزاب أخرى رفضها بنكيران؟ وما هي الرسائل السياسية والدستورية التي حملها بلاغ الديوان الملكي؟ الشخصيات المرشحة لخلافة بنكيران شهد المجلس الوطني الأخير لحزب العدالة والتنمية نقاشا ساخنا بخصوص السيناريوهات الممكنة، وبالرغم من أنه أيد بقاء بنكيران بصفته رئيس الحكومة المعين، لكن اللافت للعيان موقف بعض القياديين؛ فمثلا مصطفى الرميد صرح بأن "البلوكاج" الحكومي يجب أن يحل من داخل الحزب، وهو موقف يناقض ما صرح به في وقت سابق بأنه يرفض أن يكون بنعرفة المغرب، محملا الأطراف المعنية إذا ما كانت ترغب في الاستمرار في المشاورات الحكومية أن تراجع موقفها. أما عزيز الرباح فبدوره أثيرت بشأنه علامات استفهام عدة، خصوصا بعض الاتهامات الداخلية التي وجهت إليه بخصوص أنه كان يدفع في اتجاه خليفة لبنكيران. الوزير السابق عبد القادر اعمارة، وفي غمرة دفاعه عن نفسه بخصوص الشقة التي اكترتها له شركة أكوا إيموبيلي، قدم شهادة حسن سيرة ناصعة البياض في حق الوزير أخنوش، مما اعتبر لدى المتابعين بكونه يرفض الاصطدام معه في عز "البلوكاج" بين بنكيران وأخنوش. في حين بقي سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، بعيدا عن الحديث عن شخص بنكيران، بل وأكد مرارا أن اختيار الأغلبية شأن خاص متعلق بشخص رئيس الحكومة المعين، وليس من اختصاص الأمانة العامة الحزب التي ينحصر دورها في الاطلاع على سير المفاوضات وتأييد قرارات الأمين العام، وهذا ما اتضح جليا في البلاغات المتتالية التي صدرت عنها. واعتبر مصدر من داخل حزب العدالة والتنمية، في حديث لهسبريس، أن المصطفى الرميد، وسعد الدين العثماني، وعزيز الرباح، أسماء تبقى قيادية يمكن أن يعين منها الملك رئيسا للحكومة خليفة لبنكيران. في مقابل ذلك، يرى عبد الرحيم المنار اسليمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن بلاغ الديوان الملكي "يحمل رسالة سياسية واضحة، مفادها أن الأحزاب السياسية لا تتوقف على شخص واحد". وبخصوص تمسك بعض القيادات ببنكيران في وقت سابق من خلال بعض التصريحات والخرجات الإعلامية، أكد اسليمي أنها "تصريحات بعيدة عن دستور 2011 وعن الفصل 47؛ فالملك طبق مقتضيات الفصل 47 من الدستور بإنهاء تكليف بنكيران وعزمه تعيين شخصية ثانية من حزب العدالة والتنمية خلال الأيام المقبلة". وخلافا لما ذهب إليه مصدرنا من حزب العدالة والتنمية من كون الأسماء المرشحة لخلافة بنكيران هي الرميد والرباح والعثماني، فقد رشح اسليمي شخصين لخلافة بنكيران هما مصطفى الرميد وعزيز الرباح. "وبخصوص الرميد يُمكن أن نفهم"، يضيف اسليمي لهسبريس، "سبب حضوره إلى جانب عبد الإله بنكيران لحظة تكليفه قبل خمسة أشهر من لدن الملك لتشكيل الحكومة". المصطفى الرميد، بحسب اسليمي، رجل التوافقات بين كل المكونات السياسية، وقد تغير كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية بقيادته لوزارة العدل. أما عزيز الرباح، فالأمر يتعلق بقيادة شابة لها تجربة في وزارة تدبير كبيرة كالتجهيز التي قربته من عالم الاقتصاد، إضافة الى أنه مقبول من طرف الأطراف السياسية التي فشل بنكيران في اقناعها بالدخول للحكومة. واستبعد المتحدث سعد الدين العثماني لمروره "غير الموفق في الخارجية خلال حكومة بنكيران الأولى ونظرا لطبيعة الإشارات التي قد يحملها للخارج، فالظرف الدولي الحالي يساعد الرميد والرباح ولا يساعد بتاتا سعد الدين العثماني". رسائل دستورية وسياسية لا شك في أن بلاغ الديوان الملكي، الذي أنهى تكليف عبد الإله بنكيران وأعفاه من مهمة تشكيل الحكومة واتخذ قرار تعيين شخصية سياسية من حزب العدالة والتنمية نفسه، يحمل بين طياته مجموعة من الرسائل السياسية والدستورية. بالنسبة للدستور، لماذا لم يتم استعمال التحكيم؟ وهل تم احترام الخيار الديمقراطي في الإعفاء؟ وسياسيا، ما هي الرسالة الموجهة إلى حزب العدالة والتنمية على وجه الخصوص، والمشهد الحزبي بشكل عام؟ للإجابة على هذه الأسئلة، قدم المنار اسليمي خمسة رسائل يتداخل فيها ما هو سياسي مع ما هو دستوري: الرسالة الأولى، يرى الباحث في العلوم السياسية أن الملك احترم الخيار الديمقراطي وعدم استعماله للتحكيم، كما كانت تعتقد أطراف المشاورات؛ "فالملك احترم نتائج الانتخابات وحافظ على أحقية الحزب الحاكم في تشكيل حكومة ما بعد السابع من أكتوبر". الرسالة الثانية، تؤكد على احترام الملك لمنطوق وأحكام الفصل 47 من الدستور؛ "فالملك عيّن الأمين للحزب الفائز في الانتخابات، وكان من الممكن تعيين شخصية من غير الأمين العام، لكنه منح فرصة لبنكيران دامت خمسة أشهر، ويعود الملك اليوم بمقتضى الدستور ليمنح فرصة جديدة لشخصية ثانية من العدالة والتنمية، مادام أن الحزب منظمة سياسية لا تتوقف على شخص واحد، بل يُفترض أنها تضم موارد بشرية قادرة على تجاوز وضعية الانحصار التشاوري التي وضعها فيها السيد بنكيران". الرسالة الثالثة، استعمال الملك لمقتضيات الفصل 42 من الدستور الذي يعطيه صلاحية التدخل لاحترام الدستور وضمان حسن سير المؤسسات الدستورية؛ "فبعد خمسة أشهر من تكليف بنكيران وحثه في لقاءاته بمستشاري الملك على التعجيل بتشكيل الحكومة، كان من الطبيعي إنهاء تكليفه وإعفائه" يقول اسليمي، مضيفا: "فالمؤسسات الدستورية يجب أن تستمر وألاّ يتم ربطها بتعثر مشاورات يقودها شخص واحد حامل لتكليف لا يمكن أن يستمر في الزمن إلى ما لانهاية له؛ فمؤسسات الدولة لا يجب أن تتوقف بسبب فشل بنكيران". الرسالة الرابعة، وهي موجهة إلى مكونات حزب العدالة والتنمية الفائز في انتخابات السابع من أكتوبر، مفادها أن الحزب لا يتوقف على شخص واحد وأمامه فرصة تقديم شخصية ثانية للاستمرار في ممارسة حقه الدستوري بصفته فائزا في الانتخابات، "ولهذا، فالإشارة الدستورية واضحة لحزب العدالة والتنمية بأنه سيستمر في قيادة مفاوضات الحكومة بشخص ثان". حزب العدالة والتنمية أمام خيارين خلال الساعات الأولى التي تلت بلاغ الديوان الملكي، بدا أن حزب العدالة والتنمية دخل في حرب بيانات وبلاغات داخلية تدفع بالبعض نحو تشكيل الحكومة من جديد والبعض الآخر نحو خيار الذهاب إلى الديمقراطية. قيادة الحزب شككت في كل البيانات وقطعت الشك باليقين وخرجت ببلاغ، عبر الموقع الالكتروني الرسمي للحزب، يدعو جميع الأعضاء إلى التزام الصمت. غير أنه إذا ما هيمن داخل الحزب التوجه الداعي إلى الذهاب نحو المعارضة وحصلت له الغلبة، فإن الحزب يكون بذلك "قد خالف الدستور والخيار الديمقراطي، كما أنه لم يقدر بتاتا مخاطر التحديات الخارجية التي يعيشها المغرب في الأسابيع الأخيرة"، يقول اسليمي. وماذا لو ذهب الحزب إلى المعارضة؟ يجيب المنار اسليمي: "إن السيناريو المفتوح آنذاك سيكون الذهاب نحو حكومة تكنوقراط لتجاوز حالة الفشل الحزبي، ولضمان حسن سير المؤسسات الدستورية وإدارة الملفات في مرحلة انتقالية إلى حين نضج الشروط والظروف لإجراء انتخابات تشريعية جديدة، هذه الحكومة قد تكون مدعومة من طرف كل المكونات الحزبية ماعدا العدالة والتنمية".