حول الفنان المالي بابا سيسوكو والمعلم بن سلوم كبيبر تحلق الجمهور, البعض افترش الأرض المكسوة بالزرابي الأمازيغية, والبعض الآخر اتخذ مكانا قصيا على أسوار سطح مقر الرابطة الفرنسية المغربية بالصويرة, ليتكلم الجميع لغة الموسيقى والإبداع. هذا المنبر المفتوح, الذي أضحى تقليدا سنويا ينعقد بتزامن مع فعاليات مهرجان كناوة موسيقى العالم, يجمع الفنانين بجمهور المهرجان, في جلسة تعود بالحاضرين إلى زمن التقاليد الشفوية الإفريقية, حيث يجتمع الحكماء تحت فيء شجرة لينقلوا تجارب الحياة إلى الجيل الناشئ, في أجواء من الحميمية والروح الأخوية. كؤوس الشاي تجوب الصفوف وتنشر عبق الحضارة المغربية الأصيلة, بين جمهور متعدد الأعراق, جاء ليلتقي بفنانين في أجواء مفعمة بأنغام موسيقى ضاربة جذورها في التاريخ, ويستمع إلى رؤية مغايرة للفن والموسيقى والحضارة الإنسانية. شجرة الكلام, ذلك المكان الزاخر بعادات وتقاليد تمتد جذورها حد التماهي التام مع جذور الأشجار التي تتخذ منها مجرى تتدفق عبره الكلمات والموسيقى, في مزيج متفرد يعكس غنى الحضارات الإنسانية وتنوعها. رمزية القارة الإفريقية حاضرة بقوة في المثال الذي تنشد لقاءات شجرة الكلام التعبير عنه, فهي الأرض المعطاء, حيث تنساب الكلمات في هدوء كجدول مياه عذبة, تعبر عن جوانب الإبداع والفن. يشير ميكاييل فور, مدير الرابطة الفرنسية المغربية بالصويرة إلى أن الرابطة تحتضن هذا اللقاء الفكري منذ ست سنوات, في إطار مهرجان الصويرة موسيقى العالم, والذي يشكل فضاء للحوار وتبادل الأفكار واللقاء والاحتفاء بالموسيقى. وأضاف أن الرابطة تحتفي, من خلال هذا التقليد, بعادات أصيلة تشترك فيها الحضارة الأنكلوساكونية والإفريقية, وتتمثل في استقبال ضيوف من كل الأجناس والأعمار بعد الظهيرة, واللقاء لتجاذب أطراف الحديث المتشعبة مع فناني المهرجان, لتبادل النقاش حول أصول استلهام الإبداع والفن, التي تكتسي أبعادا رمزية إنسانية وروحانية وميتافيزيقية. تحدث الفنان المالي بابا سيسوكو عن تقاليد بلاده العريقة, حيث اللغة وتجارب الحياة تشكل إرثا ينقله الحكماء إلى الصغار, أما المعلم كبيبر فاستعرض تفاصيل الفن الكناوي, الذي يشتهر بالليلات, إذ تجتمع الفرقة الكناوية لتصدح على امتداد الليل, بالموسيقى والأنغام. خلال اللقاء الحميمي الذي جمع فناني الحفل الافتتاحي ليوم أول أمس بالجمهور, استمتع الحاضرون بأنغام الموسيقى على قدر ابتهاجهم بمحاورة مبدعي الفن الإفريقي بكل تلاوينه وتجلياته, تغيب الكلمات حينا لتترك المجال فسيحا أمام الآلات الموسيقية الإفريقية التي تخترق الأفق وتمتزج بالأصوات القوية, كناوية وإفريقية, فالفن متعدد المشارب لكن لغته واحدة, تخاطب العقل والوجدان الإنساني بكل زخمها.