أدى أمير المؤمنين الملك محمد السادس، اليوم، صلاة الجمعة بمسجد "ولد الحمراء" بالدار البيضاء، حيث أشرف على تدشين هذا المسجد الذي خضع لأشغال إعادة الترميم والتجديد، قبل أن يؤدي به صلاة الجمعة. ويندرج ترميم مسجد "ولد الحمراء"، الذي يشكل جزءا من البرنامج الوطني لتأهيل المساجد وقاعات الصلاة الآيلة للسقوط، والذي كان الملك قد أعطى انطلاقته في وجدة بتاريخ 14 ماي 2010، في إطار العناية بالشأن الديني عموما، وأماكن العبادة على وجه الخصوص. وأشرفت على إعادة تأهيل هذا الموقع التاريخي، ذو القيمة الرمزية بالمدينة القديمة للدار البيضاء، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؛ وهو مشروع محوري غايته الحفاظ على الذاكرة الجماعية ينسجم مع المقاربة والرامية إلى تثمين الرأسمال اللامادي، أحد المحددات الجوهرية لغنى الأمة. وهمت أشغال إعادة التأهيل، التي تطلبت استثمارات بقيمة 8 ملايين درهم، تقوية وتجديد الأسقف، وقاعة الصلاة والمنارة، إلى جانب إنجاز سقف متحرك مصنوع من الخشب المنقوش يعلو صحن المسجد . كما هم هذا المشروع تدعيم الأساسات، وإصلاح الشقوق، وتكسية الأرضية، وتجديد شبكات المياه والكهرباء والتطهير السائل، وترميم مجموع الدعائم الخشبية ومكونات الزينة وفق النمط الأصلي. وشيد مسجد "ولد الحمراء"، الذي يتسع ل 1500 مصليا ومصلية، من طرف السلطان سيدي محمد بن عبد الله سنة 1204 هجرية الموافقة لسنة 1789 ميلادية، ليشهد أشغال التجديد إبان فترة حكم السلطان مولاي الحسن الأول سنة 1310 هجرية الموافقة ل1892 ميلادية. واستهل الخطيب خطبتي الجمعة، أمام الملك محمد السادس، بالتذكير بفضائل الاسلام دين الوحدة و الاتحاد، والتعاون والاجتهاد، والتضامن والتآزر، لا دين فرقة وشتات، وتنافر وتضاد، دين يصلح بين المتخاصمين، ويقرب بين المتنافرين، ويدعو إلى تزاور المتباعدين، مبرزا أن صلة الرحم وذي القربى فريضة دينية، وضرورة اجتماعية تتطلبها الحياة اليومية. وأشار إلى أن الإنسان ضعيف بنفسه، قوي بأهله وإخوانه وجيرانه، والرحم هي الأقارب من آباء وأمهات، وأبناء وبنات وإخوة وأخوات، وأعمام وعمات، وأخوال وخالات، وما تناسل من هؤلاء وأولئك، مضيفا أن صلة الرحم تكون بالزيارة، والبحث عن أحوال ذوي القربى، وإيصال ما أمكن من خير إليهم، ودفع ما أمكن من شر عنهم، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، وإظهار البشر والسرور عند لقائهم، ومساعدتهم بقدر الإمكان، وحمايتهم من الأذى والأضرار. وأبرز الخطيب أن الإحسان إلى ذوي القربى من أعظم الوسائل في تثبيت المحبة وتوثيق روابط الأسرة، وجعلها متضامنة متماسكة، وكلما كانت الأسرة كذلك كانت الأمة كلها بخير، يقول الله عز وجل: "وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله"، ويقول تعالى: "واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام، إن الله كان عليكم رقيبا". وذكر الخطيب بأن رسول اللهصلى الله عليه وسلم رغبنا في صلة الرحم، ودعانا إليها وبين لنا أنها من أهم وسائل الزيادة في الرزق والبركة في العمر. وسجل أن للرحم عند الله تعالى منزلة عظيمة، وإنها في حمايته مصونة مكرمة، لذلك وجب رعايتها والمحافظة على صلتها بالود والإحسان، والعطف والحنان، مشددا على أن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا تحذيرا شديدا من قطع الرحم لما يترتب عن ذلك من الحرمان من نعيم الآخرة، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة قاطع رحم". وأشار الخطيب إلى أن العلماء يقررون أن المؤمنين، كما أنهم أولياء في الأرحام، هم أولياء في الإيمان، وأن لولاية الإسلام حقوقا مبينة بالكتاب والسنة، وهي ولاية لم تكن معروفة في الجاهلية، وأن أواصر العقيدة والرأي أقوى من أواصر الجسد. وفي هذا الصدد، ذكر الخطيب بأن المملكة الشريفة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ والحضارة وعالم القيم، لا تحرص على تقوية صلة الرحم بين مواطنيها وداخل حدودها فحسب، بل تذهب بهذه الصلة إلى أبعد مدى، إلى أقطار إفريقيا التي تعتقد، عن صدق وإيمان راسخين، أن لها بالمملكة المغربية صلات متينة متعددة الأبعاد، صلات العقيدة مع التي تدين بالإسلام منها، وصلات الجوار والحضارة والتاريخ و وحدة المصير معها جميعها. وأضاف أن الرؤية الإفريقية للملك محمد السادس، وزياراته لهذه البلدان بين الفينة والأخرى لتوثيق الأواصر، وتجديد العهود والمواثيق، وإرساء قواعد التعاون المثمر في شتى المجالات، ما هي إلا تعبير صادق عن هذه الصلات والروابط، التي يسعى الملك إلى إحيائها، وتجديدها، وتطويرها بما يخدم مصلحة الجميع حاضرا ومستقبلا.