يوم 20 ماي 2015، قدّم عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، رؤية لإصلاح المنظومة التعليمية إلى الملك محمد السادس، ليحيلها بعد ذلك العاهل المغربي على حكومة عبد الإله بنكيران قصد تفعيلها في قانون إطار. وقبل انتهاء الولاية الحكومية، أحال بنكيران القانون الإطار على المجلس الأعلى سالف الذكر من أجل تقديم رأي استشاري فيه. هنا، تفجر المسكوت عنه. المجلس يوصي بإلزامية تمويل الأسر تعليم أبنائها بالمستويين الثانوي والجامعي؛ وهو ما يعني أن مجانية التعليم صارت في خبر كان ! لترتفع بذلك أصوات من داخل المجلس تعارض التوصية، وبلغ الأمر إلى درجة تقديم بعض الأعضاء لاستقالتهم من المؤسسة الاستشارية احتجاجا على تلك التوصية. هذه الواقعة تدفع إلى إثارة مجموعة من الأسئلة، لماذا صمت الجميع على ضرب المجانية خلال تقديم الرؤية؟ وما سر إثارتها في هذه اللحظة بالذات؟ هل اطلع أعضاء المجلس عليها؟ ولماذا دافع كل من عبد الكريم مدون، الكاتب العام لنقابة التعليم العالي، والبرلمانية آمنة ماء العينين عن الرؤية في لقاءات بعدة مدن وعارضاها اليوم؟ ضحك على الذقون فجأة، أعلن عبد الكريم مدون، الكاتب العام لنقابة التعليم العالي، استقالته من المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وهو الذي يشغل عضوا بمكتب المجلس بصفته رئيسا للجنة الدائمة للتعليم العالي والبحث العلمي، بسبب ما أسماه توجه المجلس نحو ضرب مجانية التعليم. هذا القرار حظي بالترحيب من الفاعلين الحقوقيين والسياسيين ومن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي. بدورها، عبّرت آمنة ماء العينين، النقابية والبرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، عن رفضها لتوصية المجلس؛ لكنها لم تستقل منه، لأن "المقعد الفارغ لا ينتج التغيير بقدر ما يفسح المجال لأطروحات أخرى للبروز بكل حرية"، حسب تعبيرها. مصدر من داخل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أكد، لهسبريس، أن مدون وماء العينين "يضحكان على المغاربة"، مفسرا ذلك بكون الكاتب العام لنقابة التعليم العالي "هو عضو رئيس للجنة الدائمة وعضو بالمكتب؛ وهو ما يعني أنه كان على اطلاع بالرؤية الإستراتيجية التي رفعت إلى الملك محمد السادس". المصدر نفسه أكد أن "مدون لا يمكن أن يخفي باستقالته هاته مسؤوليته ووقوفه أيضا وراء التوصية؛ ذلك أن الكاتب العام لنقابة التعليم العالي حضر يومين من أشغال الجمعية العامة التي دامت لثلاثة أيام، وبالتالي فهو موافق بقوة القانون على الرؤية بأكملها". هذا الأمر زكاه عمر عزيمان حين أكد أن الرؤية تمت المصادقة عليها بالإجماع من لدن هياكل المجلس شهر ماي 2015، وتمت تزكيتها من قبل الملك، والتزمت الحكومة باختياراتها ومضامينها، وعملت على صياغتها في مشروع قانون إطار؛ وهو ما يعني أن مدون وماء العينين صادقا على "ضرب مجانية التعليم". دفاع عن الرؤية.. وطعن لعزيمان بالعودة إلى مشروع القانون إطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي أعدته الحكومة بناء على الرؤية المذكورة، وأحالته على المجلس لإبداء الرأي فيه، يتبين أن الاتهامات التي يحاول عبد الكريم مدون توجيهها إلى الحكومة هي اتهامات باطلة، خاصة ما ذهب إليه بكونها تحاول الإجهاز على التعليم؛ فالكاتب العام مدون، يؤكد مصدر هسبريس، "نسي أو تناسى أن الرؤية تحدثت في الصفحة 49 على 'إقرار رسوم التسجيل في التعليم العالي، وفي التعليم الثانوي التأهيلي، مع تطبيق مبدأ الاعفاء على الأسر المعوزة، وذلك في إطار تفعيل التضامن الاجتماعي، وفي ضوء الدراسة قيد الإنجازات بصدد تمويل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتنويع مصادره". الأمر نفسه ينطلي على برلمانية حزب العدالة والتنمية ماء العينين، التي ولجت المجلس بصفتها النقابية، إذ صوتت على الرؤية، قبل أن تعود لتعارض المضمون نفسه الذي جاءت به حكومة حزبها! ليتبين، حسب تعبير مصدرنا، أن "الفريق الذي يشتغل مع الرئيس عزيمان يصفي حساباته السياسية على حساب جوهر قضية التعليم". مصدر الجريدة، وهو يكشف تناقض مدون وماء العينين، أكد أنهما عملا داخل المجلس، وبناء على موارده المالية تنقلا إلى عدة مدن مغربية، للترويج للرؤية الإستراتيجية والتنويه بها، بما في ذلك إلزامية تمويل الأسر لتعليم أبنائها. هسبريس اتصلت بنور الدين عيوش، عضو المجلس الأعلى، والذي خرج بتصريح اعتبره البعض منطقيا وواقعيا، بينما جر عليه غضبا من لدن نقابيين وسياسيين، لفت إلى أن البرلمانية ماء العينين كانت تسجل اعتراضها بقوة على النقط التي تختلف فيها مع أعضاء المجلس. وبالرغم من كونه لا يتذكر ما اعترضت عليه، فإنه شدد على أنها مدافعة باستماتة على وجهة نظرها، وتسجل مواقفها بوضوح عكس بعض الأعضاء. الرؤية ليست قرآنا! هسبريس وجهت السؤال إلى عبد الكريم مدون، المستقيل من المجلس، والذي حرك نقابته لتعبر عن اعتزازها بخطوة انسحابه من المجلس "احتجاجا على الزج بالمجلس في متاهات إجرائية وفق منظور سياسي معين أريد له تثمين النهج الحكومي الرامي إلى العدول عن مجانية التعليم كأحد الحقوق الأساسية للإنسان في المغرب". مدون أكد، في تصريح لهسبريس، أن "الرؤية تبقى مجرد رؤية وليست قرآنا"، قبل أن يردف: "مهمتنا ليست التصويت، فهذه مؤسسة للتفكير"، مشيرا إلى أن المجلس "يبقى مؤسسة استشارية، والحكومة والبرلمان من يصوت". وأوضح الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي أن الرؤية الإستراتيجية تضمنت أمورا إيجابية؛ لكن الحكومة في إعدادها لقانون إطار انحرفت عن المسار الذي يجب أن تسير فيه، مضيفا أن "هذا القانون الإطار كان يمكن أن يأتي متطورا على الرؤية". ورفض مدون الاتهامات الموجهة إليه بكونه يستهزئ باستقالته من المجلس على المغاربة، إذ قال: "نحن صادقون مع المغاربة.. بصفتي أستاذا أمارس المهنة أعرف وضعية التعليم، وأعرف وضعية الأسر المغربية"؛ وبالتالي، يضيف: "مساهمة الأسر مرتبطة بشروط، وهي غير متوفرة. فلا يمكن في وضعية متأزمة للمدرسة أن نفرض عليها رسوما". حاولنا الاتصال أيضا بالبرلمانية آمنة ماء العينين، عن حزب العدالة والتنمية لمعرفة جوابها عن الموضوع؛ لكن، وبالرغم من تأكيدها أنها ستعمل على إجابتنا، فإننا لم نتلق جوابا، وظلت أسئلتنا التي نقلناها إليها عالقة إلى حين. عزيمان يدافع عن بنكيران بينما خرجت النقابية/ البرلمانية آمنة ماء العينين عن حزب العدالة والتنمية، والتي تمثل بالمجلس الأعلى الذراع النقابية للحزب، لتعبر عن رفضها لتوصية المجلس، كان للمستشار الملكي عمر عزيمان رأي آخر، إذ خرج ليدافع عن التوصية ومشروع القانون الإطار الذي جاءت به الحكومة المنتهية ولايتها. عمر عزيمان، رئيس المجلس، دافع عن الحكومة، وهو يرد على الغليان الذي عرفته التوصية والقانون الإطار وهو الذي كان مفترضا - الغليان- أن يخرج إلى العلن إبان مناقشة الرؤية قبيل المصادقة عليها ورفعها إلى الملك، حيث أكد أن هذا القانون الإطار "يعد القانون الإطار الأول من نوعه في تاريخ الإصلاحات التربوية ببلادنا، ويأتي تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، وتفعيلا لتوصية الرؤية الإستراتيجية 2015-2030، وتطبيقا لالتزام الحكومة بوضع إطار قانوني يوفر للإصلاح التربوي ضمانة الاستمرارية ويحصن تفعيله من أي تردد أو انزلاق أو تراجع". كما شدد على كونه "ليس مجرد قانون عادي، بل هو بالأساس ترسيخ لمبادئ وقيم تهم حاضر ومستقبل بلادنا، خصوصا منها تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص في التربية والتكوين، وضمان جودتهما للجميع، والارتقاء بالفرد والمجتمع".