ماذا في ليلة الإسراء والمعراج من عبرة لنا نحن المسلمين، ونحن نعيش هذه الحملة الشعواء على ديننا وقيمنا ومقدساتنا؟ ماذا فيها من عبر ودروس ونحن السائرون على الهدي النبوي المقتدين بسيرة خير خلق الله ؟ ماذا فيها من عبرة ونحن على مشارف مرحلة جديدة من التاريخ تعيشه الأمة المحمدية من يمنها إلى شامها، وتخط فجره من دماء أبنائها ورجالها ونسائها؟ ماذا فيها من المواقف الربانية والإشارات الإلهية التي توجهنا-نحن أبناء الصحوة الإسلامية المباركة - في هذه المرحلة المفصلية. تحل بنا ذكرى الإسراء والمعراج، وهي ليلة عظيمة منورة "بما هي ذكرى معجزة ناجى فيها الحبيب حبيبه، وجلَّى فيها المولى الكريم سبحانه عنايته، برسوله رحمة العالمين صلى الله عليه وسلم" فبعد أن اشتد أذى قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم وتنكر له الناس فلا معين ولا مواس بعد وفاة أمنا خديجة عليها السلام وعمه أبو طالب، قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف لعله يجد بين أهلها مستجيبا أو ناصرا لدعوة الحق، غير أنهم أغروا به سفهاؤهم وصبيانهم فآذوه حتى شج رأسه الشريف- بأبي هو وأمي- "وبعد رجوعه من الطائف وما لاقى من عنت وشدة على يد المشركين، كان أحوج الناس إلى رحمة من الله تجدد اليقين وتثبت الأقدام وتدفع لجهاد مستأنف. فكانت المعجزة السماوية والرحلة الخارقة بلسم الرحمة وباعث اليقين" . وشهادة لنا وعبرة لنا ولكل الأجيال ولو بعد حين" ماذا في ذكرى الإسراء والمعراج من عبرة وأسوة للعاملين على نصر دين الله عز وجل في عالم يموج فتنة، ويستنسر فيه الأعداء، يتآمرون على أهل الإيمان؟" . هي خلاصات وخواطر من وحي الذكرى: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ... فمهما كانت الاستفزازات والتحديات يجب أن لا نحيد عن منهجنا النبوي الذي هو الرحمة ونبذ العنف والرفق، وأن نفوت الفرصة على الظالمين فقد يئسوا من أن يكسروا شوكة هذه الدعوة المباركة لذا فهم يحاولون الآن لعلهم يستفزون البعض منا فيحيد عن المنهاج النبوي إما ضعفا أو يئسا أو انتقاما أو رد فعل، فنحن دعاة إلى الله لا نحقد على أحد ولا خصومة شخصية لنا ضد أحد. "فعن أمنا عائِشَةَ زَوْج النَّبِيِّ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ فَقَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ قَالَ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا". رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.... أن نحذر أن تحدثنا النفس -وهي كاذبة- أننا استثناء من سنة الله السارية في خلقه، أو أننا أكرم على الله من أنبيائه وأوليائه فنستثقل الابتلاء، نعم لا نشك أن ألطافه سبحانه تحفنا وعينه تكلؤنا وتصاريف قدره تحيط بنا وتخفف ما نزل رحمة منه بنا سبحانه وتعالى وترفقا، فرسول الله وهو أكرم الخلق على الله صلى عليه وسلم لم يستثن فكيف بنا؟ بل هو الشرف أن نكون على خطاه " فعَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ دَمِيَتْ إِصْبَعُ رَسُولِ اللَّهِ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ فَقَالَ "هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ".وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ". أحسب الناس أن يتركوا..... إن ما يتوالى على الأمة الإسلامية من صنوف التضييق والقمع والإرهاب والكذب والبهتان والزور لهو دليل على أنها على الطريق الصحيح، طريق الأنبياء والأولياء والصالحين طريق الابتلاء ﴿أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون﴾. ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة "فعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة". وعزتي وجلالي لأنصرنك... يقيننا أن سنة الله آتية لا تغفل الظالمين، وعينه عز وجل لا تنام وأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ووعده للمظلومين والمستضعفين "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" ضمانة إلى يوم الدين وما يعلم جند ربك إلا هو. فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ثُمَّ قَرَأَ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ. وعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ قَالَ فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ وَالنَّبِيُّ سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمْ الضِّحْكُ وَخَافُوا دَعْوَتَهُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ " ولمن يجرؤ على تعذيب الخلق وإذايتهم فليستمع لعله يرعوي ويتوب إلى الله قبل فوات الأوان "فَعنْ عُرْوَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ مَرَّ بِالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ وَقَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ وَصُبَّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الزَّيْتُ فَقَالَ مَا هَذَا قِيلَ يُعَذَّبُونَ فِي الْخَرَاجِ فَقَالَ أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا". هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين... نتواصى بالتواضع لله تعالى وملازمة الافتقار إليه وترك الحول والقوة والاطّراح على بابه، فمهما تكن أعدادنا وقوتنا وحضورنا وهي نعمة من الله تستوجب الشكر، وعلامة توفيق وتأييد بلا ريب "هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين"، فعلينا بالتواصي بملازمة المولى والإيواء له فهو ركننا الشديد، وما دون ذلك أسباب يؤخذ بها ويتوسل بها إليه. فمن دعائه صلى الله عليه وسلم في طريق رجوعه من الطائف نتعلم قمة الأدب والافتقار "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت أرحم الراحمين، ورب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى قريب يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك". خضوع وافتقار وتذلل بين يدي المولى عز وجل وتبرؤ من الحول والقوة ودعاء نسأل الله جلت قدرته أن يتقبله منا وعبرة نقف معها للذكرى والتذكر والاعتبار.والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. [email protected]