يُعَدُّ "الدُّستورُ"، بما هو ميثاقٌ تَعاقُديٌّ بين مجموع المُواطنين، أسمى معيار قانوني وضعيّ يُفترَضُ فيه أنْ يَضمن الحقوق ويُحدِّد الواجبات. وحينما يُعدَّلُ "الدُّستور"، فإنّه يُعرَض على النّقاش العُموميّ قبل أنْ يُستفتى شعبيًّا عليه. فماذا يُمكن أنْ يُقال عن نص "الدُّستور المغربيّ المُعدَّل" الذي يُرادُ عَرضُه (بل فَرضُه) كأنّه لا يُمكن أن يكون موضوعًا لأيِّ نقاش؟ بِغَضِّ النّظر عن كون اللّجنة التي قامت بتعديل هذا "الدُّستور" لا تَرقى مُطلقًا إلى مستوى "الجمعيّة التأسيسيّة" التي يُفترَض فيها أن تكون مُمثِّلةً لمجموع "قُوَى الشّعب" ومُستقلّةً تمامًا عن النِّظام القائم، فإنّ مُناقشةَ نص "الدُّستور المُعدَّل" تَرمي بالأساس إلى بيان مدى تعبيره عن المبادئ الأساسيّة الضّامنة لحُقوق مجموع المواطنين المغاربة في إطار ما صار مُتعارفًا في العالَم المعاصر باسم "الدولة المدنيّة والدمقراطيّة". وأوّل ما يُقابِلُنا في هذا "الدُّستور المُعدَّل" تأكيد "إسلاميّة الدولة" في بداية الفقرة الثانية من تصديره. فهل التّنصيص على "إسلاميّة الدولة" يُعبِّر عن حقيقة "المغرب" بما هو بلد لقيام/إقامة دولة مدنيّة ودمقراطيّة وتعدديّة تقوم على "الحق" و"القانون" و"المُساواة" بين كل المُواطنين بغضّ النّظر عن كل مُحدِّداتهم العرقيّة والجنسيّة واللُّغويّة والدينيّة والِاجتماعيّة؟ يَجدُر، ٱبتداءً، القولُ بأنّه لا مُشاحّةَ في أنَّ المغرب بلدٌ "إسلاميّ"، من حيث كون "الشعب المغربيّ" في أكثريّته مُسلمًا يَدِينُ - على الأقل في الظاهر- بالإسلام في مُعتقداته وعباداته وشعائره ؛ وهو "إسلاميّ" من حيث كونُه ينتمي إلى "العالَم الإسلامي" كعالَمٍ يَضُمُّ البلدان التي يُعدُّ أكثرُ سُكانّها مُسلمين ؛ وهو "إسلاميّ" لأنّه مجتمعٌ هيمنت فيه "الثقافة" و"الحضارة" الإسلاميتان، منذ نحو أربعة عشر قرنا، على كل المُكوِّنات الثقافيّة والحضاريّة الأُخرى. وعلى هذا الأساس، يُمكن الحديثُ عن "الشّعب المغربي المُسلم" وعن "الأمة المغربيّة الإسلاميّة". لكنْ، هل يسمح ذلك بالحديث عن "الدولة المغربيّة" بصفتها دولةً "إسلاميّةً" أساسًا؟ إنّنا نجد أنَّ صفة "إسلاميّة الدولة" لا تقتضي فقط أنْ يكون كُلُّ المغاربة - أو، على الأقل، معظمُهم- يَقْبلُون الانضواء تحت لواء "الإسلام" ويُسلِّمُون به تَسليمًا، بل تقتضي أيضا أنَّ "الدولة" تقوم في أُسسها على "الإسلام" بصفته مجموعةً من المبادئ والقيم المُحدِّدة للمُمارسة السياسيّة كتدبير قانونيّ ومُؤسَّسيّ للشّأن العامّ، بحيث يَصير كل ما ليس "إسلاميًّا" غير ذي مَحلٍّ في إطار "الدولة المغربيّة الإسلاميّة". فهل يُمكن "تسويغُ" و"تشريعُ" كل ما له صلة بالشّأن العامّ في المغرب بصفته إسلاميًّا؟ لو أخذنا أهمَّ ما يَقُوم عليه "الإسلام" بما هو "شريعةٌ" تَنُصُّ في أُصولها على أنّ ٱللّه يَأمُر بالعدل وأنَّ الدِّين لا إكراه فيه وأنَّ أمرَ المسلمين شُورى وٱجتهاد بينهم وأنَّ "ٱلحُكم" لا يكون إلا مُبايعةً بالرضى وأنَّ الكلَّ راعٍ ومَسؤولٌ عمّا ٱسْتُرعيه، لكانتْ "إسلاميّةُ الدّولة" عملا بهذه المبادئ تُوجِبُ بناء "دولة راشدة" تقوم على العدل والمُساواة وتحكيم "ٱلشريعة" مُراقبةً ومُعاقبةً بالقسط. فما مدى إسلاميّة دولةٍ لا تَحترم أيَّ مبدإٍ من تلك المبادئ؟ ما حقيقة دولة، من النّاحية الإسلاميّة، إذا كانت قائمةً على "بيعة الإكراه" وعلى "المُلك الوراثيّ" وعلى التّعايُش مع ٱستبداد ظالم وطُغيان فاسد/مفسد؟ ألا يجدر التّساؤُل، في دولةٍ يُرادُ لها أنْ تَتحدَّد بأنّها "إسلاميّة"، عن شرعيّة الخمّارات والمَراقص والبُنوك الربويّة ومتاجر الخُمور وأوكار البغاء والقمار والمُخدِّرات التي جرت العادةُ بكونها تَضُخّ الأموال في خزينة هذه الدولة تمامًا كما تَضُخّها في حسابات مالِكيها والمُستفيدين منها الذّين يَدَّعُون أنّهم "مُسلمون" والذين هُمْ، بالأساس، أعضاء في هذه "الدولة الإسلاميّة" التي يُبشِّرُ بها "الدُّستور المُعدَّل"؟! أفلا يَحِقّ، إذًا، للمُواطن المغربيّ غدًا أو لمن يُمثِّله، بعد إمضاء هذا "الدُّستور"، أنْ يُقِيمَ دعاوى ضد "الدّولة" التي تَقبلُ (وتَستغلُّ) كل تلك الشُّؤون والمُعاملات "غير الإسلاميّة"؟! أليس من حقِّ "المغاربة"، بما هُم "مُسلمون"، أنْ يُجنِّبُوا أنفسَهم وأهلهم كل أنواع "ٱلحرام" التي ٱعتادت "الدولة" رعايتها وٱستغلالها؟ لكنْ، إذا تجاوزنا ذلك المستوى الظاهر وٱعتبرنا أنَّ "إسلاميّة الدولة" تَجعلُها دولةً للمسلمين، فإنّه لا بُدّ من التّساؤُل عن مَحلّ غير المسلمين من اليهود والنّصارى والملاحدة واللاأدريِّين في هذه "الدولة الإسلاميّة"؟! هل عليهم أنْ يُغادروا "دولة المغرب الإسلاميّة" هذه أَمْ يُمكِنُهم أنْ يَبْقوا فيها من دُون أنْ يَطمعوا في ضمان حُقوقهم بالمُساواة مع باقي المغاربة من المسلمين؟! هكذا تتجلّى الثُّغرةُ الأُولى في "الدُّستور المُعدَّل" إذا اعتبرنا أنَّ نَصَّه وضع للإعمال وليس للإهمال. ولأنّها ثُغْرةٌ كُبرى، فهي وَرطةٌ شديدةٌ للدّولة المغربيّة ولكُلِّ الذين يُريدونها لا فقط أنْ تكون حصرًا "إسلاميّة"، بل أنْ يكون «الإسلام دين الدولة» (الفصل الثالث من الباب الأول). وأكثر من ذلك، فهي ورطةٌ لكل الذين سيَقبلون هذا التّنصيص على صفة "الإسلاميّة" باعتبارها مُلازِمةً ومُحدِّدةً لجوهر "الدولة المغربيّة". وإنّها حقًّا لورطةٌ، بالخصوص، لرجال الدولة ومُوظَّفِيها الذين عليهم - جميعًا من أعلاهم إلى أدناهم، ومن الآن فصاعدًا- أنْ يُثْبِتُوا باستمرار مدى «ٱلتزامهم بالإسلام» حتى يكونوا أهلا لتلك المناصب التي يتبوَّأُونها! وإنّها، بالأخص، لورطةٌ للذين يُسمَّوْن (ويَتسمَّون) "إسلاميِّين"، لأنّه عليهم - هم أيضا- أنْ يُبرهنوا على مدى ٱستحقاقهم لصفة "إسلاميِّين" من خلال نُهوضهم للعمل على تفعيل وتحقيق صفة "إسلاميّة الدولة" على كل المُستويات! غير أنَّ التّنصيص على "إسلاميّة الدولة"، في الوقت نفسه الذي يُعطي "ٱلشرعيّة" (الدينيّة!) لكل مُؤسسات وهيئات الدولة (وبالخصوص ل"المُؤسسة الملكيّة" كإمارة للمؤمنين ولكل "الأحزاب" و"المُنّظمات الحكوميّة")، إنّما وَرَد ليَسحب البِساط من تحت أقدام كل حزب أو تَجمُّع يُريد أنْ يَحتكر "ٱلشرعيّة الإسلاميّة" أو يُزايِدُ باسمها، بل إنَّ هذا التّنصيص على "إسلاميّة الدولة" ليزيد من توريط مثل هذا الحزب/التجمُّع بالضبط: إذْ ما دامت "ٱلدولةُ" قد حُسِمت إسلاميتُها بالدُّستور، فما على جميع الفاعلين السياسيِّين إلا ترك المُزايَدة التّسايُسيّة والتّشاعبيّة «باسم الإسلام» والانتقال، من ثَمّ، إلى خوض تنافُسٍ حقيقيّ على مستوى الإنجاز العمليّ من دون مَنٍّ ولا فخر. وهكذا، فلا حَلّ لإشكال "إسلاميّة الدولة" إلا بإلغاء هذه الصفة (أيْ بإعلان "مدنيّة الدولة" بعيدًا عن كل تضليل) أو تقييدها بالقول «إسلاميّةٌ بالانتماء ثقافيًّا وحضاريًّا إلى "الأُمّة الإسلاميّة" أو "العالَم الإسلاميّ». وحتّى هذا التقييد، إذا فُهِم حقّ الفهم، يَؤُول إلى إفراغ صفة "إسلاميّة" من معناها، لأنَّ "الأُمّة الإسلاميّة" كانت ولا تزال منذ أربعة عشر قرنا تعيش في ظل حكم ٱستبداديّ ومُلْك وراثيّ وجَبْريّ. ومن هنا، فإنَّ إرادة تحقيق صفة "إسلاميّة الدولة" من شأنها أنْ تَضع "نِظامَ الدولة" كُلَّه على مِحَكِّ "الشُّورى" و"المُبايَعة" كشرطين شرعيين لتنصيب "الخليفة"! فهل يَجرُؤ المغاربةُ، وخصوصا أدعياء السياسة، أنْ يقرأوا "إسلاميّة الدولة" بهذا التقييد الأخير كما تدعو إليه جماعة "العدل والإحسان" على لسان مُرشدها الشيخ "عبد السلام ياسين" منذ عقود؟ وهل يَعِي "إسلاميُّو النّظام" أنّه، بعد حسم "إسلاميّة الدولة" دُستوريًّا، لم يَعُدْ أمامهم سوى ٱلتزام "الدّعوة الدينيّة" وترك شؤون "الدولة المدنيّة" لأهلها أو ٱلِاستمرار في شرعنة ما لا يقبل إطلاقا الشرعنة الدينيّة؟! لكنْ ينبغي، بهذا الخصوص، أنْ يكون واضحًا جدًّا أنَّ ٱلِاعتراض على "إسلاميّة الدولة" ليس رفضًا مُلْتويًا للإسلام و، من ثَمّ، إقرارًا مُتخفِّيًا ب"ٱلعَلْمانيّة" بمعنى "ٱللادينيّة" ؛ وإنّما الحرص على "ٱلإسلام" هو الذي يقتضي عدمَ تركه دُوْلَةً بين أيدي ٱلِانتهازيِّين وٱلمُبطلِين، يُظهرونه كيفما يشاؤون ويُخفُونه حينما يشاؤون. ولا مجال، بهذا الصدد، للاتِّهام أو المُزايدة «باسم ٱلإسلام» الذي هو "دين ٱللّه" وليس أبدًا "دين ٱلدولة" (أيِّ دولة، قد لا تُعرَفُ بشيء بقدر ما تُعرف بمعصية ٱللّه في كل شيء كما هو حال هذه الدُّوَل التي تحرص، مع ذلك، على تحديد نفسها بأنّها "إسلاميّة"!) كما يُريد له تُجَّارُ التّضليل والتّدليس الذين تجدهم أحرص النّاس على التّلاعُب ب"ٱلدِّين/ٱلإسلام" وٱستنكار "مدنيّة ٱلدولة" تحت ذريعة أنَّ "ٱلعَلْمانيّة ٱلمُنكَرة" مجرد "لادينيّة" تعمل على "تعطيل ٱلدِّين" (وليس، كما هو الواقع، على "تحييد ٱلدولة" تُجاه "الدِّين" بإطلاق). ومن هنا، فإنَّ "الإسلام" ليس شعارًا يُرفَع للاستهلاك بحسب المُناسبات، بل هو ٱستقامةٌ على "ٱلحق" وإذعانٌ له على قدر ما يُستطاع في ظل كل مُحدِّدات "ٱلِابتلاء" ضمن شُروط هذا العالَم. و"ٱلحقُّ" الذي ظهر رُشْدًا مع "ٱلإسلام" هو رفض "ٱلوصاية" على عباد ٱللّه، سواء أكانتْ من طُغاةٍ مُستبدِّين أم من أحبار مُتعالِمين يُتَّخذون أربابًا من دون ٱللّه. ولذا، لا يَحِقُّ لأحدٍ - بعد ختم النُّبوَّة- أنْ يَحتكر الحديث «باسم ٱلإسلام» مُحلِّلا أو مُحرِّمًا كأنّه يتلقّى الأمرَ الإلاهيَّ وحيًا، لأنَّ "ٱلِاجتهاد" المفتوح نِقاشًا عُموميًّا والمأجور دائما يَمنَعُ من أنْ يصير "ٱلإسلامُ" «علامةً مُسجّلةً» حصرًا لأدعياء الأمر الذين ليسوا منّا في شيء. فأمرُ المسلمين جُعِل شُورى بينهم، بحيث لكل منهم أنْ يجتهدَ رأيه ولا يألو، ولا يُصار إلى رأيٍ ما إلا بإجماعٍ ترجيحيٍّ من دون تكفير ولا تفسيق ولا تأثيم، وإنّما هو التّنافُس المدنيّ في طلب الصواب مُحاجّةً ومُعاقلةً، وليس مُداهَنةً أو مُخاصَمةً. ومن البَيِّن أنْ لا شيء من هذا ممكنٌ إلا في ظل "دولة راشدة" تَتحدَّد قانونيًّا ومُؤسسيًّا ك"إطار مدنيّ ودمقراطيّ" لتدبير ٱلِاختلاف وترشيد التّنازُع. لذلك، من المُؤسف حقًّا أنّ يَبلُغ السُّخف إلى هذا الحدِّ في التضليل «باسم ٱلإسلام». وبما أنّه قد أتى في تصدير "الدُّستور المُعدَّل"، فإنّه ليستدعي كثيرًا من التّأمُّل والتّروِّي الذي يجبُ أنْ يقود إلى مُراجَعة لا فقط تلك الجملة، بل كل بُنود "الدُّستور" التي تُرسِّخ "ٱلِاستبداد" وصايةً وتألُّهًا باسم حفظ الأمن الروحيّ ("إمارة المؤمنين" على رأس "المجلس العلمي الأعلى" و"وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة") والماديّ ("وزارة الداخليّة" و"وزارة الدفاع"). ومن المُؤكَّد أنَّ مثلَ هذه المُراجَعة لنْ تكون إلا من قِبَل لجنةٍ تأسيسيّةٍ مُمثِّلةٍ حقيقةً لكل القُوى الحيّة والفاعلة بالمغرب، لأنَّ "الدُّستورَ" لن يكون له معنى إلا إذا أتى تعبيرًا حقيقيًّا عن "توافُقات معقولةٍ" بين كل قُوى الشعب المغربيّ. (قد يُقال، إنَّ تصديرَ "الدُّستور" لا يَتَّضحُ معناه إلا في سياق النّسق العامّ للدستور بكل بُنوده ؛ لكنَّ فحص كثير من هذه البنود يُثبِتُ أنَّ مجيء التّنصيص على طبيعة الدولة بذلك الشكل هو الثّمن الذي يجب أن يُدفَع حتّى لا يُناقَش دستورٌ يُشرِّع "ٱلِاستبداد" و"ٱللامساواة" و"ٱللامسئوليّة" منذ تصديره). وبعيدًا عن أيِّ تضليل قد يَأتي (ويُستغَلّ) من هذه الفئة أو تلك، فإنّه ينبغي أنْ يُؤكَّد بكل قُوّةٍ ووُضوحٍ أنَّ "ٱلدولةَ ٱلرّاشدة" (« l'Etat rationnel ») لا دينَ لها غير التّعهُّد بحفظ الأمن والسِّلْم وضمان المُساواة والعدل في ظلِّ قانونٍ وضعيٍّ يَسمُو على الجميع من دون ٱستثناء. أمّا "ٱلدِّين" (وفي حالتنا، بالمغرب، "ٱلإسلام")، فأكبر حمايةٍ له ليست في أنْ تكون "ٱلدولةُ" حصرًا ذات طابع "إسلاميٍّ" (أو "دينيٍّ")، وإنّما في أنْ تُلْزَمَ دُستوريًّا بضمان وٱحترام حرية ٱلِاعتقاد والتّعبُّد والتّفكير والتّعبير لكل المُواطنين بغض النّظر عن أديانهم أو مذاهبهم أو ٱنتماءاتهم. وعليه، فإنَّ دينَ المغاربة في أكثريّتهم هو "ٱلإسلام" الذي يجب على "ٱلدّولة" أنْ تُتيح لكل المُوطنين المُسلمين إمكانات مُمارسته والقيام به، لكنْ بصفته "دين أكثريّة المغاربة" وليس بصفته "دين كل المغاربة". وإلَّا، فإنَّ المُسلمينَ أنفسَهم مُختلفون ومُتنازعون. إذْ كيف يُمكن، ضمن واقع الاختلاف والتّنازُع، الجمع بين "الإصلاح والتوحيد" و"العدل والإحسان" و"الشبيبة الإسلامية" و"البديل الحضاري" و"الجماعات السلفيّة" و"الأقلية الشيعيّة" تحت صفة "إسلاميّة" هكذا من دون تعيينٍ يُحدِّدُ بدقّةٍ كل الفُروق القائمة بين كل تلك الفئات بحسب ٱنتمائها المُتعدِّد إلى "الإسلام" والمُحدَّد ٱجتماعيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا، وليس فقط دينيًّا كما يَتوهَّمُ كثيرون؟! ومن ثَمّ، يجب، بخلاف ما يَظُنُّ المُبْطِلُون، تأكيدُ أنّه لا "هويّةَ" حقيقيّةَ إلا "ٱلمُواطنة ٱلكاملة" التي تجعل الآدميَّ مَصُونَ الكرامة ومحفوظ الحُقوق في إطار "دولةٍ راشدة" تحت مُراقَبةِ ومُحاسَبة "ٱلمجتمع ٱلمدنيّ" كمجتمع من المُواطنين الأحرار والمُتساوين. ولأنَّ التّنصيص على "ٱلدولة ٱلمغربيّة" بصفتها "إسلاميّة" بالأساس يَتعارض مع مقتضيات الدولة المدنيّة والتعدديّة، فإنَّ إطباقَ دُعاة "ٱلإسلاميّة" عليه يَجعلُهم مجرد مُضلِّلين (أو، بالأحرى، "مُضلَّلِين") هَمُّهم الأقصى ضمان ٱمتيازات فئويّة (ونُخبويّة) على حساب حقوق باقي المُواطنين (من دون أيّ تمييز). وبما أنَّ السياسةَ إنجازٌ فِعْلِيٌّ يُشَقُّ فيما تَسمحُ به "صخرةُ ٱلضرورة" من مُمْكِناتٍ (وليست مجرد وُعود وأمانٍ تُرفع شعارات للنّفاق والتّضليل)، فإنّه لا تكفي في سُوقها النِّيات المُعلَنة ؛ إذْ لو كان الأمرُ كذلك، لصار كُلُّ خَِبٍّ أحسن "ٱلباعة" بين السياسيين، ولو لبقايا "ٱلسُّوس" التي ما زال يَتلهّى بها "ٱلسّاسةُ" عندنا فيُلْهُونَ بها أُمّةً طالما ٱسْتأنسها "ٱلِاستبدادُ" حتّى صارت لا تَرى بديلا إلَّا أنْ تبقى "رَعِيّةً" بين أيدي ساسةٍ بلا ذِمّة ولا مِلّة. وإجمالا، فإنَّ "ٱلدُّستورَ ٱلمُعدَّل" يبقى، بسبب تلك الثُّغْرة الكُبرى وبغيرها من الثُّغرات البادية فيه، مَشروعًا مفتوحًا للنّقاش وللنّضال أيضًا، لأنّه ببساطةٍ ٱجتهادٌ بشريٌّ مشروطٌ ومحدودٌ. وإذَا كان النّقاشُ يَستعرضُ الثُّغْرات لسدِّها ويُبيِّن الأخطاء لتَجاوُزها، فإنَّ النّضالَ المَدنيَّ والسِّلْميَّ يبدو السبيل الأوحد والأنجع للعمل على توفير الشُّروط الضروريّة لوضع "دُستورٍ دمقراطيٍّ" يَضمنُ المُساواةَ والإنصاف بين كل المغاربة في الحقوق والواجبات. وبهذا الخصوص، قد يُفْرَض على القُوى المُلْتفّة في حركة "20 فبراير" أنْ تَدخُلَ في مَسارٍ يَقتضي تغيير ٱسمها نفسه ليَصير "فبراير 20!"، لأنّ تحقيقَ كل مَطالبها قد لا يتأتّى إلا في "20 فبراير" من السنة القادمة أو من السنوات التي بعدها والتي قد تستمر "عشرين فبراير آخر"! ذلك بأنّ طريق النّضال والمُقاوَمة طويلٌ وشاقٌّ إلى أبعد الحُدود، خصوصًا أنَّ من «يَمْلِكُ "القانونَ" في أوطاننا (كما يقول "أحمد مطر") هو الذي يَملِكُ حقَّ عَزْفِهِ!» أو، إذا أردنا التّقريب في حالتنا، من يَتحكَّم في صناعة/تعديل "القانون" هو وحده من يُحدِّدُ نوع "الألحان" التي يُمكِنُ أنْ تُعزَف به (ورُبّما، أيضًا، تلك التي تجعل النّاس "يَعْزِفُون" عن غيره!). وإنَّ نظامَ "ٱلِاستبداد"، بالقانون لحنًا معزوفًا أو من دونه قيدا معزوفًا عنه، لا يملك إلا أنْ يَزُول من أوطاننا حتّى لو ٱستمر في ٱرتداء لَبُوس "ٱلدِّين" والتّبجُّح بزِينة "ٱلدمقراطيّة"، لأنّه نظامٌ قائمٌ على التّضليل والفساد لاستدامة الاستعباد، ولأنَّ الأحرارَ لا يَقبَلُون الأصفاد - حتّى لو كَتَب عليها المُضلِّلون "صُنْع إلهيّ!"- إيمانًا منهم بأنّهم خُلِقُوا بنَفخةٍ من ربِّهم تأبى إلَّا أنْ تقول "لَا" ولو على سبيل الجدل الذي سُوِّي عليه الإنسان شيئا أكثر من كل الأشياء، تخييرًا له وٱبتلاءً وليس تسييرًا وتشييئًا له كما يَتوَّهم ويُوهِمُ أصناف المُضلِّلِين/المُضلَّلِين بيننا. [email protected]