قال عبد العزيز بنزاكور، وسيط المملكة، إن "الوساطة اهتدى إليها الإنسان ككائن عاقل، لحل نزاعاته وخلافاته بوسائل سلمية"، مضيفا أن "الإنسانية اعتمدت التحكيم عبر التفاوض، من خلال تدخل طرف ثالث يبحث عن موقف يوفق بين مواقفهما". وأورد المتحدث ذاته أن "الوساطة من الوسائل الودية لحل النزاعات بين الإدارة وبين المواطنين"، مشيرا إلى أنها "تسعى إلى البحث عن حلول لما يطرأ من خلافات، وسوء تواصل وتأخرات مقصودة وغير مقصودة من لدن المؤسسات العمومية". وأوضح وسيط المملكة المذكور، خلال محاضرة ألقاها برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمدينة مراكش للتعريف "بالوساطة المؤسساتية"، أن المؤسسة سالفة الذكر "تدافع عن حقوق المرتفق في حالة تعسف الإدارة أو تماطلها في قضاء أغراض المواطنين"، كما "يمكن للإدارة بدورها أن تلجأ إلى الوسيط لإيجاد حل ودي مع المرتفق". وتابع بنزاكور مشيرا إلى أن "مؤسسة وسيط المملكة، التي أحدثت بظهير ملكي شهر مارس من سنة 2011، لا تتقيد بمجرد التطبيق الحرفي للقانون؛ بل تسهر على سير الإدارة وفقا للشرعية، كما تنطلق من قاعدة الإنصاف"، مؤكدا "أنها تعمل باستقلال عن السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية"ّ، على حد قوله. وزاد وسيط المملكة، خلال تعريفه بمؤسسة الوسيط، "أنها تعمل بتجرد وشفافية"، مبرزا أن "تدخلاتها غير قابلة للطعن أمام المحاكم المغربية"، و"تقوم بدراسة الشكايات المقدمة ضد المؤسسات العمومية، سواء أكانت مدنية أو أمنية أو عسكرية"، حسب تعبير بنزاكور. وفي معرض تطرقه لتطور الوساطة المؤسساتية، ذهب بنزاكور إلى أن ذلك يعود إلى زمن الخلفاء الراشدين، منبها إلى أن "مملكة السويد، التي اعتمدت هذا النظام سنة 1809، تأثرت سنة 1803 بديوان المظالم الذي كان سائدا خلال الحكم العثماني". وسجل المتحدث ذاته أن المغرب عرف هذه المؤسسات منذ غابر الأزمان، مستدلا على ذلك بلحظة حكم السلطان المولى إسماعيل، الذي كان يقوم بمهمة الوسيط بنفسه، موردا "خلال القرن ال19 وبداية القرن ال20، ظهرت وزارة الشكايات، التي كانت تفحص شطط عمال السلطان في استعمال السلطة ومراقبة التدبير المالي". وعرف المغرب في مجال الوساطة تأسيس مكتب الأبحاث والإرشادات من لدن السلطان محمد الخامس، جد الملك محمد السادس الذي أحدث ديوان المظالم سنة 2001؛ لكنه لم يعمر كثيرا، بالرغم من أنه عزز المكتسبات الحقوقية، ورفع المظالم التي ارتبطت بشطط بعض المسؤولين، ليتم تعويضه بمؤسسة وسيط المملكة"، يبين بنزاكور. وبخصوص طبيعة مؤسسة وسيط المملكة، سجل بنزاكور "أنها هيئة دستورية لها الأهلية القانونية والاستقلال المالي، وتتمتع بإمكانية "التدخل بمبادرة منه كلما بلغ إلى علمه تضرر المواطنين وهضم حق من حقوقهم، خاصة إذا كانت بسبب شطط في استعمال السلطة". وفي السياق نفسه، أوضح بنزاكور أن وسيط المملكة "يعمل على تبسيط المساطر الإدارية وولوج الخدمات العمومية، وتيسير الولوج إلى المعلومة الإدارية وتتبع تنفيذ الأحكام القضائية"، مؤكدا أن "الوسيط بإمكانه توجيه مذكرات تنبيه، لتحسيس إدارة ما ومطالبتها باتخاذ جميع التدابير لتصحيح الوضع". "الظهير المنظم لمهمة مؤسسة وسيط المملكة يلزم الإدارة بتقديم أجوبتها على الشكايات داخل أجل قصير"، يشرح بنزاكور، الذي يضيف أن "مؤسسات، كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلس المنافسة والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، بإمكانها إحالة كل ما يصلها من تظلمات على مؤسسته". "وسيط المملكة يقوم كذلك بإحالة ملفات الشطط في استعمال السلطة، من لدن موظفين وأعوان مسؤولين بإدارة معينة، على النيابة العامة بخصوص أفعال موضوع تظلم مواطنين". كما ترفع تقريرا سنويا إلى الملك حول التظلمات ومشاكل المرتفقين مع الإدارة، وتوصيات لتحسين المرافق العمومية، وتعرض مقترحات على رئيس الحكومة، وتقدم كذلك تقريرا تركيبا أمام البرلمان"، يختم بنزاكور.